التربية والثقافة الإعلامية الرقمية* د. عبير الرحباني
النشرة الدولية –
عندما نتكلم عن التربية الإعلامية فمن الضروري ربطها بالتربية والثقافة الرقمية، حيث لا يمكن الفصل ما بين التربية الإعلامية والثقافة الإعلامية الرقمية، كوننا نشهد اليوم ثورة رقمية أدت لتطورات كثيرة وعديدة طرأت على وسائل الإعلام، وأدواته، ومصادره، حتى أن وسائل الإتصال عامة والمعلوماتية أيضا، نجدها قد تحولت الى وسائل رقمية.
ولعلّنا نشهد اليوم تطورات عديدة وإبتكارات نوعية هائلة طرأت على وسائل الإعلام وأدواته، ووسائله المختلفة، بحيث تحولت تلك الوسائل من وسائل تقليدية، الى وسائل الكترونية، الى وسائل رقمية – الكترونية، من ثم الى إعلام جديد، يتمثل بمنصات التواصل الاجتماعي وأشهرها “الفيسبوك”، و”الهواتف الذكية” والتي تحولت فيما بعد الى “صحافة موبايل”، بحيث أصبحت آداة إعلامية متكاملة وأداة من أدوات الإنتاج الإعلامي، وبالتالي أصبح الباب مفتوحاً اليوم على كل الإحتمالات، وباتت تلك الوسائل أكثر قدرة على الإستجابة للظروف والمعيقات والتحديات التي يفرضها الواقع الإعلامي الذي لا يمكن الإستغناء عنه أو تجاهله. الأمر الذي يتطلب فهمها وإستيعابها وإدراكها من حيث أهميتها، وإيجابيتها وسلبياتها.
كما يتطلب إدراك تأثيرها ومخاطرها، بخاصة مع تفشي الشائعات، والفتن، والتحريض، والإبتزاز، وخطاب الكراهية والتنمر عبر الإعلام الجديد، إضافة الى أن أغلب الجرائم الإلكترونية أصبحت تتحول من العالم الإفتراضي الى أرض الواقع، فكانت أحد الأسباب الرئيسة في ضياعنا وضياع عقولنا. الامر الذي يدفعنا أن ندرك بأننا اليوم لسنا بحاجة الى تربية أجسادنا فحسب، بل نحن في أمس الحاجة الى تربية مشاعرنا وأحاسيسنا وأفكارنا وعقولنا وسلوكياتنا.
ولا شك بأن التطورات التي طرأت على وسائل الإعلام أدت الى تغيير أدواته التي إعتاد عليها المتابع والمستخدم لها. كما أن مصادر المعلومات تعددت وتنوعت وأختلفت عما كانت عليه سابقاً، ما يجعلنا نعيد النظر في جوانب عدة:-
الأولى: ماهية مضمون الوسائل الإعلامية وأبعادها، وتأثيراتها.
والثانية: معرفة مصادر الأخبار والمعلومات وإدراك مدى صحتها ودقتها. والثالثة: معرفة الوسائل الرقمية من حيث إجابياتها وسلبياتها وتأثيراتها ومخاطرها، إضافة الى إدراك أبعاد الإستخدام الرقمي، وضرورة إمتلاك مهارات الإتصال والتواصل من خلال هذا الإستخدام، ومدى أخلاقياتنا وسلوكياتنا من خلال التعامل مع الوسائل الرقمية، ومدى التزامنا بقوانين الإعلام التقليدي، والإعلام الجديد.
وعودة الى عنوان المقال (التربية والثقافة الإعلامية الرقمية) والذي يحمل عنوان كتابي الذي سيصدر قريباً والذي يعتبر الكتاب الاول في الاردن الذي يربط التربية الإعلامية بالثقافة الإعلامية الرقمية، حيث يهدف الى مساعدة مؤسسات المجتمع المدني على فهم التربية الإعلامية وتطبيقها على أرض الواقع من خلال فهم المجتمع بالإعلام وأهميته ومخاطره وتأثيراته الإيجابية والسلبية على الفرد المتلقي للمعلومة والخبر والمشارك في المعلومة والخبر والمتفاعل، بخاصة أن المواطن تحول من مواطن عادي الى مواطن رقمي عبر الإعلام الجديد.
كما يساعد هذا الكتاب الافراد بمختلف الفئات على تثقيفهم إعلامياً وتدريبهم على الإستخدام الرقمي السليم لوسائل الإعلام والإعلام الجديد المتمثل بمنصات التواصل الاجتماعي وأشهرها “الفيسبوك”.
كما يساعد الأسرة وفي مقدمتها المرأة (الزوجة والأم والمربية) على كيفية التعامل مع وسائل الإعلام وثقافة الاستخدام الرقمي، وبالتالي فان تعاملها السليم وإدراكها السليم في طريقة الإستخدام ينعكس على أبنائها، وبالتالي على المجتمع ككل.
كما يساعد فئة الشباب وطلبة الجامعات على الفهم العميق لمفهوم الإتصال والتواصل والذي يعتبر جسر الأساس في الوصول على فهم التربية الإعلامية والثقافة الإعلامية الرقمية، وبالتالي نشأة جيل قادر على التمييز ما بين المعلومة المغلوطة والصحيحة، وبالتالي صد الشائعات والفتن، وتجنب اسلوب التنمر والإبتزاز والوصول الى خطاب معتدل الفكر بدلاً من خطاب الكراهية الذي أصبحنا نشهد انتشاره عبر الإعلام الجديد.
ولا شك ان الإتصال علم بحد ذاته ولا يمكن تجاهله بعيدأ عن التربية الإعلامية والثقافة الرقمية، كونه حاجة إنسانية ولولاه لما أصبح هناك تواصل ولما كان هناك إعلام بحيث تكمن أهمية الإتصال من خلال استخدام شبكة الإنترنت، والإعلام الرقمي – الالكتروني، والإعلام الجديد أيضاً، بخاصة وأن العالم تحول من قرية صغيرة الى غرفة كونية ننقل بها المعلومات للاخرين بمختلف أشكالها وأنواعها، نتيجة ثورة الاتصال الرقمية الهائلة التي نشهدها اليوم.
وبما أن عصرنا الحالي يشهد تطوراً سريعاً وهائلاً على وسائل الإتصال والإعلام، فكان من الضروري أن نتطرق الى التركيز والإهتمام ببعض المفاهيم والمصطلحات التي من الضروري ان يدركها أفراد المجتمع وكل قارىء لهذا الكتاب، حيث لا يمكن ان يكون هناك تربية إعلامية وثقافة رقمية من دون التوضيح لتلك المصطلحات والمفاهيم، بحيث نجد أن معظم الناس وحتى طلاب تخصص مادتي الصحافة والإعلام لا يميزون ما بين مفهوم الإعلام الإلكتروني والإعلام التقليدية. ولا يدركون بأن الإعلام الإلكتروني هو نفسه الصحافة الإلكترونية. كما أنهم لا يميزون ما بين الإعلام التقليدي والرقمي، وما بين الإعلام الجديد.
كما نجد خلطاً لأغلب الصحافيين والباحثين في المجال الإعلامي، فيما يتعلق ببعض المفاهيم الإعلامية، التي أصبحت تعمل على تشتيت ذهن القارىء، وذهن المستخدم لوسائل الإعلام والإتصال. فمنهم من يخلط ما بين مفهوم الصحافة الالكترونية اي (الإعلام الالكتروني)، وما بين الإعلام الرقمي، ومنهم من يخلط من حيث المفهوم ما بين الإعلام الرقمي وما بين الإعلام الجديد.
كما أن الكثيرين سواء أكانوا طلاب جامعات أم أساتذة ام إعلاميين وصحافيين، يعملون على تشتيت ذهن القارىء عن دون قصد، أو لعدم إدراكهم الكافي لتلك المفاهيم والتعريفات.
فعلى سبيل المثال: هناك من يطلق على الإعلام الجديد بـ “الإعلام التفاعلي”، وهناك من يطلق عليه بـ “الإعلام المجتمعي”، وهناك من يطلق عليه الإعلام البديل. لكن الأصح بأن نقول: (الإعلام الجديد) والذي يعتبر الفيسبوك والهواتف الذكية) من ابرز اشكاله، لاننا لو أطلقنا عليه الإعلام البديل فهذا يعني أن الاعلام الجديد أصبح بديلاً عن الوسائل الاعلامية التقيدية الأخرى، وبالتالي فإن هذا المفهوم يلغي الوسائل القديمة، لذا لا يجوز أن نطلق على الإعلام الجديد بالإعلام البديل.
كما أن هناك الكثيرين لا يدركون بأن الإعلام الجديد يعني الفيسبوك والهواتف الذكية والتي من خلالها نستطيع إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي والبرامج الإتصالية الأخرى. لذا فإن اولى خطوات التربية الإعلامية هو التثقيف الإعلامي الذي نحن في أمس الحاجة اليه، وعندما نتثقف إعلامياً فمن السهولة تطبيق التربية الإعلامية على أنفسنا.
ومن هنا، جاء التركيز والإهتمام بتخصيص جزء من الكتاب كي يعتمد القارىء على المفاهيم والتعريفات حرصاً منا على عدم تشتيت ذهنه، ولتجنب الفوضى الإعلامية فيما يتعلق بالتعريفات والمصطلحات والمفاهيم.
ولا يسعني سوى القول: صروح العلم، أولئك الذين يتعلمون فيها إحترام الرأي المخالف، ومحبة وتقبل الآخر، ويتعلمون فيها أن حب الوطن غير قابل للقياس، ولا يقدر بثمن، ويجب إعطاؤه بسخاء. ويتعلمون فيها بأن لكل عمل أو مهنة، رسالة مقدسة وجب إحترامها وتقديمها بضمير. يتخرجون منها بــ “درجة الشرف”.