اليوم تشريني وقد بدلت السماء الوان اثوابها* جهاد قراعين
النشرة الدولية –
اليوم تشريني وقد بدلت السماء الوان اثوابها، ضاع لاجاه الضحى ببراءة ، لفها الضباب لابسا قناعا مزيفا لا افهم معناه ، كانت الشمس تفيض بنورها غيبها وراء الارض ، هبت نسائم ريح جنوبية أضفى بأنفاسه البيضاء عباءة المطر مشبعة بالشوق ، تناثر الضباب بعفوية وكان يركض وراء غيمات تكدست في طريقه وكأنه يحاول مضاجعتها ، باحتفال عرسي والاشجار والعصافير تستحم بأمطار السماء.
اغراني صمتي في لحظة تتزاحم بالطابور مشاعري العميقة الناضجة وهي على أهبة الجنون تتعرى أمام نقاء مروع وزفرة شيطانية تتأهب للانقضاض على أنفاسي لتوقعني في مأزق.
انقل نظري باحثة عن غمازتين فقدتهما اثر خواء من عواطف جامحة، تعبت فجلست على رصيفي متأملة المارة ، جلست بجانبي دون اذن مني نوارات ازهار برية صفراء اللون، تجادلني في صوفية وعمق تأملي، سالت عمن تبحثين وانت تحطمين قلوب النساك، أجبتها هذا محض افتراء فما بالك في قلبي المحطم، تبعثرت أنفاسي اللاهثة من رأسي الى أخمص قدمي، تمزقني سكنات الغيوم في السماء، تارة تلبس ثوبا ناصع البياض وتارة تتوشح بالسواد يتمازج ويتمواج برمادية، تخادعني في غموضها وكأنها أنثى لعوب غريبة الاطوار لدوحة متعجرفه تغرقني في بحر من الحبر المتغير الالوان، تعج بشوق للانقاض على رأسي بشوق، يجتاحني ضيق وتوتر في المزاج.
تمشينا متكئين على بعضنا انا ونوارات الازهار، فاذا بصبية في قعر الوادي الذي اعتبره مقدسا، ابتهلت وقلت لا جف ضرع ينبوع تطل عليه صبية، كانت نظراتها تطارد مطرا متعلقا بغيمات السماء ، ناديتها وعرفت أنها كهرمانه ، تمتلك أحجار عينيها لونا اخضرا غامقا كلون الزيتون العتيق .
كان تعلقها هشا بقدر كاف، التقته يوما في عرزالها وهي خالية الوفاض، في حبور انثوي آسر كعينيها ، مالت نحو كتفه لتشده وتتذوق غمار المغامرة، كان وميض عينيه براقا كالصقر، حدقت في الافق البعيد.
كان الوقت في غيش، والمغيص يغوص في البحر غير متقبل ليد تمتد اليه، غاصت في عينيه المبللة برذاذ المطر وضحكته المجلجة ملء شدقيه، امتصت بسؤالها له بهمهمه ووشوشة كما تمتص النحلة رحيقا من زهرة، استهوت مذاقها ، لتتلاقى العيون باسمة بحبور سافر تدللت شفتيها بغنج على شفتيه، والبوح الطازج الموجع يقض عليها مضاجع الدحنون في عرزالها.
شاغبته وشاغلته فالحب ناره حراقة، ان امتدت أصابعه تذيت عواصفه الغاضبة كالشمع الذي يذوب بفعل فتيله، كانت في هذه اللحظة هي فتيلته، بعثرت روايات غمازتيه لتكتشف أسرار هضابه ووديانه العميقة، تتذبذب بقواعد اللعبة التي تلعبها عصافيرها العاشقة، ظمآنه لكشف مجرى قنواته وصلابة ذراعية المفتولتين اذا طوَّق خصرها ليزيل غبار حب حبلى في ذهنها.
كانت تفتش خارج صحن أنفاسه اللاهثة، وتفكر بأنانيتها، آسر القسمات هو حنانه وعاطفته رقيقة منسابه من عينية كأنها البرق الذي يومض في ليل شتوي مظلم، كان نسغ الحياة في شرايينه قد جف بالمطلق ، والغيمات تصتك أسنانها لترسل هذا الوميض الى قلبها ،لتلحقه بزخات مطر غزير او رذاذ شفيف يشق طريقه عبر نسائم رقيقة الوجنات، هادئة الطباع متسلله نوافذ سريرته ، كثر البوح الشغيف تحت عباءة السماء، وأركان جسدها تجد الدفء على عتبات عينيه، فتفتحت ابوابه الموصدة ليتفتت بين كفيها ككائن هلامي، ختمت اللقاء بأن وشمت براجم أصابع اليد باسمه، متكأة على غموض المشهد ودفئه.