مهمات ما قبل مغادرة جادة بنسلفانيا* مرح البقاعي
النشرة الدولية –
خلص التقرير الأخير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران أمست تمتلك مخزونا من اليورانيوم منخفض التخصيب يزيد عن 2442 كيلوغراما، أي ما يعادل 12 ضعفا من الكمية المصرّح بها بموجب الاتفاق النووي الذي أبرم في العام 2015 وغادره الرئيس الأميركي ترامب في العام 2018.
وأفاد التقرير أن هذا المخزون كاف لإنتاج ما يقرب من سلاحين نوويين من أسلحة الدمار الشامل، وفقا لتحليل معهد العلوم والأمن الدولي؛ وستكون طهران بحاجة إلى عدة أشهر فقط من المعالجة الإضافية لتخصيب اليورانيوم إلى مواد من الدرجة الأولى، ما يعني أنها ستكون على بعد يسير من قنبلتها النووية في أواخر ربيع 2021 القادم.
يبدو أن الرئيس الأميركي لن يتريّث حتى يقع الفأس في الرأس وتبلغ ولاية الفقيه في إيران مآربها في تهديد المنطقة والعالم بامتلاكها سلاحا نوويا مدمّرا في بداية العام القادم، بل سارع إلى عقد اجتماع استثنائي مع كبار مستشاريه في مكتبه البيضاوي مباشرة إثر إعلان الوكالة لتقريرها الذي انبنى على معلومات دقيقة جمعها مفتشو الوكالة الدوليون من مواقع إيرانية لتخصيب اليورانيوم.
ستحلّ في بداية العام 2021 القادم ذكرى مرور عام كامل على مقتل سليماني قبل أن يتمكّن الحرس الثوري من تنفيذ ما توعّد به من عمليات انتقامية ضد الجيش الأميركي في أي موقع تواجد به
طلب الرئيس ترامب في الاجتماع من مستشاريه المختصّين أن يفنّدوا له واقع الأمر من حيث الخيارات المتاحة لاتخاذ إجراءات رادعة ضد الموقع النووي الرئيس “نطنز” في وقت ليس بالبعيد.
الاجتماع الأمني عالي التمثيل جاء إثر إقالة ترامب لوزير دفاعه، مارك إسبر، وعدد من كبار مساعديه في البنتاغون الأسبوع الماضي. في حين أعرب كبار القادة في وزارة الدفاع ومسؤولون في الأمن القومي الأميركي عن مخاوفهم من أن الرئيس قد يقوم بعمليات عسكرية نوعية قبل انتهاء ولايته بشكل مباغت على أهداف إيرانية محدّدة.
المستشارون الذين دعاهم الرئيس للتشاور وكان منهم نائبه مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والقائم بأعمال وزير الدفاع المعيّن حديثا إثر خروج إسبر، كريستوفر سي ميلر، اجتمعوا على رأي واحد وهو خطورة توجيه ضربة ضد المنشآت الإيرانية لأن بإمكانها أن تتصعّد بسهولة لتتحوّل إلى صراع معقّد قد نعرف بداية له لكن من الصعب رسم سيناريو لنهايته.
كما أن المستشارين أجمعوا على التأثير السلبي المحتمل لهكذا تحرّك على القاعدة الشعبية للرئيس التي تعارض الانخراط في حروب الشرق الأوسط مهما كانت محدودة، وذلك إيمانا منها بعقيدة ترامب التي جاءت في الصلب من برنامجه الانتخابي للعام 2016 وهيأت له هذا الالتفاف الشعبي العريض، والتي تستند إلى انسحاب أميركا من البؤر الساخنة وراء الأطلسي وإعادة الجنود الأميركيين إلى بلادهم.
يعتقد كبار مستشاري الرئيس أنهم خرجوا من الاجتماع بنجاح وقد أثنوا الرئيس عن القيام بأي تحرّك عسكري ضد المواقع النووية الإيرانية وفي مقدمتها موقع “نطنز”، إلا أن ترامب مازال يقلّب الأفكار والسبل في محاولات أخيرة لتكبيل يدي الرئيس المنتخب جو بايدن، بحيث يغدو من المستحيل على الولايات المتحدة العودة إلى اتفاق 2015 مع طهران، وهو وعد قطعه بايدن على نفسه خلال الانتخابات الرئاسية الراهنة.
تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية جاء ليؤكّد مخاوف ترامب التي أطلقها حال وصوله إلى البيت الأبيض في العام 2016، والتي تقضي أن طهران لا تلتزم بتعهداتها، بل وتخفي أكثر مما تُظهر من نشاط مفاعلاتها النووية ذي الأغراض التسلحية. وانتقد التقرير إيران لعدم إجابتها على سلسلة من الأسئلة حول مستودع في طهران عثر المفتشون فيه على جزيئات من اليورانيوم، ما أثار شكوكا حقيقية أن المستودع كان واحدا من منشآت المعالجة النووية التي تمّ إخفاؤها عن لجان التفتيش وتغيير معالمها.
في الثالث من شهر يناير من مطلع العام الجاري، أمر الرئيس ترامب بتوجيه ضربة مركزة عن طريق طائرة مسيّرة دون طيار لموكب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، فور مغادرته مطار بغداد عائدا من دمشق، وذلك في ضربة أميركية نوعية لمهندس عمليات الميليشيات الإيرانية العابرة للحدود. وستحلّ في بداية العام 2021 القادم ذكرى مرور عام كامل على مقتل سليماني قبل أن يتمكّن الحرس الثوري من تنفيذ ما توعّد به من عمليات انتقامية ضد الجيش الأميركي في أي موقع تواجد به. وقد يكون العراق الأقرب منالا لعصائب الحرس الثوري لتوجيه الضربة الانتقامية تلك.
طلب الرئيس ترامب في الاجتماع من مستشاريه المختصّين أن يفنّدوا له واقع الأمر من حيث الخيارات المتاحة لاتخاذ إجراءات رادعة ضد الموقع النووي الرئيس “نطنز”
ضمن هذا المشهد يحاول الرئيس ترامب أن يحقّق معادلة دقيقة فشل سابقوه في ترتيب معطياتها، وتستند إلى حاملين أساسين: الأول يكمن في جعل مهمة بايدن أكثر من صعبة، إن أراد إعادة المياه إلى مجاريها مع نظام الولي الفقيه في طهران، آخذا بالاعتبار ذاك التناغم الذي كان قائما بين بايدن وملالي طهران حين كان نائبا للرئيس أوباما لمدة ثماني سنوات؛ والحامل الثاني يتمثّل في وضع الجيش الأميركي في حال من الجاهزية القصوى لتوجيه ضربة استباقية قاصمة لإيران، قادرة على منعها من القيام بأي تحرّك انتقاما لمقتل سليماني خلال الشهر الأخير من وجود الرئيس ترامب في البيت الأبيض.
تفيد دروس التاريخ أنه في نهايات العام 2008، وخلال الأشهر الأخيرة لإدارة الرئيس الأسبق، جورج دبليو بوش، سعى المسؤولون في إسرائيل للحصول على قنابل خارقة للتحصينات وقاذفات من الولايات المتحدة، إلى جانب دعم استخباراتي أميركي، وذلك بهدف توجيه ضربة إسرائيلية نوعية للمنشآت النووية في إيران، وقد كانوا شديدي القلق من توجهات إدارة أوباما المحتملة في هذا الشأن، إلا أن الرئيس بوش لم يوافق على الطلب بالرغم من أن نائبه، ديك تشيني، شجّعه على تلبية طلب تل أبيب.
فهل يفعلها الرئيس ترامب ويباغت إيران في عقر دارها وهو المنشغل في القضايا العالقة للانتخابات الرئاسية وإمكانية استمراره على رأس الدولة من عدمه بل وخروجه خاسرا أمام الرئيس المنتخب جو بايدن؟
إن غدا لناظره قريب.