نحن نساء مسلمات في بريطانيا نعاني من ضعف الخصوبة ونحتاج رعاية.. هل يسمعنا أحد؟* سايدة سوليفان

النشرة الدولية –

تشيع المعاناة من ضعف الخصوبة شيوعاً فتاكاً لدرجة أنها تؤثر على زوجين من بين كل سبعة أزواج في المملكة المتحدة. ولا يقتصر الأمر على هذا، بل هي مشكلة آخذة في النمو أيضاً؛ إذ توضح بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية انخفاضاً في معدل المواليد خلال عام 2018، وتشير البيانات إلى أن عاملاً أساسياً يتسبب في زيادة معدلات الشيخوخة مقارنة بالمواليد الجدد يتمثل في انخفاض معدلات الخصوبة. ورغم أن النظر إلى معدلات ضعف الخصوبة من المنظور العِرقي هو أمر لم توثّقه هيئة الخدمات الصحية العامة، تشير إحصائيات من عام 2019 إلى أن أغلب الساعين إلى تلقّي علاج لتحسين الخصوبة (66%) هم من أصحاب البشرة البيضاء. وهذا يرمز إلى مشكلة أكبر بشأن الذين نتحدث عنهم عند تناول المشكلة، ومن لديه القدرة على تلقي العلاج لمواجهة ضعف الخصوبة.

حسبما قالت سالي شيشاير، رئيسة هيئة الإخصاب البشري وعلم الأجنة، في وقت سابق عند نشر تلك الأرقام: “إننا نعرف أن بعض المرضى الذين ينتمون إلى أقليات عرقية يعانون من تحديات ثقافية وأحياناً دينية فريدة من نوعها حين يبذلون محاولات حثيثة للإنجاب. ونعترف أن ثمة وصمة عار ما زالت قائمة بشأن ضعف الخصوبة بشكل عام، لكن من المهم أن يعرف الناس أنها حالة طبية مُعترف بها شأنها شأن أي مرض آخر”.

آخر”.

إن الذين يتحدثون علانية عن تلك الأزمة يشيرون إلى العديد من العوامل المتسببة في الوصمة المرتبطة بضعف الخصوبة في المجتمعات الإسلامية. إذ أشارت بعض النساء إلى ضغوط مفرطة يخضعن لها كي ينجبن، فيما قالت أخريات إن مناقشة مسألة ضعف الخصوبة أو فقدان الأطفال في حد ذاتها هي وصمة عار. وبالنسبة لكثيرين، لا تعد هيئة الخدمات الصحية الوطنية محل ثقة، وقد لا يُعرف مدى انتشار العوامل المؤثرة على الخصوبة. إلا أن ثمة دلائل متزايدة تشير إلى حالتين مرضيتين أساسيتين يُعزى إليهما ضعف الخصوبة (وهما متلازمة تكيس المبايض والانتباذ البطاني الرحمي) تصيبان على نحو غير متناسب ذوات البشرة السوداء، والآسيويات، ونساء من أقليات عرقية أخرى.

يتفاقم كل ذلك بسبب حقيقة أشارت إليها الطبيبة براغيا أغارول في مقال نشرته صحيفة Independent البريطانية، مفادها أن الصورة العامة لضعف الخصوبة وأطفال الأنابيب تمثلها امرأة بيضاء من الطبقة الوسطى، ذات ميول جنسية ليست مغايرة، في منتصف الثلاثينات من عمرها، وهي فكرة خلقتها الثقافة السائدة تُرجّح أن ضعف الخصوبة وفقدان الأطفال يؤثران فقط على نوع واحد من النساء، أو هن من يهتممن به.

لكن ذلك لا يعني ألا أحد يتحدث عن الأمر؛ فعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تعكف مساحات مخصصة للدعم والمقاومة على تغيير تلك السردية بشأن الخصوبة في أوساط النساء المسلمات؛ على سبيل المثال، تقدم صفحة @muslimah.support على موقع إنستغرام الدعم للنساء المسلمات اللائي يعانين من ضعف الخصوبة، فقد الأجنة، وما بينهما من أزمات بهذا الصدد.

وهناك أيضاً فرح، مدربة التنمية الحياتية لدى @inspirehercoaching، التي تتعاون مع سما وروكسار على تقديم الدعم العاطفي والنفسي، وتبث رسائل الأمل لأخريات. وباستخدام هاشتاغيّ #musliminfertility و#muslimttc (إذ يشير الاختصار ttc إلى النساء اللائي يحاولن الإنجاب ويشيع استخدامه على المنتديات التي تتناول المشكلة)، ولا يقتصر عمل المجموعة على توثيق معاناة وألم التجارب الشخصية لأعضائها، بل تعمل أيضاً كمجموعة دعم لأخريات مثلهن. وبفعل ذلك، يبدد هؤلاء النساء الوصمة المرتبطة بضعف الخصوبة في مجتمعاتهن، ويضغطن لتوفير دعم طبي ومجتمعي أفضل، والأهم من كل ذلك هو بث رسائل الأمل. ها هي قصصهن:

سما – 28 عاماً

بدأ كل شيء حين وصلت إلى سن البلوغ، كانت دورتي الشهرية غير منتظمة، ولكنني لم أفكر في أي شيء حيال الأمر. بل في الواقع، كنت سعيدة بأنني لم أعاني الدورة الشهرية. لا نزيف شهري! كم هو أمر سعيد! ولكنني لم أكن أدرك آنذاك خطورة الأمر، وهو السبب الذي لم يجعلني أخضع للفحص الطبي قطّ.

بعد سنوات قليلة، ازداد وزني، وتغير مقاسي من 8 أو 10 إلى 14 أو 16. وذهبت للأطباء وألقوا باللوم على دراستي، في إشارة إلى الضغط العصبي الناجم عنها. لكنني أصررت على إخبارهم – مراراً وتكراراً – أن هذا ليس السبب. وفي النهاية، بعد ثلاث سنوات، شُخصت حالتي فتبيّن أنني مصابة بمتلازمة تكيس المبايض، ولكنني لم أكن أعرف بشأنها، وواصلت تجاهل الأمر. لم يكن يعتريني القلق إثر اعتقادي بأنني لن أتزوّج أبداً. كنت أحدّث ذاتي قائلة: “من سيتزوجني على أية حال؟”.

كنت مخطئة، فقد تزوّجت. وبعد خمس سنوات من محاولات الإنجاب دون نتيجة. كذبت على نفسي وقلت إن المشكلة ليست منّي، في حين أنها كانت كذلك. وكذبت على نفسي مجدداً وقلت إنني لا أريد أطفالاً، في حين أنني في حقيقة الأمر أريد الإنجاب.

كان فؤادي يتوق لأن أصير أماً، لكنني لم أدرك غايتي قطّ.

في بعض الأيام، كنت أشعر بوحدة شديدة. ولا أتحدث عن مشاكلي. ولكن منذ أن أسسنا صفحتنا على موقع إنستغرام، أدركت أن هناك الكثيرات من النساء الأخريات يشعرن تماماً بما أشعر به.

تشوّهت تجربتي بأسرها لكوني امرأة مسلمة، نتيجة لـ “العار البنغالي” الذي كان يدفعنا للتفكير بأن الإجهاض يدعو للخزي وهو خطأ النساء. وبكل صراحة، شعرت بعدم وجود دعم في المجتمع المسلم.

إننا نستخدم حساب إنستغرام لنشر القصص ولدعم أخريات. ودائماً ما نخبر القراء بأننا لسنا متخصصين طبيين، ولم نتلق تدريباً، بل نقدم الدعم من خلال تجاربنا الشخصية. وفي بعض الأحيان، يتمثل كل ما يحتاجه المرء في شخصٍ يتحدث معه لا يكون ذا صلة مباشرة بالأمر ويأخذ معاناتهم على محمل الجد. ومن تجربتي الشخصية، الأطباء ببساطة لا يفعلون ذلك. إنني أعاني من متلازمة تكيس المبايض فيما يقتصر تركيز الأطبّاء على وزني. لقد انصرفت عنهم حينما نعتوني بـ”البدينة”، وقالوا لي إنني لن أحمل طفلاً أبداً.

مررت بفترات لم يساعدني خلالها شيء، حتى إيماني، على المضي قدماً. مررت بأوقات كنت أقول فيها: “لماذا أنا؟”، ولكن هناك العديد من الآيات القرآنية التي تقول إنه حين يأت الألم، يزول. قال تعالى: “فإن مع العُسر يُسراً”.

فرح – 36 عاماً

تزوّجت في عام 2014 وظللت أتناول حبوب منع الحمل لمدة عام، وبعدها توقفت عنها لأرى ما سيحدث. كنت أعتقد بأنني سأحمل في غضون أشهر، بعد الفظائع التي كنا نسمعها في المدرسة بشأن تلك الأدوية. ولكن بعد عامٍ من المحاولة، اضطررنا للذهاب إلى الطبيب لنرى ما يجري، وتلى ذلك العديد والعديد من الفحوص. ورغم أن كل النتائج بدت طبيعية، لم أتمكن من الحمل.

خضعنا لثلاث جولات من عمليات التلقيح الصناعي أو الحقن المجهري مولتها هيئة الخدمات الصحية الوطنية لم تنتج عنها أيّة أجنة، لا حمل، ولا سبب لمشكلة الخصوبة التي تجلّت. كان التشخيص في النهاية هو “ضعف الخصوبة غير المبرر”. وكانت آخر محاولة لإجراء الحقن المجهري عسيرة للغاية نفسياً وجسدياً، وقررنا التوقف عن المحاولات لفترة، واستمرّت هذه الفترة أربع سنوات.

تركت عملي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، للتركيز على عمل جديد في مجال التدريب ولكن تركيزي الأساسي كان ينصب على محاولة الحمل. خضعنا للعديد من العلاجات السائدة الشاملة مثل الحجامة، والوخز بالإبر، وتلقيح صناعي خططنا لإجرائه في عام 2020. ولكن عام 2020 شهد خططاً أخرى، لم ننجز سوى القليل جداً مما كنا نخطط له. وسنعيد المحاولة حين يتسنّى لنا ذلك.

بالنسبة لي، كوني مسلمة يعني أنني لم أقل قطّ “لماذا أنا؟”، نظراً لإيماني بالله. قد وهبني إيماني حساً من الفهم وتذكرة بأننا في الحياة الدنيا لفترة وجيزة مؤلمة أحياناً، ولكننا سنكون على ما يرام. على الجانب الآخر، هناك بلا شك ضغط هائل يتمثل في شعوري بأنني كامرأة مسلمة عليّ حتماً إنجاب الأطفال. المجتمعات ذات الثقافة الإسلامية أحياناً تتحقق من سلامة الزواج عبر إنجاب الأطفال.

أشعر بأن إيماني قد وهبني القوة، ولكن بين من يشاركونني نفس الإيمان ينظرون عادة إلى النساء من منظور كونها زوجة وأماً. قد يدمّر ذلك قيمة النساء وهويتهنّ. وقررت بوعي التصدي لتلك الرواية في وقت مبكر جداً.

ثمة شيء أدركته مبكراً في رحلة محاولات الإنجاب وهو أن الدعم قليل جداً، وكذلك التواصل، وفهم مشكلة ضعف الخصوبة في المجتمع الإسلامي. وبينما أتلقى الدعم الذي أحتاج إليه من معارفي والذين أحبهم، ثمة أخريات لا يحصلن على هذا الدعم. حاولت سد تلك الفجوة بتأليف كتاب يخاطب النساء المسلمات اللائي يعانين من ضعف الخصوبة، ويقدم لهن رسالة واضحة بشأن الحاجة للسيطرة، ومن المقرر أن يصدر الكتاب في عام 2021.

روكسار – 27 عاماً.

رغم أن الجزء الأكبر من رحلتي بشأن الخصوبة بدأت بعد زواجي، كان الأمر حاضراً في ذهني قبل زواجي بوقت طويل. فلطالما كنت أعاني من عدم انتظام الدورة الشهرية، وخضعت للفحص مرتين لتقصي إصابتي بمتلازمة تكيس المبايض، لكن لأن النتيجة لم تكن تتضح عبر اختبارات الدم، اعتبر الأطباء أنني على على ما يرام. ولكن أختي قد شُخصت إصابتها بالمرض خلال مراهقتها، لذا كان الأمر دائماً في ذهني.

حينما تزوّجت، قررت التوقف عن تناول حبوب منع الحمل بعد ستة أشهر إثر شعوري الشخصي بتأثيرها على الخصوبة. وكنا محظوظين بالحمل بعد 10 أشهر، ولكنني دائماً كنت أعاني أثناء الحمل. وكنت أتناول دواءً لمرض السكري بين عقاقير أخرى، ولم يوقفها الأطباء إلا حين طلبت منهم ذلك. وفي زيارتي الأخيرة لعيادة الحمل والولادة، حوّلوني إلى فريق متخصص لأن الدواء الذي كنت أتناوله قد يتسبب في تشوّهات للأجنة.

في الأسبوع الـ13 من الحمل، بدأت أنزف، وعوملت معاملة فظيعة في المستشفى. في البداية اعتقدوا أنني فتاة حمقاء تحمل لأول مرّة، وكان علي الذهاب لقسم الحوادث والطوارئ ثلاث مرّات بينما أعاني تلك التشنجات الفظيعة والنزيف، قبل إخضاعي للفحص وتأكيد إجهاض جنيني.

بدّلت هذه التجربة حياتي، ومنذ ذلك الحين فصاعداً، أدركت الافتقار إلى كافة أشكال الدعم في المجتمع الإسلامي، وأكثر من ذلك، في المجتمع الجنوب آسيوي الذي تمتدّ جذوري إليه. وحينها، بدأت التحدث مع نساء مثل سما التي واجهت تجارب مماثلة وأخريات يقاومن ضعف الخصوبة بمفردهنّ.

لم نجد دعماً أو متسعاً تتحدث فيه النساء المسلمات على الإطلاق. وبالنسبة للنساء من ذوات البشرة غير البيضاء، هي وصمة أن نتحدث بهذا الشأن. بالنظر إلى من التفتوا إلينا وقالوا أقذر ما يمكن توقّعه، أدركنا الحاجة إلى مكان يظهر لك إذا كتبت على محرك البحث غوغل “الإجهاض لدى المسلمات”، وحاجتنا إلى متسع نتحدث فيه دون الشعور بإصدار الأحكام علينا.

حين تعرضت للإجهاض، أُمرت بألا أتحدث عن الأمر وقيل إنني لا يسمح لي بالبكاء على ما جرى أمام نساء أخريات. ولم أكن حينها في أفضل حال نفسية. كان يبدو على وجهي البكاء ويسألني الناس عما حدث، لكن هناك نساء أخريات من جيلي قلن لي بأنني لا يُسمح لي بالحديث عن هذا. لم يُعترف بحزني أو فقدان طفلي. وبالنسبة لمن حولي، إذا كنت تعانين من ضعف الخصوبة، فهذا مخزٍ ويُلقى باللائمة فوراً على النساء. كرهن حقيقة أن مأساتي مجرد “واحدة من تلك الأمور الموصومة” لأنها لا يجب أن تكون كذلك. هناك العديد من الأمور الموصومة في المجتمع الإسلامي أتمنى أن يتحدث عنها الناس أكثر. وللأسف الشديد، ضعف الخصوبة وفقدان الأطفال من بين تلك الأمور. ليس من السهل أن تجدي أهلك يطلبون منك الصبر دون النظر إلى حقيقة أنك بالفعل كان لديك طفلاً في أحشائك.

تجاوز الأمر ليس متعلقاً بمرور وقت طويل على الأزمة، إذ ينتابني الحزن حتى الآن بين الحين والآخر، ولكنني أفصل نفسي عن تلك المشاعر وانتهج نهجاً واقعياً للغاية تجاه الأمر بأسره حالياً، لأن التأقلم كان أسهل بالنسبة لي.ولا يمكنني التحدث مع النساء عبر إنستغرام وفيسبوك بينما أتورط في حكايتهن بكامل مشاعري، إذ سيحطم ذلك صحتي النفسية. لذا علي أن أنأى قليلاً عن تجربتي الشخصية وأستمع إلى الأخريات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى