ما يتباهى به ميقاتي يشبه صفراً ضخماً
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
يتنقل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بين اجتماع وآخر، ومعه فريق من الوزراء الذين يعملون كـ”خلية نحل”، على مواجهة ومعالجة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية. لكن ما الذي يُنجزونة بالضبط؟ قد يكون من غير العادل أن نقيّم عمل الحكومة الحالية في هذه المدة الزمنية القصيرة، أو أن نعدّد انجازاتها، غير أن ممارساتها وتوجهاتها لا تشي بغير استمرار المراوغة والمماطلة في المعالجة العلمية والجذرية للأزمات. وأكثر من ذلك، تفضح قرارات الحكومة إمعانها وإصرارها على حماية كارتيلات التجار ومافيات الأسواق.
جريمة الدواء
وليس ملف الدواء سوى شاهد على المعالجات السطحية من قبل الحكومة، لملف يُعد الأكثر خطراً على الإطلاق على حياة المواطن اللبناني. وليست الحكومة الحالية منفردة بتلك المعالجات السطحية، فخطة الدواء التي سلبت المرضى أي قدرة على الحصول على علاجاتهم لم تكن وليدة اللحظة، ولا هي وليدة الحكومة الحالية بغالبية بنودها. فقد تم صوغها في عهد الحكومة السابقة، وبدأ تطبيقها على عدة مراحل، وصولاً إلى المرحلة الحالية، ألا وهي رفع الدعم كلياً عن شريحة واسعة من الأدوية، وخفض الدعم عن الأدوية المزمنة وفق 3 شطور وإبقاء الدعم بنسب متفاوتة (25 في المئة و45 في المئة و65 في المئة) على عدد من الأدوية، مع الاستمرار بالدعم الكامل لشريحة واسعة من الأدوية المستعصية وأدوية السرطان وغسيل الكلى.
هذه الآلية هي ما يتباهى بإنجازها الرئيس ميقاتي، دعم أدوية الأمراض المستعصية وتوفير أدوية الأمراض المزمنة مجاناً، في مراكز الرعاية الصحية الأولية، على ما يقول رئيس الحكومة. لكن السؤال هل يعلم رئيس الحكومة ما الذي توفره مراكز الرعاية الصحية، لاسيما منها في مناطق الأطراف؟ تكاد لا توفر شيئاً. الأدوية التي توفرها لا تكفي حاجة المرضى. والسبب بديهي، هو أن السواد الأعظم من المرضى باتوا عاجزين كلياً عن شراء الأدوية من الصيدليات.
أما تلك الأدوية المدعومة جزئياً والتي يتعامل معها ميقاتي على أنها تسهيلات ما بعدها تسهيل، فهي لا تقل أسعار معظم أصنافها عن نصف الحد الأدنى للأجور، أو ثلثه بأحسن الأحوال. فالارتفاعات التي طالت أسعار الأدوية تتراوح بين 400 في المئة و1100 في المئة، وهل يعتقد ميقاتي أن 70 في المئة من اللبنانيين لديهم القدرة على شراء أدويتهم بهذه الأسعار؟
وهنا لا بد من السؤال، لماذا لا تلتفت الحكومة إلى المكتب الوطني للدواء على سبيل المثال، فتفعّله، وتسند إليه مهمة استيراد الأدوية. فبهذه الخطوة تكون قد خفضت فاتورة الأدوية على المرضى بنسبة لا تقل عن 30 في المئة. وهي نسبة أرباح المستورد والموزع والصيدلي وغيرهم من التجار، هذه الخطوة قد تكون جزءاً من الحلول، إلا أن الحكومة لم ولن تلجأ إليها طالما أنها محكومة بشكل أو بآخر من تجار وسماسرة وأصحاب أعمال.
نفاق “البطاقة التمويلية”
أما في ملف البطاقة التمويلية، فتصر الحكومة على إخفاء واقع وحقيقة مصير البطاقة، التي يأمل فقراء لبنان أن تمكّنهم من تأمين غذائهم ومعيشتهم. وكما وزير الشؤون الاجتماعية كذلك الرئيس ميقاتي، يبيعون الكلام من دون أي تقدم ملموس على مستوى إدخال البطاقة حيز التنفيذ.
ففي أحد لقاءات ميقاتي اليوم، تحدث في موضوع النقل، فأكد أن لدى وزارة الأشغال خطة للنقل مؤمنة التمويل من البنك الدولي، وسيتم الشروع بتنفيذها فوراً. وفي الوقت عينه أكد ميقاتي أيضاً أن منصة التسجيل للبطاقة التمويلية سيتم فتحها أول الشهر المقبل (كانون الأول) أمام الجمهور، وأن لدى الحكومة الطاقة لاستيعاب 250 ألف عائلة جديدة، وأن التمويل مؤمن من البنك الدولي بمبلغ 245 مليون دولار. تأكيدات ميقاتي تنسفها معطيات سبق للحكومة الحالية والسابقة أن قدمتها، وتفيد برفض البنك الدولي تجيير الأموال المرصودة للنقل العام، وتخصيصها لتمويل البطاقة التمويلية، قبل شروع الحكومة بتنفيذ مشروع دعم شبكة الأمان الاجتماعي، المموّل بجزء منه عبر قرض من البنك الدولي، لا يزال تنفيذه مرهوناً بإقرار مجلس النواب لتعديلات قانونية مشروطة من البنك الدولي. وهنا لا بد من التذكير بأن مجلس النواب أدرج في جلسته الأخيرة البند المتعلق بقانون البطاقة التمويلية لكن لم يجر إقراره.
خلاصة الأمر أن أموال البطاقة التمويلية وآلية تطبيقها لا تزال رهن تأمين تميول كامل لها، كما رهن جدية تعاطي الحكومة مع الملفات الحياتية والإجتماعية الصحية الطارئة.
وبما خص المساعدة الإجتماعية التي أعلن عنها ميقاتي لموظفي القطاع العام والبالغة نصف راتب يعطى عن شهري تشرين الثاني وكانون الاول قبل الاعياد، وبدل نقل يومي حضوري قدره 64 الف ليرة ابتداء من أول شهر تشرين الثاني الحالي، فإنها لن تغني عن جوع ولن تثني العاملين بالإدارة العامة عن الاستمرار بتعليق العمل وتنفيذ الإضراب. إذ وحسب مصادر رابطة الإدارة العامة “فلا ترقى التقديمات إلى مستوى المطالب بأي شكل من الاشكال”.