أرتفاع أعداد الوفيات والإصابات بكورونا في الشمال السوري والقطاع الطبي يشهد استنزافا كبيرا
النشرة الدولية –
قبالة مقبرة “الحلفا” في الجهة الشرقية لمدينة إدلب شمال غرب سوريا، اعتاد الشاب “محمد إبراهيم” على مشهد دخول الجنائز إليها بشكل يومي، والتي ازدادت على نحو غير مسبوق منذ مطلع أكتوبر الماضي، بحسب موقع الحرة”
يقول الشاب إن غالبيتها تعود لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، فهم الفئة التي يفتك بها فيروس “كورونا” بهدوء وبشكل متواتر، حتى باتت تشكل النسبة الأكبر في عداد الوفيات اليومي بالفيروس.
يشير الشاب في تصريحات لـ”موقع الحرة” إلى أن الواقع في الشمال السوري، وبالأخص إدلب لا يصل كما تعرضه وسائل الإعلام، فإلى جانب مشهد الجنائز اليومية التي تدخل إلى المقابر، هناك مشهدٌ يتعلق ببيوت العزاء، والتي تشاهد بشكل يومي أيضا لمتوفين بـ”كورونا”، كان آخرها لسبعة أشخاص من مدينة سراقب، توفوا بفاصل زمني قصير، في الأيام الستة الماضية.
عند الحديث عن الشمال السوري، لا يقتصر الأمر على محافظة إدلب الواقعة في الشمال الغربي فقط، بل ينسحب ذلك إلى ريف حلب الشمالي من مدينة الباب وصولا إلى عفرين، والذي يشهد على نحو غير مسبوق كما هو الحال في إدلب تصاعدا في أعداد الإصابات بالفيروس، مع ازدياد حالات الوفيات.
كل ما سبق يقود إلى “كارثة لم يسبق لها مثيل”، حسب ما حذرت منه المنظمات الصحية في الأيام الماضية، مشيرة إلى أن القطاع الطبي في شمال سوريا قد يقف عاجزا في المرحلة المقبلة عن استقبال أي حالات صعبة، وخاصة مع دخول فصل الشتاء.
كبار السن في صدارة الوفيات
أربعة أشهر ونصف مرت على اليوم الأول لتسجيل أولى إصابات “كورونا” في الشمال السوري لم تنقطع فيها أعداد الإصابات والوفيات أيضا، والتي باتت تنشر ضمن نشرات يومية تصدرها “وزارة الصحة” التابعة لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، بتنسيق مع “وحدة تنسيق الدعم”.
وكانت آخر حصيلة للإصابات صباح اليوم، إذ سجلت “وزارة الصحة” 257 إصابة بالفيروس، إلى جانب 130 حالة وفاة، ليصل العدد الكلي للإصابات في الشمال السوري 14498 إصابة، جزء لا يستهان منها يتركز في المخيمات النظامية والعشوائية، والتي يقطن بها أكثر من مليون مدني، حسب أعداد فريق منسقو الاستجابة في الشمال السوري”.
الفريق الإنساني كان قد كشف، منذ أيام عن ارتفاع عدد المصابين بفيروس “كورونا” في مخيمات محافظتي إدلب وحلب إلى 1110 مصابين، محذرا من أن عدد المصابين يرتفع بشكل يومي، وعدد الإصابات في المخيمات بلغ 8.42 في المئة من إجمالي عدد المصابين في مناطق المعارضة السورية.
الطبيب، رامي كلزي، مسؤول البرامج المجتمعية في “وزارة الصحة” التابعة لـ “الحكومة المؤقتة” يقول: “من الواضح أن جميع الفئات العمرية معرضة للإصابة والوفاة، لكن يبقى المسنون وأصحاب الأمراض المزمنة في صدارة أرقام الوفيات بنسب تتجاوز 90 في المئة من حالات الوفيات بشكل عام”.
ويضيف الطبيب في تصريحات لـ “موقع الحرة” أن فيروس “كورونا” في طريقه الآن إلى الذروة الأولى والتي تأتي مع دخول فصل الشتاء، محذرا: “بدأنا نلاحظ الضغط على العنايات المشددة منذ الآن، حيث يجوب المرضى بين المشافي بحثا عن سرير شاغر”.
القطاع الطبي مستنّزف
تقود جميع التقييمات الطبية الخاصة بالشمال السوري إلى أن أسباب ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس يرتبط بعدم التزام المدنيين بقواعد التباعد الاجتماعي، وهي ثقافة قلما تلتزم بها عائلة أو أي شخص ضمن محيطه العام، في كل من إدلب وريف حلب.
وإلى جانب ما سبق يغيب أي رادع من السلطات المحلية في كل من المناطق المذكورة، والتي لم تصدر أي قرار يلزم بالبقاء داخل المنزل أو حتى اتباع قواعد العزل والتباعد الاجتماعي، وهنا تفتح هذه النقطة أبواب أخرى ترتبط بالحال العام الذي يعيشه أهالي الشمال السوري، والذي يدفعهم إلى عدم التفكير بالفيروس والتهديد المرتبط به.
نقيب الأطباء في الشمال السوري، محمد وليد تامر، يتنقل في كل أسبوع بين مشافي إدلب وريف حلب، ويقول في تصريحات لـ “موقع الحرة”: “القطاع الطبي في الشمال السوري يشهد استنزافا كبيرا في الوقت الحالي. أرقام الإصابات والوفيات التي تعرض على وسائل الإعلام هي ما تستطيع المخابر إجراءه فقط”.
ويضيف الطبيب: “تعمل ثلاثة مخابر فقط في الشمال السوري، حصة كل منها 200 عينة، وهو رقم قليل جدا قياسا بعدد السكان.. في إدلب وحدها يفوق عدد السكان أربعة ملايين مدني”.
ويتوقع الطبيب أن تكون عدد الإصابات بالفيروس في الشمال السوري بالآلاف، مشيرا: “اقتربنا من نسبة 60 في المئة من عدد السكان، وفي طريقنا الآن على كارثة في ظل انهيار القطاع الصحي بشكل كامل”.
القطاع الطبي في الشمال السوري كان قد تعرض لكوارث سابقة، ولاسيما أنه كان الهدف الأول للطائرات الحربية الروسية، ولطائرات نظام الأسد،
وكانت منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” قد كشفت في تقرير لها مؤخرا أن نحو 566 هجوما منفصلا على 348 منشأة طبية في سوريا وقع منذ عام 2011 حتى 2019، وأدت إلى مقتل 900 عامل طبي خلال الهجمات.
ويوضح نقيب الأطباء في الشمال السوري أن نسبة الإشغال في المشافي تبلغ 100 في المئة، لافتا إلى إصابة أكثر من 250 طبيبا في الأشهر الماضية بالفيروس، إلى جانب 500 مسعف، بينما توفي سبعة أطباء إثر المضاعفات التي ظهرت عليهم.
“الأسوأ في العالم”
خلال حديثهم لـ”موقع الحرة”، أشار أطباء عاملون في الشمال السوري إلى أن هذه المنطقة تعتبر “الأسوأ في العالم”، بسبب العدد الكبير من المدنيين المحصورين ضمن بقعة جغرافية صغيرة، وقسم كبير منهم يعيشون ضمن مخيمات تفتقد لأي مقومات للحياة اليومية.
الطبيب، محمد وليد تامر، حذر من أعداد “مخيفة” للإصابات في الأيام المقبلة، مع دخول فصل الشتاء، وما يزيد من ذلك هو عزوف نسبة كبيرة من الأهالي إلى عدم إظهار إصابتهم، خشية من أي “تنمر اجتماعي”.
ورغم تكثيف الحملات من جانب المنظمات الإنسانية لخطر الفيروس المستجد، لا تزال أسواق وشوارع تلك المناطق (إدلب، ريف حلب) تشهد ازدحاما كبيرا، وسط غياب مظاهر الالتزام بالإجراءات الوقائية، وارتفاع نبرة الأصوات المحذرة من عدم جاهزية القطاع الطبي لتحمل أعباء عدد أكبر من الإصابات.
المسؤول في وزارة الصحة بـ “الحكومة المؤقتة”، الطبيب، رامي كلزي، يرى أن عدد أسرة العناية المشددة وعدد أجهزة التنفس الاصطناعي قليلة جدا، إذ لا تتجاوز 100 سرير مع جهاز تنفس اصطناعي لحد الآن.
ويقول: “منظمة الصحة العالمية لا تزال تقزم بدورها في تنسيق الاستجابة واستجلاب التجهيزات المخطط لها، ولكن تبقى استجابتها هي وكافة وكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة خجولة بتقدير الشعب السوري مقارنة بالإمكانيات المتوقعة منهم”.
ويضيف الطبيب أنه لا يوجد خطة لزيادة قدرة النظام الصحي في حال زيادة أعداد الإصابات بشكل سريع، معتبرا أن “التعويل الأساسي هو على الوعي المجتمعي لإبطاء تسارع عدد الإصابات الجديدة اليومية”.