جدلُ الحُبِّ والعِشرة* د. سمير محمد ايوب
عشوائيات في الحب – العشوائية 54
النشرة الدولية –
هذه حكاية واقعية، أهدتني اياها مبكرا صبيحة هذا اليوم، الصديقة العزيزه فريال الطراونه، المقيمة في تركيا. وهي حكاية زوجين معاصرين من عرب الكويت الشقيق. حكايةٌ منْ أجملِ ما سمعتُ وما قرأت، في جدلِ الحبِّ والعِشرة. لصدقِ ونُبلِ ودِفءِ تفاصيلها، إرتأيتُ أنْ أنقُلَها، تقريبا كما سمِعْتها.
…. ويتابع راويها بصوت مثقل بالحزنِ الراضي: عشت مع زوجتي أم عيالي، مَلِكاً لسنينَ طِوال. كنتُ خلالَها طفلَها المُدلّل، كما يليقُ بالدَّلالِ أنْ يكون. كنّا صبيحة كلِّ يومٍ، نَتريَّضُ معا في منطقتنا، سيراً على الأقدام. تُحدِّثُني خلالَ مَشيِنا، عن شؤون أولادنا وبيتنا وحياتنا. كنتُ أعرف مِنها كلَّ صغيرةٍ وكبيرة.
أصيبَت منذ سنواتٍ بِحادثٍ أورثَها شلَلا نِصفيا. حرِصتُ معه على أن لا يتغير شيءٌ منْ عاداتِنا المُشتركة. أخْدُمُها بنفسي وأُلَبي كلَّ احتياجاتِها قبلَ أنْ تَطلُب. أحمِلها صُبحَ كلِّ يومٍ بنفسي، أحَمِّمَها وأُسرِّحَ لها شعرَها وأزَيِّنها، ومن ثم أُجْلِسُها على الكرسيِّ المُتَحرِّك، ونخرج سوية نتريَّضُ في المنطقة، ونُتابع عاداتِنا في الحديث عن تفاصيل أولادنا وحياتنا، تماما كما كنا نفعل قبل إصابتها.
حرصت خلال أحد عشرعاما، أن أتقن خِدْمَتها بإخلاصٍ ورِضى، بلا مِنَّةٍ وبِلا تفاخر. فهذا واجبي كزوجٍ وكرجل. فالرجولة مسؤولية. وقد أدَّيتُ مسؤوليتي، كما يليقُ بِها وبي وبِعشرتِنا الطويلة.
وإنْ ساورَها شكٌّ أو عَبَرَها ظنٌّ، بأنّي أفعلُ هذا من بابِ العطفِ عليها، كنتُ أسارِع إلى تبديده، والتأكيد لها بأني أؤدي واجبي، وأن لها الأولوية في كلّ واجباتي. وكنتُ حريصا على أن لا يُضايقها أحدٌ بكلمةٍ أو تصرُّفٍ.
أحمد الله أني قد أدَّيتُ رسالتي تِجاهها، قبل أن ترحلَ إلى ربها مُطمئِنَّة راضيةً مَرضية. بعد رحيلها لم أغيِّر شيئا في بيتنا. حرصتُ على أن يبقى كلُّ شيءٍ على حاله من بعدها، كما تركته قبل الرحيل.
وعندما سُئِلَ الرجُلُ، إن كان قد فعل كلَّ هذا التدليل، بدوافعِ الحب، قال متنهدا ووجهه يزهو بأطيافٍ منَ الرِّضا: وصفُ ما بينَنا بالحبِّ وحدَه، يُقلِّلُ مِنْ شأنه. بعضُ الحبِّ ينتهي، وبعضه يتوقف أو يضمُر، ما بيننا كان أسمى مرتبةً منَ الحب. إنَّه العِشرةُ. والعِشرةُ غيرَ الحُب. إنها تكامل حيٌّ طازج، مُتواصلُ التَّراكم، شيءٌ ينمو فوق شيءٍ، ويعلو ليطاول الروح. يتجسد في الكثير من صغيرالتفاصيل، وكبيرها.
بأكفِّ الراحة حمَلتُها وفاءً بالأداء. حبي لها هوِعشقُ الشاكرالحامد، لِمَنْ حرِصَتْ على تجسيد حبها لي، عبر باقةٍ من البنات والبنين والأحفاد، وعناقيدٍ من التفاصيل الحياتية اليومية. جسدت عطاءاتها بعنايةٍ وإتقانٍ، أدامتها وأنْمَتها برضى لا يَعِقُّ ولا يَنضب. لمْ تتدمَّر ،لم تَئنُّ، ولمْ تُمْنِنْ.
عِشرةُ العُمرِ، كانت وما تزال وستبقى، لا تهونُ إلا على أولادِ الحرامِ وبنات حرام.
يرحمها الله.