سارة أبومراد تشكّل من الزجاج شهودا على مجزرة مرفأ بيروت
النشرة الدولية –
العرب – ميموزا العراوي –
ابتكرت الفنانة اللبنانية سارة أبومراد منحوتات جديدة صنعتها من شظايا الزجاج المكسور الذي تطاير إثر انفجار بيروت في 4 أغسطس الماضي، وقدّمتها أثناء الاحتفال بمئوية لبنان الكبير إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد وقوع الجريمة.
يصعب غضّ النظر عن “ملابسات” ورمزية تقديم منحوتات فنية صنعت من مآس لبنانية جمّة لرئيس جمهورية أخرى غير الجمهورية اللبنانية، وإن كانت هذه الأخيرة، بمن فيها، تعاني من شتى أنواع الخروقات والتلف.
وتشكل مناسبة تقديم “القربانات” الزجاجية إشكالا بحد ذاته، إذ هو احتفال بمئوية لبنان الكبير واستدعاء لتبعية قديمة، لا تنقص لبنان اليوم الذي ينوء تحت مصائب الارتهان إلى الخارج. ولا يخفى على أحد، بوجود منصات التواصل الاجتماعي، كيف أدّى يأس اللبنانيين، لاسيما الشباب منهم، من حكامهم حد الطلب من ماكرون إعادة انتداب لبنان من قبل دولته. وليست الفنانة سارة أبومراد بغفلة عن ذلك.
والاحتفال بمناسبة مئوية لبنان الكبير هو احتفال جرى سنة 1920 بعد إعادة ترسيم الحدود بين البلاد التي كانت خاضعة للحكم العثماني ومن بينها سوريا ومتصرفية جبل لبنان، معلنا بيروت عاصمة لها. وتمثل علم الدولة في دمج علمي فرنسا ولبنان معا.
خارج هذه الظروف المرافقة لتقديم تلك المنحوتات إلى الرئيس الفرنسي، نذكر أن الفنانة سارة أبومراد استطاعت في أعمال فنية سابقة لها، لاسيما تلك التي عرضتها في صالة “رميل” البيروتية تحت عنوان “ماتيلدا” أن تشكّل نصا سرديا فنيا تكشف عن حساسية عالية في التعاطي مع الجرح المُضمّد حديثا، وعن براعة عفوية في استخراج معالم ذلك الجرح. وهي اليوم تستنهض قدرتها تلك على تناول جرح عام وغضّ لم يمض على حدوثه أكثر من ثلاثة أشهر.
وإن كانت في معرضها البيروتي تحدّثت عن جرح خاص في محاولة للتطهّر منه، فما صنعته اليوم هو شكل من أشكال التأطير والتكثيف لجرح عام، أصاب كل اللبنانيين بدرجات مختلفة، في أشكال منحوتات بشرية حافظت على خاصية غياب الذراعين وحضور الأرجل.
خاصية وصمتْ أعمالها الفنية السابقة – لاسيما تلك المجموعة الأبرز التي منحتها عنوان “النائمون” – مجموعة انبثقت من “ماتيلدا” المرأة الهيولية والشهوانية في آن واحد والطائفة في عالم خيالي شيّدته الفنانة وأبت أن تتخلى عنه.
في مرسمها البيروتي الخاص عكفت سارة أبومراد على تنقية الزجاج وصبه وصقله ونحته في عملية تقنية طويلة استخدمت فيها إضافة إلى الزجاج المحطّم، مواد مختلفة كالريزين. وتأخذنا هذه المنحوتات إلى مجموعة أخرى قدّمتها الفنانة سابقا، ربما منذ أكثر من سنتين، هي شبيهة بتلك الجديدة، ولكن مصنوعة بغير مواد.
حافظت الفنانة في بضعة قطع من مجموعتها الأخيرة على “لون” الزجاج الذي مال إلى لون الفضة بعد ضغطه في أشكال بشرية غابت عنها ملامح الوجوه. كما دخل اللون الأحمر والأزرق الفرنسي إلى منحوتاتها.
منحوتات مختلفة في وضعية بنيانها وفي حركة الأرجل، ولكن متشابهة من حيث كونها أشبه بجيش من مخلوقات زجاجية تميل إلى جثامة مُقزّمة قامت من أرض الجريمة لحظة حدوثها.
غابت عن منحوتات سارة أبومراد مائيةُ وهلامية وبخارية أشكال الأجساد والأشياء والخلفيات الملونة التي حضرت في أعمالها السابقة التي رأيناها في معرض صالة “رميل” منذ عدة سنوات ماضية ونستحضرها اليوم، ولكن ليس من خلال هيئاتها الفنية، بل من حيث أنها كانت دعوة لإقامة العدل وإحداث التحقيق في معالم جريمة خاصة.
قد يبدو “طلب” الفنانة سارة أبومراد في مجموعتها الفنية طلبا غنائيا سائغا في عالم تحكمه المصالح ومن ضمنها المصالح الفرنسية في لبنان، ولكن تبقى أعمالها الفنية فوق كل ذلك تعبيرا عن جرح خاص ومعمّم على كل الشعب اللبناني.فكل من استمع إلى قصة الصبية “ماتيلدا” مع عصفور طيار وكاسر اسمه “ربيع” تمنى لماتيلدا بطلة لوحاتها حياة جديدة بعيدا عنه. وكما خرجت الفنانة من جرحها الخاص مُحمّلة بآثار و”إثباتات” كثيرة، سردتها بصريا في لوحاتها وفي عناوينها، وشت بالعصفور الكاسر وتضعه على ذمة التحقيق في محكمة لوحاتها، فهي اليوم في مجموعتها الجديدة تستدعي تحقيقا في أسباب جريمة عامة وهي انفجار مرفأ بيروت، وطلبا خاصا من الحكومة الفرنسية في أن تساهم في الكشف عن الجهات المسؤولة عن الانفجار.
والفنانة سارة أبومراد من مواليد 1988 وخريجة الجامعة اللبنانية في مجال الفنون التشكيلية. حصلت على العديد من الجوائز العالمية من بينها الجائزة الأولى من أكاديمية الفنون الجميلة في بولونيا بإيطاليا سنة 2017، والجائزة الأولى من مركز غوتي الثقافي الألماني عن ترجمة الموسيقى الكلاسيكية إلى فنون بصرية لسنة 2013 وسنة 2011. كما أقامت العديد من المعارض الفردية وشاركت في معارض جماعية في بيروت وقطر وزيورخ ولندن وباريس وأمستردام وإيطاليا.