شماتة بالطبل والمزمار
بقلم: يمينة حمدي
النشرة الدولية –
يقول الفيلسوف أرثر شوبنهاور “أن تشعر بالغيرة، فذلك طبيعي، لكن حينما تشمت، فذلك شيطاني”، وهو محق، فقد أصبحنا نعيش في مجتمعات مليئة بـ”طائفات” من الشامتين والحاقدين، الذين لهم طقوسهم الخاصة في التشفي والتعبير عن الحسد والانتقام من الآخرين.
اللافت أن هذا الأمر يحدث بأساليب تفوق ما يمكن أن نتصوره، ويمارس بشكل علني وصريح بعد أن كان من المخجل البوح بهذه السلوكيات القبيحة والشريرة.
ليس غريبا أن يعلن شخص ما حقده تجاه شخص آخر أساء إليه، ويتحين الفرصة ليرد له الصاع صاعين، ولكننا اليوم بتنا نشهد أنماطا أكثر تطرفا في الشماتة والاستمتاع بأذية الآخرين والتلذذ بمشاهدتهم وهم يعانون.
حدثتني صديقتي ذات يوم عن الحفل الصاخب الذي أقامه موظفون على امتداد ثلاثة أيام أمام مقر شركة تعمل فيها، وكيف رقصوا وغنوا على أنغام الطبل والمزمار بسبب إقالة مديرتهم، وتمنوا لو طال احتفالهم سبعة أيام بلياليها، لو لم تمنعهم إدارة الشركة من ذلك.
بدت الفرحة كبيرة في نبرة صوت صديقتي عندما كلمتني على الهاتف من تونس، لتروي لي القصة بتفاصيلها، بل وعبرت لي صراحة عن سعادتها، التي لا توصف بطرد مديرتهم، قائلة بالحرف الواحد “تستهاهل” (تستحق) أكثر من ذلك.
استعجبت لأمر صديقتي التي عهدتها مسالمة ولا تظهر مشاعر حقدها على الملأ ودون تحفظ أو خجل، أو تفرح لمصائب الآخرين إلى درجة أن ترقص فرحا وتتباهى أمامي بـ”حفل الشماتة” الذي أقاموه، ولم يشهد له المجتمع التونسي مثيلا من قبل.
وجدت صديقتي وزملاؤها لأنفسهم عذرا ليبالغوا في الانتشاء بطرد مديرتهم بدلا أن يتعاطفوا معها، ووفق الرواية التي قصتها علي، فإن مديرتهم كانت تكيل لهم الشتائم، ولا تتورع عن الاقتطاع من رواتبهم والتصرف معهم بشكل مهين.
ربما حملت رواية صديقتي قدرا كبيرا من المبالغة، ولكنها قد تحتوي أيضا على جانب من الصحة، وكما هو مفترض في مؤسسات العمل، فإما أن يكون المدراء متساهلين جدا فيكثر التسيب والفوضى وعدم المسؤولية، أو صارمين جدا فيفرطون في توجيه الموظفين ليصبح الأمر أشبه بـ”احتجاز لديهم كرهائن”، وبالتالي لا يكون هناك حل وسط يؤدي إلى خلق بيئة عمل تكون فيها علاقة الموظفين ودية وأكثر تعاونا ويكون فيها الجميع في أفضل حال يوميا.
ليس من الغريب أن يتصرف شخص بشكل مندفع وعدائي، دفاعا عن نفسه أو انتقاما من شخص أهانه وسبب له الأذية، إلا أن أسوأ ما في البشر أن يكونوا مجبولين على أذية غيرهم والانتقام منهم، وفي غالب الأحيان من دون مبرر.
أستحضر هنا مقولة للفيلسوف الفرنسي بليز باسكال أكثر دقة في وصف بني البشر والقبح الأخلاقي الذي أصبحا متغلغلا في سلوكياتهم اليومية وتطبعوا به، إنهم “مجد هذا الكون وغثاؤه وحثالته كذلك”.