غسان الرحباني يودّع الرخاء اللبناني بأغنية ساخرة… تهكّم موسيقي لاذع من وضع ما انفك يتأزّم
النشرة الدولية –
عكس الفنان اللبناني غسان الرحباني الواقع المتأزم الذي يعيشه وطنه حاليا عبر أغنية حملت عنوان “لسه فاكر كان زمان”، متشوقا لزمن لم يمر عليه الزمن.
وفي مطعم بالهواء الطلق، يجمع ابن العائلة الرحبانية أصدقاءه إلى مأدبة غداء تشهد على فراغ الصحون من مضمونها الشهي، واقتصار ما فيها على حبة زيتون وعينات صغيرة من الأطعمة التي لا ترى بالعين المجردة.
وعبر فيديو مصوّر، يبدأ المدعوّون بطريقة كاريكاتيرية بتناول طعامهم بصحون شبه فارغة واسترجاع الماضي غير البعيد ويرددون “بتتذكر من فترة/ من فترة مش من زمان/ كنا نسافر من بلدنا لأيا مكان/ كنا ناكل بالمطاعم ونشرب كمان/ ونغني بحبك يا وطني بحبك يا لبنان/ آي لسه فاكر كان زمان مش من زمان”.
وتقول الأغنية في مقطع آخر “ولمّا عملوا المهرجان وغنينا كمان/ بتتذكّر قديش عزفنا ورقصنا تمام/ ولمّا كان عودك يا حبيبي كان عودك رنان/ كان معك مصاري كتير وبتحوّل كمان/ وأموالك نَهَبُن زعيمك وبتحبّو كمان/ وزعيمك باقي حرامي بفضلك تمام/ لسه فاكر كان زمان مش من زمان”.
ويقارن الفيديو الذي أخرجته رانيا غصن الحاج وظهر فيه الفنان الكوميدي فادي شربل بين الوضع السابق والوضع الحالي الصعب.
ويعتبر الرحباني أن هذا العمل يشكل صراعا بين اللبناني وعنفوانه “فهناك من يحب الحياة وما زال يريد أن يذهب إلى المطعم في وقت أصبحت الصحون فارغة”.
وفي مشهد آخر من الفيديو تظهر امرأة تمثل اللبناني غير المقتنع بضرورة التحوّل إلى شراء الملابس الوطنية وتغيير نمط حياته وأنواع طعامه واستبدال سيارته “فالسيارة لم يعد باستطاعته إبدالها ساعة يريد، ودواليبها عليه الانتباه إليها.. يعني كل شيء عندك لم يعد بمقدورك تغييره”.
ويرى غسان الرحباني أن هذه الأغنية تعكس مسيرة حياة المواطن ما قبل الاحتجاجات ضد السلطة الحاكمة في 17 أكتوبر 2019، وما بعد “فإما أن يقرّ اللبناني أن هناك تغيرا جذريا حصل في حياته أو أن لا يقرّ، إذا لم يرد الاعتراف فسوف يظهر ذلك على أعصابه وصحته مع الوقت، وإذا اعترف وتأقلم مع هذا التغيير يستطيع أن يستمر لأطول وقت ممكن في منطقة جغرافية يقولون إنها ولعانة (حارقة)”.
ويشبّه الرحباني لبنان منذ عام 1975 تاريخ بداية الحرب الأهلية التي انتهت في 1990 إلى اليوم بمبنى ذي أعمدة فكّكوا جميع أعمدته، وأبقوا على واحد وظل لبنان صامدا إلى أن “مسوا بالعمود الأخير الذي كان يسند المبنى وهو النظام المصرفي.. فوقع البلد”.
ويعزو غسان الرحباني أسباب الانهيار إلى عوامل خارجية وليست داخلية “القوى الخارجية تريد شيئا ما من لبنان، لأن الثورة بدأت حين كان سعر الدولار يوازي 1500 ليرة وانتهت حين أصبح الدولار بـثمانية آلاف ليرة. يعني نحن عملنا الثورة لكي لا تصل الأمور إلى هنا. إذن، إذا كان هناك ثورة أو لا كانوا يريدون إيصالنا إلى هنا من أجل شيء ما”.
واعتاد غسان الرحباني محاكاة الواقع بأغنيات ساخرة تجسّد في كل مرة حالة البلد وانتهاك بيئته ومعاناة أبنائه مع نظام لا يتغير، ومنها أغنية “إرسم عمري” التي صوّرها في مرفأ بيروت ويظهر فيها مشاهد الدمار. وأدّى انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس الماضي إلى مقتل 200 شخص وإصابة أكثر من ستة آلاف ودمّر مناطق واسعة من المدينة.
وبعد الانفجار، يقول ابن الفنان الشهير إلياس الرحباني شقيق الأخوين الرحباني، إنه لم يعد قادرا على “الكذب على اللبنانيين وتصوير المدينة كما يردّد بعض الفنانين على أنها بيروت التي لا تموت. أنا ما شايفها بتقوم (لا أراها تنهض) لأن توقيت هذا الانفجار كان مدروسا لإلغاء مرفأ بيروت حتى يحل مكانه مرفأ آخر، وساذج الذي يعتقد أن هذا الانفجار هو إهمال. يستطيع أن يكون إهمالا استعمل من أعداء لبنان لإحداث تغيير جذري، هذا مدبّر على توقيت معين”.
وقبل “لسه فاكر” و”إرسم عمري” كان الرحباني قد سخر من الأزمة المالية الاجتماعية في لبنان عندما اُحتجزت أموال المودعين في المصارف، وأطلق أغنية “معك ما معك” التي جسّدت، كما يقول “ذل اللبنانيين على أبواب المصارف وهم يطالبون بالحصول على جزء من أموالهم”.
وللرحباني منذ أكثر من ثلاثين عاما أغنيات وأعمال تحمل طابع التهكم على حال مرير، ومنها “معالي الوزير” و”طريق المطار”، أما أبرزها والتي يردّدها اللبنانيون يوميا فهي أغنية “اشتغل وما تقبض يا حبوب كُتب عليك العمل ببلاش”.
لكن الأغنية التي لاقت شهرة واسعة هي “صارت سنة الألفين” التي يقول غسان إنه كان يعتقد أنها ستعيش لعامها ولزمنها فقط “لكنني لم أكن أنتظر أن تستمر إلى هذا اليوم.. أنا كنت أُفضل ألاّ تعيش إذا كانت بلادي ستظل على حالها المأساوي”.
وتقول كلمات الأغنية (صارت سنة الألفين وراح الاحتلال/ وما عاد فيه مشاكل وريحنا هالبال/ والوزارات نظيفة وعقولنا خفيفة.. صارت سنة الألفين وصار عنا نظام/ وصار فيه زفت كتير وبقينا ع العظام/ وخلصت الرشاوي وعم نرقص بداوّي).
وغسان الرحباني هو موسيقي ومنتج وكاتب أغان وملحن وموزّع وقائد أوركسترا وعازف بيانو ومغنّ وممثل مسرحي. ولد في بيروت عام 1964 وبدأ التأليف الموسيقى مبكرا. وفي العام 1976 شارك بالغناء مع أخيه جاد ووالده إلياس في ألبوم يضم أشهر أغاني الأطفال في لبنان، كما قدّم العديد من المسرحيات منها المسرحية التاريخية “هنيبعل” التي عرضت في مهرجانات في لبنان وتونس. وفي 1997 كوّن فرقة “الفور كاتس” التي أحيت العديد من أغاني إلياس الرحباني.