السّفر مع نيلز* فضيلة الفاروق

النشرة الدولية –

يكره أطفال العالم مادتي التاريخ والجغرافيا، أكثر من أي مادّة أخرى، لازدحامهما بالأسماء الكثيرة والأرقام والتواريخ التي يصعب عليهم حفظها، ومن غريب الأمور أنّ أساتذة هاتين المادتين يهتمون في الغالب بتقديم المعلومة بإجبار التلميذ على حفظها لترسخ في ذهنه، أمّا التلاميذ فيتعاملون مع المادتين تعامل المُجبَر على فعل الشيء، يحفظون ما يجب حفظه، وبعد الامتحان تتبخر كل تلك المعلومات من رؤوسهم.

في العالم المتطور حاولت المؤسسات التعليمية إيجاد حلول لهذه المشكلة، لتحسين مستوى تلقي المادتين، لأنهما قاعدة تعميق ثقافتنا العامة، ومعرفتنا ببلداننا، وبطبيعة كوكبنا الذي نعيش عليه.

التاريخ يتناول نجاحات البشرية وأخطاءها، وبالتالي هو مفتاح السر لصنع مستقبلنا وتحديد نوعيته.

إنّ فهم الماضي لا يتم إلاّ عن طريق سرد التاريخ والتوقف عند أحداثه وتفكيكها لفهم أسبابها ونتائجها، أمّا الحاضر فهو ملك أيدينا، وصنع قراراتنا، وهو ما يجعل إمكانية تغيير مصائرنا للأفضل ممكناً عبر معرفة التاريخ.

ارتباط التاريخ بجغرافيا البلاد يكشف مدى قوتنا كأفراد، والإرث الذي يمكّننا من تشكيل السمات الفريدة لأي شعب، إذ من الصعب جداً أن ننشئ مكاناً لأنفسنا وسط هذا العالم الفسيح دون تحديد ممتلكاتنا وطاقاتنا الممكنة لبناء أمّة كاملة ومستقلة، وذات وجود لا يستهان به.

وإن كان البعض يفهم صلب هذا الموضوع، ويعرف لماذا نحن دوماً في قلب خطوط النّار؟ فإنّ الغالبية العظمى لا تفهم ذلك. لأن أهم حلقة لجعل الموضوع مفهوماً غائبة لدينا وهي تدريس التاريخ والجغرافيا بطريقة صحيحة للأجيال الجديدة في عمر مبكر.

في بلد اسمه السويد، منذ 162 عاماً وُلدت طفلة اسمها سلمى لاغرلوف، أصيبت بشلل مبكر فعانت طيلة حياتها من العرج، هذا لم يكن سبباً لإحباطها وشلّ حركتها، بل قادها لعشق القصص، والكتب، والأدب.

قضت الطفلة أجمل أيامها وهي تتشبّع بقصص الأمهات والجدّات، قبل أن تكتب أول كتاب لها “ملحمة غوستا برلنج” العام 1891، تلته كتب أخرى أهمها على الإطلاق “رحلة نيلز هولكرسونز الرائعة عبر السويد” والذي صدر في جزئين بين 1906 و 1907، مُحقِّقاً نجاحاً لا مثيل له في السويد وخارجها، وهو قصة طويلة قامت على فكرة جعل مادة الجغرافيا محببة لتلاميذ المدارس، بطلب من الاتحاد الوطني للمدرسين في السويد.

أحب أطفال السويد جغرافيا بلادهم من خلال هذه القصة، إذ حققت نتائج مبهرة أكثر من أي مقرر دراسي آخر، وبعد سنتين من ذلك التاريخ نالت سلمى لاغرلوف جائزة نوبل للأدب، كأول امرأة تتوج بها.

تعشش قصة نيلز في ذاكرتنا بنسختها الكرتونية اليابانية التي تابعناها في ثمانينات القرن الماضي، لكن لا يزال بإمكاننا أن نحلّق معه مجدداً ونحن نمتطي ظهر إوزته الجميلة بإعادة قراءة الرواية المتوفرة باللغة العربية، ترجمة محمد اللامي، تقديم علي بدر، إصدار دار المدى.

نقلاً عن ايلاف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button