نون عن كل النسوة* نوف قيس

النشرة الدولية –

على لسان النسوة أتمنى لو أتحدث: إن التحرر والحرية التي نسعى إليها لا تعني الحرية بمفهومها المجرد المطلق، بل هي فكرة تعلمنا – نحن النسوة – أن ندافع عنها بشكل فطري منذ وعينا على أول «لا» تواجهنا. الـ «لا» تعني لإحداهن شهقة موت تتكرر يوما بعد يوم، لا تميتها بل تعيد تحييها لتعيد الموت، الـ «لا» تبدو أحيانا كنجمة بعيدة المنال تتلألأ وتجمل صفحة السماء، تنير الكون كما تفعل الوعود بالقلب، لكنها في الحقيقة تظل بعيدة المنال.

لذا بتنا نطالب بهذه الحرية كحق من حقوقنا، إحدانا تقاتل لأجل هذه الحرية.. وأخريات يتبادلن عنها الأحاديث في تجمع سريع لشاي الضحى، أو أثناء العمل حين يدنين كراسينا المتهالكة متراصة ليكفي المكان أكبر عدد من الأصوات، وأحيانا على مقعد المانيكير الذي نختاره بالقرب من صديقة.. الحديث الذي لا نمله، قد نحتقن ألما بينما نهذب أظافرنا – لثوان – لكننا نكمل الحديث سريعا.

نتقاسم حينها قوتنا وآهاتنا، نتبادل قصصنا الأسطورية ونحكي عن أدوارنا البطولية – احتفائية بالأنوثة من نوع آخر – نجتمع وكل واحدة منا تتحدث بعفوية جميلة بلا حدود ولا قيود، بلا أعين تترصد مخارج الحروف تراقب نبرة أصواتنا الارتجالية الساخرة وتلفظنا لكلمات مخجلة – نخفي من وراءها الكثير.

تنهي الأخيرة منا حديثها بـ: «.. أنا حرة»، كأنها تغيظ الأخريات بكم الحرية التي تمتلكها وبحجم الأمنيات التي قد لا تتجاوز قبضة اليد لكنها بالتأكيد كل ما تتمنى.

حينها.. أنصت لهن وبداخلي أشعر بالحرية تتلبسني، أستشعر حضورها. قد لا أتمكن من رؤيتها لكنني أنصت لهن وأشعر بأنهن يسرن بي مسرى الدم بالوريد.. وذلك يكفيني.

لا تصدق امرأة تخبرك أن مبلغ طموحها تربية الأبناء وإعداد وجبتهم المفضلة التي يتمنونها حين يعودون لأحضانها من بعد اغتراب، لا تصدق امرأة تخبرك ان الماسة صديقة الفتاة المفضلة، الماسة هي مدخرات لنائبات العمر ليس إلا، النائبات التي تدرك أنها ستصطدم بها بل قد تحيل ماساتها رمادا تذروه الرياح درءا للنائبات.

لا تصدق امرأة لديها إجابة عن الخيبات، الخيبات لا إجابة لها.. درب واحد يذهب معك ولا يعود بك، درب لا ينتهي بك بل ينهيك، لا تصدق امرأة تخبرك أنها اكتفت من الحياة.. إننا لا نكتفي.

المرأة القوية قلما تتباهى بأوسمة انتصاراتها وبالمقابل لا تحسب هزائمها، لا تستجمع بطولاتها وفي الوقت نفسه لن تعرض انكساراتها، المرأة الواثقة لا تعنيها الألقاب، تنتهي من قوالب الشخصيات.. «تلك هناك المتزنة.. وهذه القوية.. تلك سلبية.. هادئة.. قلقة.. جريئة.. الخ»..

ولذا، ولكي أخوض معكن معترك الحياة – حرفيا – وبكل ما أوتيت من قوة، وأن أكون بجانبكن كتفا بكتف حتى أتمكن من سرد قصصكن للآخرين، هذا الأمر يستوجب مني أن أتحرر من اسمي، أتحرر من ثقافتي وكل ما تعلمته، كل ما مررت به أو قاسيته، أتحرر من تجاربي وحدودي وحياديتي.. أتجاوزني، أتحرر من شكلي وشخصيتي، قد لا تعرفوني فلست هنا لأملأ فراغا ولست أشبهني، وددت لو أصبح امرأة بلا ألقاب ولا مسميات ولا شيء يلحق بي.. وحين ينادونني سأجيب عن كل النسوة بـ «نعم»..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى