الفراغ السني والحضور التركي في لبنان.. ماذا يكسب أردوغان؟
النشرة الدولية –
“لبنان 24”
مع قرار السعودية الانكفاء لبنانياً، تتجه الأنظار إلى تركيا، “الدولة السنية الثانية في العالم”، حيث يرى مراقبون أنّ عزلة لبنان والقرار الدولي بتركه ينهار سياسياً ومالياً من شأنه أن يفسح المجال أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وعلى الرغم من التحذيرات الغربية والعربية من تنامي الدور التركي في لبنان، وسوريا (دخلت مصر بشكل خاص على هذا الخط مع حشدها جامعة الدول العربية إلى إعادة تفعيل عضوية دمشق)، تتسم خطوات مواجهة التوسع التركي بالمحدودية؛ فإلى جانب عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، يملك أردوغان، بفضل جغرافية تركيا، ورقة مساومة فعّالة في وجه الاتحاد الأوروبي: اللاجئون.
كثرت في الآونة الأخيرة التقارير التي تحدّثت عن نية أردوغان تعزيز نفوذه في لبنان في إطار سعيه إلى التمدد في الإقليم بعد سوريا وقطر وليبيا والعراق وأذربيجان، والقرن الأفريقي (جيبوتي، إثيوبيا، الصومال، إريتريا). وبفضل علاقته مع “حماس” وإيران وروسيا، يمثّل أردوغان مصدر قلق بالنسبة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، والدول العربية المطبّعة معه، ولاعباً يُحسب له حساب في الموازين الدولية.
مثّل انفجار المرفأ في الرابع من آب، نقطة تحوّل على هذا الصعيد، حيث وضع مراقبون إسراع أنقرة إلى إيفاد شخصيتيْن رفيعتيْ المستوى إلى بيروت في 8 آب- أي بعد 3 أيام من وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون- في سياق الصراع الفرنسي-التركي على شرق المتوسط.
وآنذاك، أطلق وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، سلسلة تصريحات وصفت بعالية السقف، إذ أكّد أنّ “تركيا لن تترك أبناء جلدتها التركمان سواء في لبنان أو أي مكان آخر في العالم”. وإلى جانب المساعدات والمستشفى الميداني، أعلن نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي فتح ميناء مرسين لخدمة لبنان، كما أعلن جاويش أوغلو عن استعداد بلاده لمنح الجنسية للبنانيين التركمان الراغبين بذلك؛ علماً أنّ 9600 لبناني حصلوا عليها العام الماضي. كذلك، أمر أردوغان بالإسراع بفتح مستشفى الحروق في صيدا، أمّا بالنسبة إلى الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، فهي تنشط في توزيع المساعدات في لبنان والشمال خاصة.
وفي حين قالت مصادر لموقع “الحرة”، إنّ “تيكا” تمثّل “الذراع التمددي لأنقرة في طرابلس وصيدا”، حيث يتم تمويل مشاريع إنمائية، يؤكد الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد الأيوبي أنّ الحضور التركي في طرابلس والشمال ليس جديداً. ويوضح في حديث مع “MTV” أنّ الحضور التركي مرتبط بالأساس بوجود مواطنين لبنانيين من أصل تركي، في طرابلس وعكار، وبجمعيات الصداقة اللبنانية-التركية.
في هذا الصدد، يؤكد مسؤول العلاقات محمد العلي في الكواشرة-قضاء عكّار، وهي تعتبر أكبر تجمع للتركمان في لبنان، أنّ “تركيا تساعد كل لبنان، من جنوبه إلى شماله، لا سيما أنّها مهتمة بالتركمان ومستعدة لإعطائهم الجنسية”، موضحاً أنّ “التقدم إلى طلب مساعدة يتم عبر الجمعيات التركمانية حصراً أبرزها الجمعية اللبنانية التركية، أو رابطة التركمان في لبنان”.
وعلى الرغم من تأكيد الأيوبي أنّ الدعم التركي في لبنان يقتصر على الجوانب الإغاثية والإنسانية والاجتماعية، سلّط على أبعاد تحالف النائب فيصل كرامي مع تركيا، أو “تعاونه الواسع التطاق مع تركيا” وعن نية دعم أنقرة مؤسساته الاجتماعية، وتالياً حضوره السياسي. ونظراً إلى علاقة كرامي بـ”حزب الله” ودمشق، تساءل الأيوبي عن إمكانية وجود تفاهم إيراني-سوري-تركي لتقاسم النفوذ في لبنان، قائلاً: “هذا سؤال كبير سيحكم المرحلة المقبلة”.
هل تضحي تركيا بعلاقتها مع إيران من أجل دور في لبنان؟
لا تنوي تركيا الدخول إلى المسرح اللبناني، حيث تؤثر علاقتها مع إيران في حساباتها، فلا تريد أنقرة مشاغلة طهران في بيروت، في ظل التنسيق والتنازع بينهما في ساحات مختلفة. فما هي المكاسب الممكن أن تجنيها، في وقت وسّع أردوغان نفوذه في سوريا والعراق وصولاً إلى ليبيا والقوقاز. ونظراً إلى أنّ لبنان لا يحدّ تركيا من أي جهة، ناهيك عن ضعف اقتصاده ووجوده في صلب الصراع الأميركي-الإيراني المباشر، لا تجد تركيا دوافع مربحة مقابل لعب دور في لبنان. وهنا يتساءل الأتراك: “إذا انكفأ العرب عن لبنان، لماذا يتدخل الأتراك؟”.
في المقابل، اعتبرت الباحثة السياسية المتخصصة في الشؤون الإقليمية والتركية، هدى رزق، في حديث لـ”الحرة” أنّ “تركيا تريد التوسع وفرض نفوذها في المنطقة، وهي تتدخل في بؤر الصراعات لتلاقي موطئ قدمها، خاصة في المناطق السنية”، موضحةً أنّ “تركيا تبحث عن الفراغ السياسي عند السنة، لتتواجد فيه، وهذا ما حصل فعلاً في سوريا، وتحاول القيام به في العراق، وفي لبنان بعدما شعرت أنّ السعودية سحبت يدها من لبنان منذ حوالى الثلاث سنوات”.
وأضافت أنّ “التمدد التركي ليس بالجديد، إذ بدأ عام 2004 مع الحركات والتجمعات الإسلامية في صيدا وطرابلس، ولكنه يتخذ اليوم شكلاً مختلفاً وهو المساعدات الإنسانية”، لافتةً إلى أنّ “وجود التركمان في قرية الكواشرة ساعد أنقرة التي في محاولة دخولها إلى الميدان اللبناني”.
وفي حين تعتبر رزق أنّ “تيكا” “هي الطريق التمهيدي للتواجد التركي العسكري والسياسي، وهذا ما حصل في سوريا وغيرها، واليوم تنتشر هذه المؤسسة في الصومال، السودان، مالي، ولبنان وذلك بغطاء تنموي يخفي وراءه أهدافاً سياسية”، ترفض أنقرة الاتهامات بممارستها سياسة الإنفاق المالي.