دعوا حكومة ميقاتي تعمل رحمةً بالبلاد

النشرة الدولية –

لبنان 24 – نوال الأشقر –

ولدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد حوالى عامٍ من الفراغ في السلطة التنفيذيّة، وفي خضمّ أسوأ أزمة ماليّة واقتصاديّة في تاريخ البلاد، صنّفها البنك الدولي بأنّها واحدة من أعمق الإنكماشات في التاريخ الحديث. لم يكن أحد ليتوقّع من الحكومة أن تعالج المعضلات الإقتصادية بعصا سحرية، وأن تعيد لبنان إلى ما قبل 17 تشرين عام 2019، خصوصًا أنّ التعافي في أيّ بلد يعاني أزمة اقتصادية حادّة كالتي بلغناها، يحتاج إلى فترات طويلة لا تقل عن عشر سنوات تُحتسب منذ البدء بتنفيذ خطّة إنقاذيّة. لكن بالمقابل لم يكن أحد ليرضى بأقل من التخفيف من معاناة اللبنانيين اليوميّة في أمنهم الدوائي والغذائي وفي لجم تدهور الليرة، وصولًا إلى وضع خطّة إقتصادية تؤدي إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي، تنال على أساسه مساعدات خارجية.

ما حصل أنّ الإنهيار واصل مساره الإنحداري بسرعة فائقة، فتجاوز الدولار عتبة الـ 25 ألف ليرة، وتخطّت أسعار المحروقات والأدوية والسلع الغذائية كلّ معقول وهي في ارتفاع مستمر، واتسعت دائرة الفقر. بظل الواقع المتدحرج من سيء إلى أسوأ، ماذا تفعل الحكومة للجم الإنهيار؟ وما جدوى وجودها؟

رئيس الحكومة كان يدرك منذ اللحظة الأولى صعوبة المهمّة وحجم التحديات أمام حكومته، لذلك تخلّى عن المشهدية الطموحة، وتحدث في خطابه الأول من بعبدا بعد توقيع مراسيم التأليف عن أولوية حكومته وأنّها “ستهتمّ بتأمين حاجات اللبنانيين وأبسط أمور الحياة، انطلاقاً من مبدأ وطني لا فئوي”، وأعلن في حينه أنّه سيدقّ أبواب العالم العربي و”سأعيد وصل ما انقطع” وأضاف “دعوا السياسة جانباً، ولْنَنْهَضْ بورشة عمل تعمل على نهضة لبنان، ولا نريد حديثًا عن ثُلُث معطل”.

خطاب ميقاتي المختصر عقب تأليف حكومته، يشير بوضوح إلى أنّه ربط إشكالية معالجة الوضع المعيشي بخارطة طريق من عاملين ضروريّن، الأول إعادة علاقات لبنان بمحيطه العربي لاسيّما الخليجي، والثاني دعوته الأفرقاء السياسيين داخل حكومته لإبعاد الملف المعيشي عن التجاذبات والحسابات السياسية، وعدم وضع العراقيل أمام عجلات الحكومة. العامل الأول أي “وصل ما انقطع مع العالم العربي” دمّرته تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، وما تلاها من مواقف عدائيّة تجاه المملكة العربية السعودية من قبل حزب الله، على رغم سعي ميقاتي في الداخل والخارج لإيجاد تخريجة لأزمة قرادحي من شأنها تفادي التداعيات الكارثيّة للأزمة الخليجية. الكل يعلم كيف تمّ إحباط كل المساعي والحؤول دون استقالة قرداحي، الأمر الذي أدّى إلى قطع دول مجلس التعاون الخليجي العلاقات الدبلوماسيّة والتجاريّة مع لبنان للمرّة الأولى منذ تاريخه. أمّا العامل الثاني المتمثّل بعدم تعطيل العمل الحكومي، فتمّ نسفه بالكامل، بعد مرور ثلاثة أسابيع فقط على نيل الحكومة ثقة البرلمان في العشرين من أيلول الماضي، بحيث علّق “الثنائي الشيعي” مشاركتهم في جلسات الحكومة في الثالث عشر من تشرين الأول الماضي، مشترطين كف يدّ المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، ولا زالت جلسات مجلس الوزراء معطّلة منذ ذاك الحين، من دون أن ننسى حوادث الطيونة وتداعياتها السلبيّة. ميقاتي وبالتوزاي مع سعيه لإعادة جلسات مجلس الوزارء يحاول التعويض من خلال تفعيل عمل اللجان الوزارية وتكثيف اجتماعاتها، لكن هذا لا يلغي أنّ السلطة التنفيذيّة معطّلة في البلد، وأنّ هناك قرارات وملفات حيويّة مصيريّة تتطلب اجتماع مجلس الوزراء، كمشروع الموازنة، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومواكبة إعادة تحريك ملف ترسيم الحدود البحرية، وغيره الكثير من الملفات الحياتيّة اليوميّة.

إعادة التذكير بخطاب ما بعد التأليف، ليس القصد منه تبرئة ذمّة الحكومة، فهي بطبيعة الحال تمثّل السلطة التنفيذيّة الوحيدة في البلد وتتحمّل مسؤوليّة أيّ فشل يحصل بظل ولايتها، لكن الإنصاف يقتضي الإعتراف بأنّ المعطّلين حالوا دون أن تأخذ الحكومة فرصة سماح ولو قصيرة، لمعالجة ما أمكن من المشاكل المتفاقمة، والمفارقة الأغرب في تاريخ حكومات العالم أجمع، أنّ المعطّلين هم جزء من التركيبة الحكوميّة، ومع ذلك تراهم يعتلون المنابر ويطالبون الحكومة القيام بواجباتها حيال المواطن، ويسائلونها عن هذا الملف وذاك، فيمارسون انفصامًا فضائحيًّا لا تنفع معه العلاجات المعهودة.

زر الذهاب إلى الأعلى