مستقبل مختلف للعلاقات الأميركية التركية تحت إدارة بايدن* سبنيم أرسو

النشرة الدولية –

في الأسبوع الماضي، أورد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه “وفق ما ناقشناه مراراً خلال فترة توليكم منصب نائب الرئيس، تكتسي العلاقات التركية الأميركية ميزة إستراتيجية ذات جذور عميقة”. وأضاف “أهنئكم على فوزكم في الانتخابات، وأتقدم لكم بأصدق تمنياتي بالسلام والرفاهية لشعب الولايات المتحدة الأميركية”.

جاءت رسالة التهنئة التي أرسلها أردوغان إلى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن متأخرة بثلاثة أيام عن رسائل مماثلة عبّر عنها عبر “تويتر”، قادة إيرلندا وألمانيا وإسبانيا وكندا، وحلفاء آخرون.

وحتى ذلك الحين، أدرجت تركيا ضمن خمس دول أخرى، هي “البرازيل والصين وكوريا الشمالية وروسيا وسلوفينيا”، ظلت صامتة بشكل ملحوظ.

ولقد فُسر ذلك الصمت إلى حد كبير بخيبة أمل أنقرة [حيال فوز بايدن] نظراً لعلاقات أردوغان الوثيقة مع دونالد ترمب وسهولة وصوله إليه، ما شهد تسخير القضايا الثنائية المتفجرة إلى مصلحة الأول.

ومع ذلك، تعود أسباب كسر الصمت إلى الحاجة القوية لتهدئة الاقتصاد التركي قبل أن ينجرف نحو العاصفة بدلاً من إظهار ولاء صامت لزعيم مخلوع.

وفي غضون ذلك، يتكهن كثيرون منذ أشهر حول كيفية تعامل بايدن مع العقوبات المعلقة التي أقرتها واشنطن بموجب قانون “مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات” (“كآستا” CAASTA) رداً على شراء تركيا نظاماً صاروخياً روسياً مضاداً للطائرات.

إذ يرى معارضون أن هذه الخطوة لم تقتصر على تقويض أمن “حلف ناتو” بإدخال التكنولوجيا الروسية إلى النظام الدفاعي للحلف، بل تتعارض مع المصالح الأميركية التي تتناقض بشكل أساسي مع روسيا.

ورداً على ذلك، أوقف الكونغرس الأميركي مبيعات الأسلحة الرئيسة الجديدة إلى تركيا، بينما استخدم مسؤولو ترمب الحجج التقنية الممكنة جميعها في تأخير تطبيق العقوبات.

إذ تضمنت قائمة العقوبات ما يسمى الخيارات النووية كاستبعاد تركيا من النظام المصرفي الأميركي، والتدابير المتوسطة التي تشمل فرض قيود على تراخيص التصدير، أو التدابير الخفيفة كقيود المعاملات المفروضة على بعض الأشخاص.

وحالياً، يتداول في الكونغرس مشروعا قانونين، أحدهما يتعلق بـ”التفويض الدفاعي”، والآخر “كشوف حسابات الاعتمادات”، وهما يمولان الوكالات الحكومية جميعها. ويتحرك المشروعان برفقة تشريع يوضح شروط “التفعيل التلقائي للعقوبات”. وحتى الآن، خدم الغموض في نص قانون “كاستا” مصلحة تركيا.

وفي هذا الصدد، أشار مسؤول في الكونغرس طلب عدم الإفصاح عن اسمه، إلى أن “البيت الأبيض حرص على أن يستمع له الجمهوريون في مجلس الشيوخ بشأن تركيا”. وأضاف، “أعتقد أنه الآن مع مغادرة ترمب، يشعر كل أعضاء الكونغرس تقريباً بإحباط شديد تجاه أردوغان، ولن يبذل أحد جهداً في محاولة إنقاذ تركيا.”

ولقد برر ترمب تردده في فرض عقوبات على تركيا باعتبار ذلك محاولة تهدف إلى تصحيح خطأ إدارة أوباما في رفض تزويد تركيا بأنظمة الدفاع الصاروخي “باتريوت” المصنعة في الولايات المتحدة. وفي المقابل، سواء شكل ذلك جهداً صادقاً للتعامل بإنصاف تجاه تركيا أو مثل إشارة إلى علاقته غير التقليدية مع أردوغان، فإن تعليق العقوبات جرى لمصلحة أنقرة بعد ما ثبت شدة العواقب المتأتية من إجراءات مماثلة. وفي ذلك المسار، أدت مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمونيوم التركية بسبب سجن قس أميركي في أغسطس (آب) 2018، إلى انهيار الليرة التركية بين يوم وليلة. وكذلك وجهت خطوة موازية اتخذت رداً على عملية عسكرية تركية في سوريا عام 2019، ضربة أخرى للأسواق [التركية]. واستطراداً، إذا كان ترمب سيفرض عقوبات “كاستا” ويختار منها أخف الخيارات كمعروف أخير لنظيره التركي، فإن الوقت أخذ ينفد، إذ ستنتهي ولايته في 20 يناير (كانون الثاني) 2021. ومن ناحية أخرى، ظل النقاد متشككين في أي تأثير قد يكون لرسالة “الشكر” غير المألوفة التي بعث بها أردوغان إلى ترمب، مباشرة بعد رسالة التهنئة التي أرسلها إلى بايدن، في تحقيق توازن دبلوماسي.

وفي هذا السياق، وصل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى تركيا هذا الأسبوع لكنه رفض الذهاب إلى أنقرة للقاء مسؤولين حكوميين، فيما رفض مسؤولون مقابلته في إسطنبول، وفق زعم تقارير عدة. ففي جولته الرسمية الأخيرة، ربما عمل بومبيو على تعزيز أوراقه في نيل وظيفة سياسية في المستقبل، وربما يبقى الخط الساخن بين ترمب وأردوغان موجوداً، لكن من المبكر التكهن بذلك.

في المقابل، إذا ترك خيار فرض عقوبات “كاستا” لبايدن، فقد نشهد فرض الأثقل منها، ليس لمجرد انتقاد بايدن حكومة أردوغان لأسباب مختلفة، بل أيضاً لأنه يحتاج إلى قضية تحظى بتوافق الحزبين كي يضيق الخلافات في مجلس الشيوخ بقيادة الجمهوريين، وفق محللين.

وفي ذلك الملمح، أخبرني غونول تول، من “معهد الشرق الأوسط” (مقره واشنطن)، أن تحسين أنقرة علاقاتها مع الكرملين لم يكن السبب الوحيد الذي أثار حفيظة الملايين، بل أيضاً عدم تسامح أردوغان تجاه المعارضة وسياساته العدوانية في سوريا وليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط، جعله اسماً مألوفاً بطريقة سلبية في الولايات المتحدة.

ولم تزد علاقته الوثيقة مع ترمب تلك الصورة إلا سوءاً. إذ أشار تول إلى أن “دعم ترمب غير المتناسب لأردوغان أثار حفيظة حتى الجمهوريين”. وأضاف “بالنسبة إلى الجمهوريين الذين يرغبون في ترك مسافة بينهم وبين ترمب، فإن التصويت ضد تركيا يشكل الخيار الأكثر أماناً مع كونه موقفاً يحظى بالشعبية حتى على الصعيد المحلي”.

في سياق آخر، بغض النظر عن صورة تركيا في الولايات المتحدة، فإن فرض عقوبات “كاستا” ثقيلة مستقبلاً، أو عقوبة شديدة متوقعة ضد “خلق بنك” التركي المملوك للدولة بسبب انتهاكه العقوبات ضد إيران، يعني أن أنقرة ستضطر على الأرجح إلى تغيير مسارها في إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة.

وكذلك يرى تول أن “الأمر سيكون محيراً أكثر بالنسبة للحكومة التركية، لأنه في الواقع سيكون من الأصعب تعقب علاقات لا تدار من خلال قناة واحدة، وفق ما حدث مع ترمب”.

ففي وقت سابق، زعم تقرير من شبكة “سي أن أن” أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصل بترمب في أحيان كثيرة مرتين في الأسبوع، وجرى ربطه مباشرة بالرئيس الأميركي حتى أثناء ممارسة الأخير لعبة الغولف.

وأوضح لي المسؤول قائلاً “أعتقد أن الأمر بسيط للغاية، بايدن يلتزم بسيادة القانون، وترمب لا يلتزم”.

وفي ذلك الصدد، لا يرغب الموظفون العموميون المثقفون في جعل تركيا عدواً، لكن في الوقت الحالي لدى بايدن أولويات أكثر أهمية من العلاقات مع أنقرة، إذ صرح بذلك المسؤول لي بأنه “يتوجب التركيز على أوروبا”.

وأضاف “علينا استخدام رأس المال السياسي في محاولة إعادة بناء العلاقات، خصوصاً مع ألمانيا وفرنسا وحتى كندا، قبل أن نقلق بشأن كيفية التعامل مع قضايا معقدة تتعلق بشريك كتركيا التي لا تتصرف بوصفها شريكاً”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button