الباحث التونسي سمير بشة حاول في كتابه “الموسيقى، العلم والحياة” بناء طريقة استقصائية من داخل الاختصاص الموسيقولوجي
النشرة الدولية –
يطرح كتاب “الموسيقى، العلم والحياة” للباحث سمير بشة سؤال العلاقة بين الموسيقى والعلم والحياة من وجهة نظر موسيقولوجية، كما يبحث في جملة من المسائل التي لها علاقة بمجالات العلوم الإنسانية ومن بينها الموسيقى، التي اعتبرها المؤلف في سابق أبحاثه السر الأشد غموضا في تاريخ الحضارات.
من خلال هذا البحث، حاول الكاتب بناء طريقة استقصائية من داخل الاختصاص الموسيقولوجي، وكان الهدف من ذلك هو اكتساب أكثر مشروعية لتحليل الأصوات التي تحوم حولنا وتغزو محيطنا وتحتلنا أحيانا.
في هذا الإطار، ومن وجهة نظر منهجية، لا يمكن للموسيقولوجيا أن تكون علما إلا إذا كانت نتائجها ظرفية قابلة لمناظرة إبستيمولوجية تدفع بالتفكير إلى مقاربات عقلانية تنتهي بنا إلى موقف التأييد أو التفنيد بعيدا عن المسلمات والحتميات.
في إطار ذلك، لم يكن الجدل قائما على ما هو فوضوي أو ما هو آت عن طريق المصادفة، بل كان على أساس مواضيع هي في الأصل إرادية تم اختيارها بشكل مسبق.
شكلا، جاءت هذه الدراسة مُوزعة على أربعة فصول، خُصص الفصل الأول لدراسة تأثير الموسيقى على سلوك الإنسان من وجهة نظر فلسفية وبسيكولوجية، وهي من بين أهم القضايا التي ما زالت تثير يقظة الباحث. بينما اهتم الفصل الثاني بثلاث مسائل، معظمها كان متصلا بالحياة انطلاقا من الكلمة والذاكرة والموسيقى، على أساس أن التفكير لا يمكن أن يكون تفكيرا إلا إذا تشكل داخل صيرورة لجملة من الكلمات والمفاهيم والدلالات، فتكون بذلك الذاكرة صدى لممارسة موسيقية سابقة ظهرت في فترة ما، قريبة منا أو بعيدة عنا في الزمن.
وجاء الفصل الثالث ليدعم فكرة ترى أن بعض الأشغال الموسيقولوجية قد تحولت بفعل الزمن وبحكم العمل الدؤوب إلى مشروع حياة، وقد عاد الكاتب في هذا الصدد إلى النصوص التي نُشرت في إطار مشروع “موسوعة من أجل القرن الواحد والعشرين” التي أشرف عليها الباحث الفرنسي جون جاك ناتيي (Jean-Jacques Nattiez).
ويعتبر جون جاك ناتيي من مؤسسي سيميولوجيا الموسيقى، وهو موسيقولوجي وفيلسوف وناقد أدبي وكاتب رواية، وهو أيضا أستاذ جامعي مميز بجامعة كيباك بمونريال التي انتسب إليها منذ 1970.
يحمل في رصيده عديد الكتب والبحوث منها كتاب “تمجيد الموسيقولوجيا” (1976) الذي ترجمه إلى العربية الباحث التونسي والجامعي سمير بشة (2011) و”بروست موسيقيا” (1984) و”الموسيقولوجيا العامة والسيميولوجيا” (1987) وغيرها.
في الفصل الرابع من كتابه يتطرق بشة إلى ما ورد من أبحاث في هذا المشروع الذي لا يمكن أن يكون، والأمر كذلك، إلا مشروع حياة نظرا إلى عمق مسائله وسعة مقارباته وإشكالياته، وقد انتهى هذا الفصل بعرض لمناقشة حصرية التأمت بينه وبين ناتيي عن طريق التراسل الإلكتروني والتي رأى من الضرورة بمكان أن يقع نشرها للقراء.
لهذا الكتاب رسالة وأهداف أخرى، إذ حاول الكاتب توسيع الأفكار بالعودة إلى أعمال جون جاك ناتيي الذي أنجز معه عدة حوارات امتدت لفترة اثنتي عشرة سنة تم خلالها تبادل الأفكار حول تأسيس مشروع الموسيقولوجيا الشاملة الذي عمل ناتيي السنوات جاهدا من أجل تثبيته وإعطائه أكثر لزومية ومشروعية.
هذه المغامرة كانت من أجل مراجعة كل الأفكار الممكنة في إطار ما تعودنا تسميته بكل بساطة أو بالأحرى بكل سهولة “موسيقى” بهدف المطالبة بالقطع مع الأفكار التي ترى في كل ما هو منظم ومستقر من أساسيات ما يسمى بالعلم.
كما يبرز الدور العلاجي للموسيقى حيث أن الاستماع إلى الموسيقى أو الغناء أو العزف على آلة موسيقية، يمكن أن يحسن النتائج الصحية للمرضى، بما في ذلك الأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض الصحة النفسية.
ونذكر أن كتاب “الموسيقى، العلم والحياة” صدر مؤخرا عن سوتيمديا للنشر، وقد جاء موشحا بنص تقديمي أعده له محمد زين العابدين.
أما سمير بشة فهو موسيقي وجامعي، يشغل حاليا منصب مدير المعهد العالي للموسيقى بتونس، أستاذ تعليم عال في الموسيقى والعلوم الموسيقية، مدير المركز التونسي للنشر الموسيقولوجي، وله العديد من المقالات المتصلة بالحقل الموسيقولوجي حيث بحث في مواضيع لها علاقة بــ”سيميولوجيا الموسيقى” و”الهوية والغيرية في الموسيقى” إلى جانب موضوع “التثاقف والمثاقفة في الموسيقى” الذي يمثل مركز الاهتمام في أبحاثه.
في رصيده خمسة كتب نذكر من بينها “الهوية والأصالة في الموسيقى العربية”، “الموسيقولوجيا في مواجهة الغموض الموسيقي” وغيرها.