لبنان: تقاذف كرة “الدعم” فوق جثث الدولة والاقتصاد والفقراء
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
وصلت سياسة الدعم في لبنان إلى ساعة الصفر، وبات خفض الدعم أمراً محسوماً. لكن الآلية لا تزال غير مُتفق عليها، ويعوّقها أمران. الأول، اتخاذ مصرف لبنان قراره النهائي بشأن خفض الاحتياطي الإلزامي أو عدم المس به. والأمر الثاني، توافق القوى السياسية الممثلة في اللجان النيابية المشتركة، على آلية محددة لخفض الدعم. وبذلك تأمين الغطاء السياسي اللازم لمصرف لبنان.
هذان الأمران يشغلان السلطات السياسية والنقدية اليوم، فالكل منهمك بآلية ترشيد الدعم، والتخفيف من إنفاق الدولارات على إطعام المواطنين وتأمين الدواء للمرضى. فلا يلتفت أحد منهم إلى كارثة تفاقم الفقر ونقص الغذاء لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، ولا إلى الإسراع في صوغ الحلول التي من شأنها تسريع التدخل الدولي، ولا حتى يأبهون إلى مسببات شح الدولارات التي تعاني منها الدولة اليوم. كل ذلك لا يعنيهم سوى أن الدعم المقدّم اليوم لنحو 300 سلعة غذائية لم يعد ضرورياً. ويمكن الإكتفاء بـنحو 40 سلعة فقط، ونحو 250 صنفاً من الأدوية، بدلاً من 1500 صنفاً. فلا حاجة بنظر البعض لدعم المتممات الغذائية والفيتامينات، علماً أنها تشكّل علاجاً ضرورياً لكثير من الحالات المرضية.
دفع ملف الدعم إلى طاولة النواب
دفع مصرف لبنان بالأزمة في وجه السلطات السياسية لاتخاذها القرار بشأن وقف الدعم أو المس بالاحتياطي الإلزامي، تفادياً لتحمّل أي مسؤولية لقرارات قد تنقلب عليه لاحقاً، لكونها غير شعبية. وفي حين سُرّب عن المصرف المركزي بأن الاحتياطي الإجمالي يقارب اليوم 17.95 مليار دولار، منها 17.10 مليار دولار احتياطي إلزامي للمصارف (أي أنها أموال تعود للمصارف)، حسمت المصارف أمرها بالتصدّي لأي مس بالاحتياطي الإلزامي. وقال مصدر مصرفي في حديث إلى “المدن”، إنه لا يحق لمصرف لبنان التصرف بدولار واحد من الاحتياطي الالزامي، الذي هو حق للمصارف من دون موافقتها. واذا قرر التصرف به، فعليه حينها إعادة الدولارات للمصارف، وليس صرفها على الدعم.
ومن المرتقب اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان، غداً الخميس 3 كانون الأول، لبحث قرار رفع الدعم. وربما التصويت عليه. لكن وفق معلومات “المدن”، فإن المجلس المركزي قد يرجئ البت بأي قرار يوم غد، لأكثر من سبب. الأول، أنه سبق وحدد موعد الاجتماع عقب اجتماع اللجان النيابية المشتركة اليوم، على أساس أن يبحث مقترحات اللجان المشتركة، غير أن الأخيرة اجتمعت اليوم ولم تخرج بأي اقتراحات. وسادت الفوضى خلال اجتماعها في مجلس النواب. والسبب الآخر، الذي قد يشكل للمجلس المركزي ذريعة لعدم البحث بملف الدعم، هو فقدان النصاب، فيما لو أصر مدير عام وزارة الاقتصاد على عدم الحضور، بعد انسحابه من الجلسة السابقة، اعتراضاً على طرح رفع الدعم. وبذلك، يكون الغياب في مقعدين في المجلس المركزي هما المدير العام لوزارة الاقتصاد والمدير العام لوزارة المال، الذي سبق أن استقال في وقت سابق.
إعادة ملف الدعم إلى الحكومة والمركزي
أما جلسة اللجان النيابية المشتركة اليوم، فلم تشهد سوى فوضى عارمة وتصاريح سياسية واقتصادية “من فوق السطوح”، حتى أن البعض فتح ملف احتياطي الذهب، وآخر فتح ملف محاسبة المعنيين بالأزمة النقدية، وغير ذلك من القضايا.. باستثناء أي طروحات لملف الدعم. فلم يخرج المجتمعون بأي مقترحات أو حلول. وهو ما دفع برئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي إلى الاعتراض على عدم البحث في ملف دعم الدواء تحديداً، والخروج من الجلسة.
أما الأسوأ فكان خروج رئيس لجنة المال والموازنة، ابراهيم كنعان، من الجلسة، بتبرير عدم البحث بمسألة الدعم ووضع مقترحات بديلة لخفض الدعم، بأن ذلك من صلاحية الحكومة ومصرف لبنان. وقال كنعان “نحن سلطة تشريعية وعلينا إبداء الرأي بمقترحات الحكومة”.
ما يعني أن جلسة اللجان لم تكن سوى تضييع للوقت، ورمي كرة ملف الدعم في مرمى الحكومة ومصرف لبنان، الذي يتهرب بدوره من اتخاذ أي قرار بهذا الشأن. والنتيجة بدء نفاذ الوقت وتراجع ما تبقى من احتياطات أجنبية في مصرف لبنان، واقترابنا أكثر فأكثر من وقف الدعم على المنتجات الأساسية.
أما في حال صدقت مخاوف البعض، وتوقف الدعم قسراً، ما لم توضع آلية مدروسة، فذلك سيُحدث كارثة اجتماعية، أولها على مستوى المؤسسات الصحية، التي ستنهار خلال أشهر قليلة. إذ ووفق حديث عراجي لـ”المدن”، فإن فواتير المؤسسات الصحية ومنها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي تبلغ فاتورته الدوائية حالياً نحو 500 مليار ليرة سنوياً، وفي حال رفع الدعم فإنها ستتجاور 5 أضعاف إلى 2500 مليار ليرة سنوياً، وكذلك باقي المؤسسات الضامنة وهو ما سيعرضها لخطر الإفلاس الحتمي.
وقد علمت “المدن” انه في ظل التخبط الحاصل، وتهرب جميع الأطراف من اتخاذ القرار المناسب حيال ملف الدعم، وتعريض معيشة وحياة المواطنين للخطر، تعمد لجنة الصحة النيابية إلى التواصل مع البنك الدولي لإيجاد صيغة، تؤمن فيها الحماية الصحية للمرضى فقط، من خلال تأمين الدواء. وتستمر الاجتماعات لصوغ آلية المساعدة.
طرح نظري لبعض الخيارات
تبقى الطروحات التي تخرج من هنا وهناك طروحات نظرية لا قيمة لها، ما لم يجرِ بحثها جدياً وبالأرقام. ومن تلك الخيارات الاستمرار بالدعم وتقليص المواد المدعومة إلى ما لا يزيد عن 250 دواء فقط، بدلاً من آلاف الأصناف، ونحو 40 سلعة غذائية كحد أقصى، بدلاً من 300 أو 400 سلعة يجري دعمها حالياً.
طروحات أخرى تتمحور حول الخفض التدريجي للدعم، من خلال رفع نسبة الدعم من 1500 إلى 3900 ليرة للدولار، وخفض مستوى الاحتياطي الإلزامي بنسبة 1 أو 2 في المئة، أو تحويل الدعم إلى المحتاجين مباشرة من خلال بطاقات تموينية. وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات حول كيفية تحديد المحتاجين. وطرح آخر يرتبط بوقف الدعم وعدم المس بالاحتياطي الإلزامي.