اغتيال فخري زادة ذريعة لإيران للتملص من الاتفاق النووي أم لتقييد إدارة بايدن؟* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

يدور نقاش في أروقة مراكز القرار الإيرانية أخيراً حول أهمية وتوقيت الإقدام على الانتقام لاغتيال العالم النووي محسن فخري زادة، بعد بروز معلومات على لسان مسؤولين تؤكد تورّط إسرائيل في العملية. فاستهداف فخري زادة الذي وصِف بـ”العقل النووي الإيراني”، فتح ملفات الاغتيال الشبيهة من القائد السابق لـ”فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” قاسم سليماني، وصولاً إلى علماء في المجال النووي. أما السؤال المحوري الذي يجب أن يطرح، فهو: لماذا تحتاج إيران إلى الانتقام؟ وهل ستردعها عملية الاغتيال تلك عن الاستمرار في مشروعها النووي، أم أن الاغتيال أعطاها ذريعة للتملّص من الاتفاق النووي؟

وفي حين تأكد عدم وقف البرنامج النووي بسبب عملية الاغتيال، بخاصة بعد تصويت مجلس الشورى الإيراني نهار الأحد 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لصالح إلزام الحكومة برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة، برزت أسئلة جديدة من قبيل: من أين ستردّ إيران ومتى وكيف؟، علماً أن الردّ السريع وغير المحسوب قد لا يكون مفيداً لها، في فترة انتقالية بين عهدين لرئيسين أميركيين جمهوري وديمقراطي.

كانت على علم لكنها لم تأخذ الأمر على محمل الجد

وكان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني اتهم إسرائيل باستخدام “أجهزة إلكترونية” لتقتل فخري زادة عن بُعد، كما اتهم “الموساد” بتنفيذ عملية الاغتيال بمساعدة من جماعة “مجاهدي خلق”. وقال شمخاني إن “الأجهزة الأمنية كانت على علم باحتمال تعرّض العالم فخري زادة لمحاولة الاغتيال، في الموقع الذي قتل فيه، لكنها لم تأخذ الأمر على محمل الجدّ، بسبب تواتر الأنباء لديها طيلة السنوات العشرين الماضية عن وجود مخططات لاغتياله”. وأضاف “عملنا على تعزيز حماية فخري زادة، ولكن العدو نفّذ الاغتيال عبر طريقة جديدة حرفية وتخصصية”. أما المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، فقال إن الردّ سيكون بـ”منتهى الإيلام”، بينما ذكرت وسائل إعلام محلية أن عملية الاغتيال تمّت بواسطة سلاح عثر عليه في موقع الهجوم يحمل “شعار ومواصفات الصناعة العسكرية الإسرائيلية” وأن الأسلحة المستخدمة “جرى التحكّم فيها بواسطة الأقمار الصناعية”.

ذريعة إيرانية لاتفاق نووي جديد

وكان محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، أعلن في وقت سابق، أنه “لن تكون هناك مفاوضات جديدة حول الاتفاق النووي مع إدارة (الرئيس المنتخب جو) بايدن. جرى النقاش حول الاتفاق وانتهت هذه المرحلة… لم تفِ الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاهه، وأهم شرط لنا هو أن يحترم أعضاء مجلس الأمن ما أقرّ في هذا الاتفاق”. وترى صحيفة “غارديان” البريطانية في تقرير نشرته بتاريخ 30 نوفمبر الماضي، أن “اغتيال فخري زاده قد لا يكون له تأثير كبير في البرنامج النووي الإيراني الذي شارك في إنشائه، ولكنه سيجعل من الصعوبة بمكان إنقاذ الاتفاق النووي الذي يهدف إلى تقييد هذا البرنامج، وهو الدافع الأكثر منطقية وراء عملية الاغتيال”. ويتوافق كلام “غارديان” تماماً مع ما جاء على لسان رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، أن “دماء العالم النووي فخري زادة ستزيل القيود عن البرنامج النووي، وستمهّد الطريق لرفع العقوبات عن البلاد”.

أهداف مخفية

وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، فإن اغتيال فخري زادة يهدف إلى تقويض الاتفاق النووي، وأنه إذا ثبت أن الموساد وراء اغتياله، فإن إسرائيل تكون استغلت الفرصة لتنفيذ العملية بضوء أخضر من الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، وليس هناك شك في أن دونالد ترمب، الذي يسعى إلى لعب دور المفسد خلال الأسابيع الأخيرة من فترة حكمه، سيوافق على عملية من هذا النوع، إن لم يكن قد ساعد في تنفيذها. ونقل التقرير عن دينا أسفندياري، الباحثة في مؤسسة القرن للأبحاث، قولها إن عملية الاغتيال جاءت “لدفع إيران إلى القيام بعمل غبي لضمان تقييد يدي إدارة بايدن عندما تسعى إلى استئناف المفاوضات ووقف التصعيد”. إضافة إلى ذلك، كان فخري زادة، العالم النووي الإيراني الوحيد الذي ورد اسمه في التقييم النهائي الذي قدّمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن الجانب العسكري لبرنامج طهران النووي، إذ اعتبرته العقل الذي يقف خلف “مشروع أماد”، الهادف إلى تطوير قدرة إيران على بناء قنبلة ذرّية.

هل تنتقم إيران؟

ونقل موقع “تايمز أوف إسرائيل” عن حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المحافظة، قوله إن “الأدلة وافرة لدرجة أنه يمكن اعتبار تل أبيب الجاني الرئيس. لذا، لا ينبغي أن نشكك في الانتقام من الصهاينة”. وأضاف أن “واشنطن وتل أبيب نظمتا سلسلة من العمليات السرية ضد إيران خلال الأسابيع المتبقية لإدارة ترمب في منصبه، بناءً على فرضية أن إيران لن تردّ على مثل هذه العمليات”.

وذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في هذا المجال أن لإسرائيل تاريخاً في استهداف البرامج النووية للمنافسين، بما في ذلك إيران، حيث اغتالت علماء وشنت هجمات سيبرانية لكبح التقدم النووي لطهران على مدى العقد الماضي. وعام 2011، أدى انفجار إلى مقتل مهندس الركيزة الرئيسية الثالثة للدفاع الوطني الإيراني، حسن طهراني مقدم، وهو عضو آخر في الحرس الثوري، ساعد في تطوير برنامج الصواريخ في البلاد. وعلى ما يبدو أن إسرائيل متورطة بذلك. وأضافت أن لطهران حافزاً لتجنّب الظهور بمظهر الضعيف. ضُرِبت إيران بقوة وبشكل متكرر على مدى عام 2020 بجائحة كورونا التي ناضلت حكومتها لاحتوائها. وإضافة إلى اغتيال اثنتين من الشخصيات الإيرانية البارزة هذا العام وانفجار نطنز، يبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل قتلتا الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبو محمد المصري، في طهران في أغسطس (آب) الماضي، وتواصل إدارة ترمب توسيع قائمة الأفراد والكيانات الإيرانية الخاضعة للعقوبات لممارسة الضغط على النظام، بغية تعقيد عودة إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن إلى الاتفاق النووي.

إيران أمام “معضلة” الرد من عدمه

إن نجاح إسرائيل في تنفيذ مثل هذه العمليات المعقدة على الأراضي الإيرانية، التي وصلت إلى حدّ ضرب هدف بارز حدده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الريف خارج طهران، يكشف مرة أخرى عن فشل الأمن الداخلي للنظام الإيراني وضعف الدولة أمام العمل السري الأجنبي، ما يضعها أمام معضلة، لذا تقوم باحتساب وقياس ردودها على مثل هذه الأحداث، بحسب “فورين بوليسي”، إذ حاولت الموازنة بين هدفين متعارضين: تجنّب ترك هذه العمليات من دون ردّ مع الامتناع عن تصعيد التوترات بشكل قد يؤدي إلى عمل عسكري مباشر من قبل الولايات المتحدة. وواجهت إيران في هذا بعض الإخفاقات المحرجة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بداية عام 2020، بعد وقت قصير من مقتل قاسم سليماني، حين قصفت قاعدتين في العراق تضمان قوات أميركية.

التهديدات بقصف حيفا “للاستهلاك الداخلي”

وتقول صحيفة “غارديان” إن “لإيران تاريخاً طويلاً وراسخاً في تجنّب الصراع المباشر في المنطقة منذ نهاية الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988. ومع ذلك، فهي سعيدة بدعم أو العمل من خلال وكلاء، مثل حزب الله، لدفع المصالح وتقويض المنافسين”. وعن التهديدات الإيرانية بقصف مدينة حيفا، اعتبرت الصحيفة أن “هذه التصريحات التي صدرت عن شخصيات سياسية وعسكرية إيرانية هي للاستهلاك الداخلي”، إذ “لا تنعكس عادة في أفعالها”. وكانت صحيفة “كيهان” أوردت أن “على طهران مهاجمة مدينة حيفا الساحلية الإسرائيلية إذا كانت تل أبيب مسؤولة عن مقتل فخري زادة”. كما اقترحت تنفيذ أي هجوم بطريقة تدمر المنشآت و”تتسبب أيضاً بخسائر بشرية كبيرة” لإسرائيل. وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء كشفت بدورها عن المكان المحتمل الذي يمكن من خلاله أن ترد طهران على اغتيال فخري زادة. وقالت الوكالة المقربة من دوائر صناع القرار في البلاد، “لدينا حزب الله في لبنان وبإمكاننا من داخل الأراضي اللبنانية ضرب إسرائيل، ردّاً على مقتل فخري زادة”.

“عدم الرد الآن”

في المقابل، يستبعد تحليل نشره موقع “فويس أوف أميركا” أن تقدم إيران على فعل أي شيء يمكن أن يعطي ذريعة لترمب، لإنهاء ولايته بردّ “عسكري شرس” عليها، كما أنها لا تريد أن تبدأ عداءً جديداً مع الرئيس المنتخب. ونقل الموقع عن جوناثان شانزر، الباحث في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” قوله إنه “إذا نفذت إيران نوعاً من الهجوم، أو انخرطت في أنشطة عنيفة تُنسب إليها بوضوح، فسيكون ذلك، على ما أعتقد، خطأً فادحاً هي غير مجبرة عليه”.

وحذّر شانزر من أن “طهران ستجد نفسها أمام خيارات صعبة، إذ تقترب من إحياء الذكرى الأولى لمقتل جنرالها قاسم سليماني، وفي الوقت ذاته إذا تبِعت دافعها بالانتقام، فلن تستطيع الخروج من عزلتها والتخلص من حملة الضغط الأقصى التي تنتهجها ضدها إدارة ترمب”.

ونقل تحليل “فويس أوف أميركا” عن أوليفير غيتا، الخبير في مكافحة الإرهاب، أن “الردّ الإيراني سيأتي، ولكنه قد يحتاج إلى عام أو عامين، فهم يأخذون وقتهم ويجهزون هجماتهم بدقّة شديدة”. وكانت صحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية التي تصدر باللغة الفرنسية، نشرت تحقيقاً يتحدث عن أن “طهران أرسلت قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني إلى بغداد لإصدار أوامر إلى قادة الفصائل العراقية بوقف جميع الهجمات على القوات الأميركية. كما أجرى قاآني زيارة سرية إلى لبنان للقاء الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله”. وهدف الزيارة، بحسب الصحيفة، “هو الطلب من نصرالله عدم استفزاز إسرائيل في هذه المرحلة الحساسة. وشدد قاآني، خلال لقائه كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين للحزب، على عدم اتخاذ أي إجراء يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوتر مع إسرائيل، التي ربما تستغلّ التصعيد لشنّ عملية عسكرية موسعة”.

أما صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فترى أنه “إذا انتقم الإيرانيون وأعطوا ترمب ذريعة لشنّ ضربة قبل أن يترك منصبه، سيرث بايدن مشكلات تكون أكبر من مجرد حطام وثيقة دبلوماسية عمرها خمس سنوات. وهذا بالضبط ما يراهن عليه نتنياهو وترمب”. فأي انتقام، وفق الصحيفة “يمكن أن يؤدي إلى عمل عسكري أميركي يبدو الرئيس المنتهية ولايته في أتم الاستعداد للذهاب إليه، لا سيما أنه ناقش هذا الخيار مع مستشاريه قبل أسبوعين، وأوفد وزير خارجيته، مايك بومبيو، إلى المنطقة الأسبوع الماضي”.

نصر الله يعتزم الانتقال إلى إيران

في هذا السياق، أكد موقع “تايمز أوف إسرائيل” تزايد المخاوف الأمنية في صفوف “حزب الله” على زعيمه حسن نصر الله، مضيفاً أن الأخير ألغى تحركاته بعدما نصحه فريقه الأمني بالبقاء في مكانه. ووصف الموقع، نصر الله بـ”الهدف السهل لتل أبيب منذ سنوات”، مرجحاً أن يكون هو التالي على قائمة الاستهداف “الأميركية – الإسرائيلية”. ونقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” اليوم الخميس 3 ديسمبر (كانون الأول)، عن مصدر لصحيفة “الجريدة” الكويتية قوله إن حسن نصر الله يعتزم الانتقال إلى إيران وربما يكون اتخذ هذه الخطوة بالفعل. وتابع المصدر أن “أجهزة الاستخبارات في لبنان ودول الجوار رصدت اتصالات مشفّرة واسعة النطاق بين الحرس الثوري وحزب الله بخصوص هذه الخطوة. ويُفترض أن يبقى نصر الله في طهران لفترة غير محددة، ومن غير الواضح متى سيعود بالضبط إلى لبنان”. وكان مصدر مقرّب من قاآني صرّح في نوفمبر الماضي أن حزب الله تمكّن من الكشف عن عملية خططت لها إسرائيل لاغتيال أمينه العام وعدد من قادة الفصائل الموالية لإيران في سوريا والعراق والضفة الغربية وقطاع غزة.

*نقلاً عن “إندبندنت عربية”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى