جريمة خوف
النشرة الدولية –
جوليات انطونيوس –
***********************************
قلبي كئيبٌ كعصفور يحاول الهرب ..
وأنا لا أمتلك مفتاحا كي أطلقه ..
وحدي ولا آلهةٌ تشهد عليّ ولا حتّى مصابيح ساهرة ,
أراقب ذئاب الدخان تخرج من حنجرة الجحيم النائم في أعماق الوطن .
الغبار يتدافع , يتنامى أسراب أجساد تسير نحو الفراغ ..
تذوب كمخيّلة شاعر طعنها الموت في الشطر الأخير ..
كلّ شيء مغلق حتّى انحدار آخر..
وحدها السماء تفتح نوافذ بين الغمام ,
رأيتُ وجه أمّي كانت تَعُدّ على أصابِعها أسماء الملائكة رأيتُ عينيها السماويتين تنزّان الحزن المقدّس كأشجار الصنوبر, كأنها تعتذر عن شيء ما .. ربما كان عليها أنْ تعترف لي بأن الوقوف على حافة الحياة هو مجرّد خدعة لتبرير السقوط , ثمّ رأيتها ترحلُ بكامل حزنها, وكنت أتمنى لو أنقذني صوتها من مخالب ذاك الليل المريب .
كان يُمكنني أن أنام بين الأحياء مطمئنّة إلى الحياة لو أنني تقبّلتُ وجع الهواء في رئتيّ .
كنتُ لأحلُم بالربيع لولا هبوط الجحيم المفاجئ على هيئة ذباب فوق صدري .
كنتُ لأنهض لولا ما علِق بأنفاسي من أرواح وجثث أطفال تحوم فوق سريري كالفراشات ,
كنتُ لأنقذهم لكنّ الضوء لا يثمر كي تأكل الفراشات ,ورائحة الخبز لا تكفي لمعجزة واحدة .
كيف أطمئنّهم وأنا أحمل وجهي وحيدا مدمّرا ويلاحقني سواد غامض , هائلٌ , واثق لا يشقّه سوى العويل .
كيف أبرّر لهم تعاقب الليل والنهار وانتظام الكواكب ودوران الأرض وكلّ الأشياء حولي جامدة , باردة بانتظار أمل موثوق في عنق هاوية ..
كيف أخبرهم بأننا تركنا الأبواب مفتوحة لمتاهة الأعذار فيما هم غرقى في عظامهم .
كيف أبرر رحيل الأزهار وموت الحقائق ونحن نقف كالظلال في بروتوكول رسمي يخفي شظايا الدم المتناثر خلف نظّارات بِلا ضوء .
لا وطن لهؤلاء البؤساء كي تفترشه أرواحهم لتنام !
لا أدلّة كافية لاستدعائهم لجلجلة أخرى ..
قلبي لم يعد يحتملُ هذا الحشد من التراب .
وحدي أقضم ما تبقّى من مسرح الهزيمة ..
وكالقتيل أُجلس قلبي على الكرسيّ المقابل للنافذة ..
أجرجر روحي بهدوء مأساوي إلى شفير اللاشيء أحاول القفز من ثقب معطفي القديم
أرقب قطيع نمل يحتشد لجمع فتات خلاياي اليابسة كوجبة عشاء ,غير آبه لشعوري بالغثيان .