جيب المواطِنة هو الذي يُمس!* سارة المكيمي

النشرة الدولية –

نعِمَ المواطن الرجل ولعقود طويلة منذ تأسيس الدولة بحقوق مدنية كاملة، جاءت الحزمة غليظة ومُرضية، سقطت بحضنه بلا نضال أو كفاح أو مطالب تصدح بها الحناجر حتى تتقطع الحبال الصوتية، فالمشرع– كونه رجلا- صنع لنفسه كل ما يحتاج لتكون هذه الدولة راعية له ولأسرته من كل الجوانب. المرأة الموجودة منذ الأزل كانت تابعة، أماً كانت أو بنتا أو زوجة تتنعم بخدمات هذه الحزمة طالما أنها متصلة معه ومقرونة به! يزوجها الأب ليلتقطها الزوج فتخرج من عباءة أحدهم لتتدثر بعباءة الآخر.

هذه المميزات الخارجة من جيب المدنية والتي صيغت وصُنعت ووضعت بقوانينها الحالية لرفاهية الرجل مؤكدة أنه المعني الأول بخيرات البلد، بل وجوده في حياة المرأة المواطنة وغير المواطنة شرط أساسي لتنعم هي بها، وعلى الرغم من معرفتنا السابقة بهذه الحزمة، ومدى تأثيرها البالغ على حياة المرأة الكويتية ورفاهيتها، فإننا لم نرَ أي ضوابط أو محظورات تُذكر لترهيب الرجل الكويتي من الاقتران بالغريبة وتشجيعه للزواج من مواطنته عدا قرض الزواج! فتمرير الجنسية لأولاده، واعتبار أسرته أسرة كويتية بالأصل، وما يتبعها من حقه في السكن، ومن ثم تجنيس زوجته وإعطائها كل حقوق المواطنة من أولوية في العمل، وتأمينات اجتماعية ورعاية صحية وتعليمية جاءت لنصرة هذه الزيجة، بل إعمارها وتمكينها من حياة كريمة متكاملة من خلال رعاية هذه الأسرة من المهد إلى اللحد.

في الجهة المقابلة وبالقانون، وعلى الرغم من أنها أيضا حُرة في زواجها ممن شاءت تماما مثل الرجل، فإن المدنية رهبتها إلى أبعد الحدود، بل مسّت جيب المواطنة، وأدخلت يدها في حقيبتها وغرفت كل تلك الحقوق المدنية التي من المفروض أنها مساوية طبق الأصل للرجل! فلا رعاية لأسرتها ولا التفات لكرامتها الإنسانية ولا مميزات لاستقرارها في بلادها، بل جاءت القوانين جاحدة ظالمة باعتبار زوجها وأبنائها غرباء وافدين مدى الحياة غير مستحقين لخيرات بلادها، لا تجنيس لزوجها وبالتالي لا اعتبار لأسرتها كأسرة كويتية، فلا خدمة إسكانية ولا توريث عقار ولا علاوات اجتماعية ولا صفة استثنائية كريمة للوجود في البلاد غير ختم الإقامة الدوري لأسرتها مدى الحياة!

أن تمنح دولة ما كل سبُل الراحة الاجتماعية والرفاهية الأسرية لمواطن فقط لأنه ذكر وتمنعها عن المواطنة لأنها أنثى معيار يتناقض جدا مع مبدأ الدولة المدنية والقوانين التشريعية التي تقوم عليها، فالدولة المدنية تُصنع لمواطنيها بلا تمييز، بل تسري عليهم موجوداتها ومحظورتها بالتساوي، لأنها ببساطة دولة خُلقت وصُنعت وعُمرت على سواعد الكل، تقوم على الجنسين وتكتسب قوامها وسيادتها من الاثنين!

المعضلة الأولى برأيي التي تواجهنا كمطالبات بالحقوق المحرمة هي الوعي والثقافة العامة بمفاهيم المواطَنة والدولة الحديثة والحقوق المدنية، لأننا بلا أدنى شك، نصدح بوادٍ وأغلب الشعب بوادٍ آخر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button