بهاء الحريري: عودة لبنان إلى موقعه الصحيح مرهونة بـ”الابتعاد عن ماضينا القريب
النشرة الدولية –
أكد رجل الأعمال اللبناني، بهاء الحريري، على ضرورة بدء تحقيق “جنائي” يطال مصرف لبنان وتشكيل “حكومة انتقالية لا تلتزم بدين أو جماعة”، وذلك في محاولة لمعالجة الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي الذي تشهده البلاد بالتزامن مع القيود المفروضة على أموال المودعين في المصارف والمعلومات عن ترهيب كبار المودعين مبالغ طائلة عشية الأزمة.
ومع استمرار الأزمة المالية والاقتصادية وانهيار العملة المحلية، برز اسم بهاء، نجل رئيس الوزراء الراحل، رفيق الحريري، وشقيق رئيس الحكومة المكلف سعد الذي كان قد استقال في بداية 29 أكتوبر 2019 إثر احتجاجات شعبية.
وعن سبب محاولة الانخراط في العمل السياسي في لبنان بعد نحو 15 سنة على اغتيال والده في انفجار اتهم بالضلوع فيه قيادي في حزب الله، قال بهاء الحريري، في مقابلة مع موقع “الحرة”، إنه لم يعلن بعد دخول المعترك السياسي.
إلا أنه استطرد قائلا إنه رغم توالي الأزمات على لبنان، لكن “ثورة 17 تشرين كشفت الاهتراء الاقتصادي الذي وصل إليه لبنان، وكيف سينعكس ذلك فقرا وتدهورا لحياة الفرد اللبناني، وكوني لبنانيا شعرت أنني اتحمل مسؤولية الوقوف إلى جانب شعبي للقيام بما أنا قادر عليه”.
الخراب الاقتصادي.. والحكومة الانتقالية
واعتبر الحريري أن عودة لبنان إلى موقعه الصحيح على خريطة المجتمع الدولي مرهونة بـ”الابتعاد عن ماضينا القريب والكيفية التي تم فيها حكم لبنان”، قبل أن يشن هجوما على الطبقة الحاكمة.
وقال “لقد رأينا ما جلبته لنا المصالح الراسخة: الخراب الاقتصادي وعدم الاستقرار والفساد والمعاناة التي لا تنتهي للشعب.. نحن في حاجة إلى تغيير حقيقي وأخير..”، داعيا إلى تشكيل حكومة انتقالية لتحقيق هذا التغيير.
وأوضح بهاء الحريري أنه “لا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا شكلنا حكومة انتقالية لا تلتزم بدين أو جماعة بعينها ولكنها موجودة لجميع الناس. نحن في حاجة لتطبيق اتفاق الطائف – ليشمل دستورًا جديدًا غير طائفي.. نستطيع فعل ذلك. ويجب أن نفعل هذا”.
وردا على سؤال عن اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية قبل زهاء ثلاثة عقود، أكد الحريري أنه لو تم تطبيق “الطائف بحذافيره قبل ثلاثين سنة لما كنا وصلنا إلى هنا”، في إشارة إلى الأزمة السياسية والانهيار المالي والاقتصادي.
المثالثة والمناصفة
وعن رأيه بالمثالثة التي يطرحها البعض، أي تقاسم العملية السياسية بين المسيحيين والسنة والشيعة عوضا عن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين التي رسخها الطائف، أكد أن هذا “الطرح مرفوض جملة وتفصيلا. لبنان قائم على الشراكة والتعايش والمناصفة”.
وأعرب نجل رئيس الوزراء الراحل، في المقابل، عن تأييده لمشروع انتخابي من خارج القيد الطائفي، معتبرا أنه لصالح لبنان “لأنه يبعدنا عن المحاصصة والتحالفات غير المبدئية أي الظرفية”.
تشكيل حزب سياسي
وعن خططه المستقبلية على صعيد تشكيل حزب سياسي لحشد مناصرين له وهو الأمر الذي يعول عليه البعض، قال الحريري “ليس لدي أي شيء أعلنه اليوم، ولكن آمل أن أفعل ذلك قريبا”.
أما عن مشروعه المشروع الاقتصادي السياسي الذي ينوي إطلاقه والأسس التي سيرتكز عليها، فقد كشف أنه يعتزم البدء “بالاقتصاد”، كاشفا أنه شكل فريق عمل لرسم برنامج “اقتصادي متكامل”.
وأردف قائلا إن البرنامج “سيأخذ في الاعتبار مستقبل الشباب ودفعه إلى البقاء في لبنان، وتأمين فرص عمل لهم مسلحين بثقافة واسعة تغطي كل ما يشمل لاحقا المجالات الاقتصادية”.
واعتبر رجل الأعمال الذي يستثمر في مشاريع بمعظمها خارج لبنان أن الانتخابات الطلابية الأخيرة أثبتت “مع فوز غير الحزبيين”، أن الشباب في لبنان “على استعداد لتسلم مستقبل لبنان وإدارة ظهرهم للذين فشلوا في حكم البلاد. إذ لا يمكن لزعماء الميليشيات أن يصبحوا حكام بلد يقودونه إلى الازدهار والاستقرار”.
التحقيق الجنائي في مصرف لبنان
وبشأن رؤيته للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية وإنقاذ لبنان من الإفلاس، قال بهاء الحريري “المطلوب وبإلحاح الآن التحقيق الجنائي في مصرف لبنان، لنعرف أين ذهبت أموال اللبنانيين ومعاقبة من مارس سياسة الهدر والفساد. لن يكون أي واحد فوق القانون”.
وشدد على ضرورة أن “يتوقف السياسيون عن المكابرة والاعتقاد بأن المشاكل ستجد حلولا سحرية. علينا التعاون مع صندوق النقد الدولي وتلبية شروطه بإجراء الإصلاحات”.
وردا على سؤال عن التعارض المحتمل بين إطلاق مشروع اقتصادي سياسي وعدم رغبته بإنشاء حزب سياسي، قال الحريري “نركز الآن على الاقتصاد والإنماء إذ لا يمكن بناء سياسة مهما كانت طموحة، إذا لم يكن أساسها اقتصاد قوي كما فعل رفيق الحريري. بدأ بالاقتصاد الذي ساهم في ترسيخ البنى التحتية للمستقبل السياسي”.
استقطاب شخصيات في “تيار المستقبل”
وعن المعلومات المتداولة التي تشير إلى أن شخصيات انفصلت عن تيار المستقبل بزعامة شقيقه سعد، تنتظر من بهاء تشكيل تيار سياسي ينضوي تحت لوائه، جدد الأخير القول إن “التركيز الآن على وضع البنية التحتية للاقتصاد ويعني ذلك مواجهة المجاعة التي تهدد أكثر من نصف اللبنانيين، وكذلك استرجاع ثقة العالمين العربي والدولي والمؤسسات المالية الدولية”.
وتعرب شريحة من مناصري بهاء الحريري عن قناعتها بأنه يحمل مشروعا شبيها بالحريرية السياسية، الأمر الذي أكده رجل الأعمال قائلا “أحمل مسؤولية إتمام مشروع رفيق الحريري، إذ تم اغتياله قبل أن يكمل برنامجه للبنان ولجعله من أهم دول الشرق الأوسط حيث يلتقي فيه كل الأخوة العرب إضافة إلى السياح الأجانب”.
وعن تقيمه للمرحلة التي سبقت دخوله للحياة السياسية خاصة من ناحية المشروع العائلي الذي قاده شقيقه سعد الحريري، قال “أريد أن أكون واضحا، أنا لست جزءا من “المشهد السياسي”.
وأردف قائلا “ما أفعله هو دعم أولئك الذين يسعون لتغيير إيجابي للبنان. لقد حان الوقت -لا بل قبل أن يفوتنا – لتطبيق اتفاق الطائف بالكامل. الناس يطالبون بهذا وعلى السياسيين أن يسمعوا نداءاتهم وصرخاتهم كما أفعل”.
وأضاف بهاء الحريري “أنا لست رجلا سياسيًا ولا أسعى لأن أصبح سياسيًا. لقد ركزت على الأعمال التجارية طوال العقود الماضية، وربما يمكنني أن ألعب دورا صغيرا في دعم أولئك الذين يسعون إلى التغيير في بلدنا”.
وردا على سؤال عن إمكانية إحداث شرخ في عائلته بسبب تحالفه مع شخصيات لا تؤيد سعد الحريري سياسيا، قال بهاء الحريري “أنا حريص جدا على العائلة ولا علاقة لمشروعي بإحداث أي شرخ فيها”.
وفي إطار قراءته إلى مسار والده، قال الابن الأكبر لرفيق الحريري “من عرف الدمار الذي ألحقته حرب 1975 بلبنان، ما كان يتوقع إمكانية إعادة بناء ما تهدم”.
وأضاف أن والده “كان قلبه من حديد وواثقا بأنه قادر على إعادة لبنان أحسن مما كان. وباعتراف كثيرين من الخبراء بأن الحرب تركت بيروت مثل غابة، لكن رفيق الحريري.. قبل التحدي وكانت عودة بيروت على أيامه”. وتعهد بهاء الحريري أن يعيد “رونق بيروت وجعلها اللؤلؤة التي كان يحلم بها رفيق الحريري”.
“ثورة تشرين”
وعن “17 أكتوبر” وما يعني له هذا التاريخ حين اندلعت الاحتجاجات في لبنان العام الماضي، قال “منذ اللحظة الأولى لثورة 17 تشرين أعلنت تأييدي لها. هذا التاريخ سيكون له صدى في التغيير في لبنان، التغيير الإيجابي بالطبع على الرغم من كل المصاعب التي تعصف بلبنان الآن إلى درجة الانهيار الذي يشعر به كل الشعب اللبناني”.
وردا على سؤال عن تسخيره لزخم تلك المرحلة، قال “لبنان الذي سيستفيد من ذلك الزخم، وقد بدأ الاستفادة فعلا، إذ كلنا نرى الذعر الذي أصاب الأحزاب التي بدأت باتهام المتظاهرين شتى الاتهامات، من تلقي أموال من السفارات مثلا، ولما اكتشفت أنها حركة حرة تبحث عن الخلاص، صارت ترسل بلطجيتها وسقط ضحايا”.
وترى مجموعات شاركت في حركة الاحتجاجات أن بهاء الحريري لا يختلف عن باقي السياسيين كونه، على حد رأيهم، يحمل مشروعاً عائلياً ودخل إلى السياسة كوريث.
وردا على ذلك، قال بهاء الحريري “أنا لست سياسيا، أنا خارج لبنان منذ 15 عاما. حتى أثناء ابتعادي عن لبنان لم أتأخر عن الاستثمار فيه، وتأمين آلاف الوظائف للبنانيين. الانهيار الذي أوصل السياسيون لبنان إليه هو الذي دفعني إلى التحرك. إنه وطني وأنا واحد من الشعب اللبناني”.
وعن رأيه بمصير احتجاجات “17 أكتوبر”، قال “ثورة تشرين لا تزال قائمة، كلنا نسمع نبضها، إنها تنتظر مرور جائحة كورونا كما في كل العالم. في بلد كلبنان الآن من يغامر بسبب الجائحة في وقت ينقص الدواء على كل الأصعدة. والخوف من الآتي فيما يتعلق باختفاء الأدوية”.
وردا على سؤال بشأن انتهاء مرحلة الانتفاضات الشعبية ودخول البلاد مرحلة جديدة مغايرة، أكد الحريري أن “الانتفاضة الشعبية لم تنته”، مضيفا أنه رغم جائحة كورونا، يواصل الشباب حراكهم اليومي “إن كان أمام البنك المركزي أو وزارة العدل أو امام أي مؤسسة لبنانية”.
وأضاف “لا تمر مناسبة إلا وترى فيها مجموعات من الانتفاضة تتحرك في كل منطقة من مناطق لبنان، إذا تعلق الأمر بانقطاع الكهرباء، أو شح المازوت، أو غلاء سعر الرغيف إلخ.. لم تنته مرحلة الانتفاضات وقد تأتي لاحقا بدفق أكبر”.
سلاح حزب الله.. وسعد الحريري
وشدد بهاء الحريري على ضرورة تسليم حزب الله سلاحه إلى السلطات اللبنانية، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة في هذا الصدد، ولاسيما القرار 1559 الصادر عام 2004، والذي أكد أهمية بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية، ودعا إلى حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها.
وعن العلاقة النفعية التي يقول البعض إنها تربط شقيقه سعد بحزب الله، قال “كل المنظومة السياسية التي حكمت لبنان منذ عام 2005 تعاونت مع الحزب. وكما ذكرت عاث الفساد فيها مما سمح للحزب بالتحكم بكل مفاصل الحياة السياسية في لبنان”.
وعن رؤيته للعلاقة بين لبنان والسعودية ودول الخليج، أشار الحريري إلى أن “المملكة العربية السعودية دولة رائدة مهمة في المنطقة. نرحب بدعمها للبنان، ودعم كل دول الخليج والدول الصديقة. لكن قبل ذلك، يحتاج لبنان إلى ترتيب بيته”.
وأضاف “كما قلت مرات عديدة، أركز على لبنان. أسعى إلى جعل لبنان يأخذ مكانه في المجتمع الدولي. لدينا الكثير من العمل للوصول إلى هذا الهدف. إن لبنان بحاجة للمساعدة والدعم من جميع الدول الصديقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية”.
سياسية المحاور.. والحياد
وعن الابتعاد عن سياسية المحاور، قال “كنت من أول المؤيدين لدعوة البطريرك بشارة الراعي لحياد لبنان. ويجب العمل عليها لإنجاحها. إن من مصلحة كل الدول العربية أن يكون لبنان حياديا بحيث لا يهدد حدودها. تعب لبنان من تدخل حزب الله في الشؤون الداخلية للدول العربية. لبنان من مؤسسي الجامعة العربية، ولن نتخلى عن عروبتنا”.
وعن موقفه من النزاع الإقليمي بين إيران وبعض دول الخليج، لفت الحريري إلى وقوفه مع “أمن واستقرار دول الخليج”، معربا عن رفضه “لأي تدخل في شؤونها الداخلية. أما عن موقف لبنان في هذا السياق.. فلا نريد أن يحّمل حزب الله لبنان مسؤولية التوسع الايراني المؤذي للبنان واللبنانيين والمنطقة”.
وردا على سؤال عن رأيه إزاء اتفاقات التطبيع التي أبرمت بين دول عربية وإسرائيل في الأشهر الماضية، قال إن “لكل دولة الحق في خياراتها”، مؤكدا، في المقابل، على أهمية “إعطاء الفلسطينيين حقوقهم عبر حل الدولتين، وتحقيق مبادرة السلام العربية”، كشرط أساسي لإحلال السلام في الشرق الأوسط.