صبر إيران الطويل*بسام مقداد
النشرة الدولية –
السنة الحالية الغريبة هذه، بدأت مطالعها بمقتل الجنرال قاسم سليماني ، أبرز رموز توسع النفوذ الإيراني في المنطقة ومهندسيه ، وتشارف على نهايتها مع مقتل محسن فخري زاده ، أبرز وجوه مشروع إيران النووي الصاروخي . وبين المقتلين ، بقيت أنظار العالم معلقة ، تنتظر الرد الإيراني، ومتى يحل الوقت والمكان المناسبين لاجتراحه . لكن صبر إيران الإستراتيجي لا يبدو عليه أنه سينتهي قريباً، إذ لا يزال يلجم الرد على مستوى كلٍ من الحدثين، كما وعدت طهران ، ويبقى العالم في حال ترقب تنفيذ إيران ما وعدت به.
ولا يبدو “على مستوى الحدث” القانون ، الذي اقره مجلس النواب الإيراني منذ يومين “الإجراء الإستراتيجي لرفع العقوبات” ووافق عليه مجلس صيانة الدستور ، إذ اصطدم على الفور بإعتراض الرئيس حسن روحاني وصبره الإستراتيجي ، وكذلك بتردد البرلمان نفسه في إقرار المهل المعطاة للسلطات لتنفيذ بنوده . وكان القانون قد ألزم السلطات برفض التدقيق في نشاط إيران النووي من قبل الوكالة الدولية للطاقة النووية ، إذا لم يتم رفع العقوبات خلال فترة شهرين ، بعد أن كانت المدة الأولية شهراً واحداً ، كما نقلت نوفوستي عن وكالة فارس الإيرانية . كما أنه من المشكوك به ، أن يتمكن الإقتصاد الإيراني في حاله الراهنة من الوفاء بالمتطلبات التقنية ، التي نص عليها القانون ، والتي تفترض إضافة أعداد جديدة من آلات الطرد المركزي لإنتاج ومراكمة 120 كيلوغراماً من الأورانيوم في السنة ، و”تأمين حاجة البلاد “من الأورانيوم المركز أكثر من 20% الضروري لإنتاج السلاح . كما ألزم القانون منظمة الطاقة النووية الإيرانية بالمبادرة فوراً إلى التنفيذ “دون إبطاء” ، كما نقلت نوفوستي.
وعل الرغم من الإحراج الداخلي والخارجي ، الذي خلقه مقتل فخري زاده لسياسة الصبر الإستراتيجي للتيار الإصلاحي ، إلا أن الوقت لا يبدو مناسباً لتجاوز هذه السياسة على أبواب الإنتخابات الرئاسية الربيع القادم ، وما تعنيه من شراسة المنافسة بين المتشددين والإصلاحين، وفي ظل تحول إيران إلى موضوع سجال أميركي حاد بين الديموقراطيين والجمهوريين على أبواب المرحلة الجديدة . فالرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب اختار الموضوع الإيراني ليحتفظ بأثره المعرقل لخطط الرئيس القادم جو بايدن حيال إيران ، إذ استغل مخاوف دول الخليج من إيران، ليترك له خريطة علاقات سياسية في المنطقة تختلف جذرياً عن تلك ، التي عرفها في فترة نيابة رئاسته ، حسب رأي فيودور لوكيانوف ، رئيس تحرير الدورية الروسية “روسيا في السياسة الدولية” في النص الذي نشره في موقع المجلس الروسي للعلاقات الدولية.
ويرى لوكيانوف ، أنه إذا قرر بايدن العودة فعلياً إلى منطق باراك أوباما في العلاقات الدولية، يمكن لإيران أن تأمل في فترة إستراحة . لكن الجميع يدرك ، أن العودة إلى الوراء لن تكون دون مفاوضات وشروط جديدة ستقترحها واشنطن ، على الأغلب ، متحججة بالتغير الكبير الذي طرأ على الوضع منذ العام 2015. إيران ، في العلن ، ترفض الشروط الجديدة ، لكنها ، في الواقع ، هي مستعدة بالتأكيد للعودة إلى جولة جديدة من المساومات، غير أن القوى المعادية لإيران في المنطقة وفي الولايات المتحدة سوف تبذل قصارى جهودها للحؤول دون هذه العودة ، إذ يمكن لهذه القوى ، أن تعمد في الفترة المتبقية لإدارة ترامب في البيت الأبيض، إلى إستفزاز إيران ودفعها إلى عمل يصبح حجة لعمل عسكري واسع . ومن المفترض أنهم يدركون هذا الأمر في طهران ، إلا أنه يسود منطق سياسي خاص هناك ، تفرضه تلك المنافسة الحادة في الإنتخابات القادمة في الربيع .
ويؤكد الكاتب ، أن لا مصلحة لروسيا ، بالطبع ، في إنفجار الوضع في هذا الشطر من العالم ، الذي سيترك ، حتماً ، تأثيره على المناطق المحاذية له ، سيما وأن روسيا لا تستطيع تجاهل إيران في شان القفقاز، وتربطها علاقات وثيقة بها في المسألة السورية . وإذا كان ليس بوسعها، لا هي ولا غيرها، التأثير على الإدارة الأميركية الراهنة ، يمكنها أن تُحذّر من مغبة السيناريوهات العسكرية أصدقاءها في المنطقة (إسرائيل المقصودة ، كما يبدو) ، الذين تربطها بهم علاقات عمل مقبولة . وإذا ما تم تجاوز المرحلة الإنتقالية بين الإدارتين الأميركيتين من دون صدمات، سيتعين لاحقاً بذل جهود دبلوماسية مكثفة لصياغة ترتيب جديد للوضع في المنطقة.
صحيفة القوميين الروس “sp” نقلت عن بوليتولوغ روسي قوله ، بأن مقتل محسن فخري زاده وضع طهران في موقع صعب للغاية . وهو يفترض وجود سيناريوهات عديدة لردة فعل إيران على الحدث ، يقول أولها بتوجيه ضربة لإسرائيل المتهمة بالوقوف وراء هذا الإغتيال . لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحصل في مثل هذه الحالة على حجة لشن حرب على طهران ، يستخدم فيها حاملات الطائرات ، التي أصبحت في المنطقة ، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل . والسيناريو الثاني يفترض تمهل إيران في الرد ، مما يجعل العمليات الإرهابية على أراضيها أمراً عادياً ، مما قد يؤدي إلى تدهور ثقة الإيرانيين بالسلطة . أما إذا قررت طهران ، وفق السيناريو الثالث، توجيه ضربة إلى إسرائيل بعد رئاسة ترامب ، فسوف تُعتبر هذه الضربة تحدياً للرئيس جو بايدن ، الذي قد يمتنع عن إعادة الولايات المتحدة إلى الصفقة النووية مع إيران . ولذلك يعتبر البوليتولوغ ، أن مقتل فخري زاده هو خطة خبيثة ماكرة ، وشديدة الخطورة على العالم أجمع ، لأنها تجعل إرهاب الدولة شكلاً طبيعياً للسياسة الخارجية .
وكالة “Regnum” الإخبارية الروسية تساءلت عما إن كان مقتل فخري زاده سيدفع إيران نحو القنبلة النووية ، وافترضت أن هذا العمل قد لا يبلغ أهدافه الرئيسية ، بل وقد يكون كارثياً، حيث قد يساعد في إقناع السياسيين الإيرانيين ، أنهم بحاجة إلى قوة ردع إستراتيجية لا توفرها سوى القنبلة النووية . وقالت بأن مقتل فخري زاده كان بمثابة إعلان حرب فعلي ، إلا أن طهران يبدو أنها تميل لمواصلة سياسة الصبر الإستراتيجي ، التي اتبعتها بعد مقتل قاسم سليماني ، وكذلك بعد الهجوم على المشروع النووي في نطنز . وقالت ، أنه في الوقت ، الذي دعا فيه المرشد علي خامنئي إلى “الإقتصاص” من منفذي الهجوم ومن أمر بتنفيذه ، قال الرئيس روحاني ، بأن إيران “لديها من الحكمة ما يحول دون وقوعها في فخ إسرائيل ” ، وأنها سترد على المسؤولين عن الهجوم وتقتص منهم “في الوقت المناسب” .
صحيفة ” NG” ، التي تزعم الإستقلالية ، إستبقت القانون الإيراني الأخير ، ونشرت نصاً تحت عنوان رئيسي ” “الصبر الإستراتيجي” ينتهي لدى إيران” ، وعنوان ثانوي “الرئيس روحاني ، قد يجبروه على تجديد البرنامج النووي بكامل طاقته” . وقالت الصحيفة ، بأن القيادة الإيرانية هي الآن بصدد محاولة بلورة ردٍ على مقتل فخري زاده ، الذي تتهم به قوى خارجية، والضحية الأولى لهذا الرد ، قد تكون الإتفاقيات الدولية، بما فيها “الصفقة النووية” . وتقول ، بأن الخبراء يشيرون إلى ، أن سياسة “الصبر الإستراتيجي” للرئيس حسن روحاني ، أخذت تزعج النخب الإيرانية المحلية .