لهذا السبب يعطّل المسيحيون انتخاب الرئيس المسيحي. وبري مصرٌّ على نصاب الثلثين، والدولار إلى ٥٠ الف!
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
الثائر
في ٢٤ أيار ٢٠١٤ انتهت ولاية رئيس الجمهورية الأسبق ميشال سليمان، وبسبب الخلافات السياسية، خاصة بين الفرقاء المسيحيين، حدث فراغ في سدة الرئاسة، استمر حتى ٣١ تشرين الأول عام ٢٠١٦، حيث تم انتخاب العماد ميشال عون، الذي كان مرفوضاً من الغالبية المسلمة، التي كانت قد رشحت سليمان فرنجية.
لكن التوافق الذي حصل في معراب، بين أكبر كتلتين نيابيتين مسيحيتين، أي القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، حول ترشيح ميشال عون، كان كفيلاً بقلب الموازين، فدخل سعد الحريري في تسوية (صفقة) مع جبران باسيل، وتم انتخاب عون رئيسا للبلاد، على أن يتولّى الحريري رئاسة الحكومة طيلة فترة العهد.
منذ انتهاء ولاية ميشال عون دخل لبنان في فراغ رئاسي جديد، وكل طرف يُلقي باللوم على الطرف الآخر، والبعض يحيل الأمر إلى انتظار التدخل الخارجي ونضوج التسوية، لكن في هذه المقاربة إغفال كبير لعامل أساسي، وهو أن الخارج لن يمانع، ولا يستطيع منع انتخاب رئيس للجمهورية، فيما لو اتفق اللبنانيون على ذلك.
وفي الحقيقة إن المسيحيين هم المسؤولون بالدرجة الأولى، عن حدوث الفراغ، وتعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإذا اردنا أن نكون أكثر دقة وتحديداً، فإن سمير جعجع، وجبران باسيل، هما المسؤولان عن هذا الفراغ، فكلاهما يرفض وصول الآخر، ورغم قناعتهما بصعوبة أن يصل أحدهما الى سدة الرئاسة في هذه الظروف، لكنهما يراهنان على متغيرات داخلية وإقليمية، قد تزيد من فرصهما، خاصة باسيل، فهو يعتقد أن إطالة أمد الفراغ قد يصب في صالحه.
يرفض باسيل وصول أي مرشح آخر غيره، وخاصة سليمان فرنجية، أو قائد الجيش العماد جوزيف عون، وهو يطرح بعض الأسماء التي يعلم أنها غير مقبولة، إمّا من حلفائه أو من المعارضة، والقصد من ذلك إطالة أمد الفراغ. أمّا جعجع فهو يرفض وصول باسيل أو فرنجية، وأعلن عن تأييده لترشيح قائد الجيش لحشر باسيل وفرنجية.
في العلن الكل يطالب برئيس سيادي وقوي، وفي الحقيقة كل زعيم يريد أن يكون هو الوصي على رئاسة الجمهورية، ويتولى بنفسه تعيين الرئيس.
ماذا لو اتفق المسيحيون على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية؟؟؟
يطالب المسيحيون باستعادة دورهم في الحكم، ولكنّهم يرفضون القيام بذلك، عندما تتاح لهم الفرصة. فلو اتفق المسيحيون، ونزلوا إلى مجلس النواب باسم واحد، سيصعب على أي فريق مسلم تعطيل نصاب الجلسة، وسيتم عندها طبعاً انتخاب رئيس جديد للبلاد. لكن المسيحيين غير متفقين، ويرفضون أيضاً تأييد ترشيح سليمان فرنجية، المدعوم من الثنائي الشيعي، وحتى أنهم يرفضون الحوار والتفاهم حول اسم ما، رغم كل الدعوات المتكررة التي أطلقها رأس الكنيسة المارونية، غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وهكذا يستمر الفراغ في سدة الرئاسة الأولى.
يمكن طبعاً للمسلمين، (ولو نظرياً) بالاتفاق مع احد النواب الموارنة، انتخاب رئيس للجمهورية، ولو بالأكثرية المطلقة أي ٦٥ نائباً، لكن الرئيس في هذه الحالة سيكون دون غطاء مسيحي، وانتخابه مخالفاً لمبدأ الميثاقية، ولهذا السبب يحرص رئيس مجلس النواب نبيه بري، على ضرورة توافر نصاب الثلثين في جلسة انتخاب الرئيس، وطبعاً إن هذا الموقف رغم النقاش في دستوريته أو عدمها، فهو مما لا شك فيه، يصب أولاً في مصلحة المسيحيين، وثانياً في مصلحة أي رئيس سيتم انتخابه، ليحظى بغطاء وطني واسع.
على الأرض وفي واقع التوازنات السياسية، فكما إن المسيحيين عاجزون عن التوافق، كذلك المسلمين لا يمكنهم الإجماع على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، ولهذه الأسباب يسعى كل فريق إلى الاستنجاد بالخارج، لتعزيز موقعه الداخلي، فاللبنانيون هم من يستدعي التدخلات الخارجية في انتخابات الرئاسة، وحتى في كل شاردة وواردة، ولا يمكن تحميل مسؤولية الفشل بانتخاب رئيس، إلى الدول الخارجية ورؤسائها، وحجة العوامل الخارجية ساقطة وغير صحية.
وتبقى المسؤولية الأولى والأخيرة في تعطيل جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، على عاتق كافة النواب في البرلمان، وتحديداً المسيحيين منهم، خاصة أولئك الذين يغادرون جلسة الانتخاب الثانية، ويعطلون النصاب، وهذا الأمر نعيد التأكيد على أنه خرق للدستور، وللمادة ٧٤ تحديداً، التي تنص على أنه في حال خلو سدة الرئاسة، لأي سبب كان، يحضر النواب فوراً إلى المجلس النيابي، بحكم القانون، من أجل انتخاب رئيس جديد.
ووفقا لنص هذه المادة، فإن حضور النواب أصبح موجباً دستورياً، لا يحق للنائب خرقه، وكل نائب يغادر جلسة الانتخاب في هذه الحالة، يكون قد انتهك الدستور، ولا يحق له بعد ذلك الحديث عن الدستور، والمطالبة بتطبيقه، طالما بادر هو إلى خرقه.
لقد بات واضحاً أن مسار التعطيل سيستمر لوقت طويل، خاصة من قِبل الزعماء المسيحيين، حيث أنه حتى الآن، لا اتفاق مسيحي على أحد من المرشحين، كما أن انتظار التدخل الخارجي الآن لن يجدي نفعاً،
ولا مبادرات للحوار على المستوى الداخلي ولا الخارجي، فالكل ينتظر الكل، ويأمل أن تنقلب المعادلات لصالحه، وهذا لن يحصل في القريب العاجل، ولذا سيستمر الفراغ وغرق لبنان واللبنانيين أكثر فأكثر في أزماتهم الاقتصادية والمعيشية، فيما بات الدولار يخطو مسرعاً، نحو ال ٥٠ الف ليرة.