آفاق المصالحة مع قطر* تاج الدين عبد الحق

النشرة الدولية –

لو أن المصالحة المنتظرة بين دول المقاطعة العربية لقطر، من جنس مصالحات ”تبويس اللحى“ المعروفة والمعتادة، في حل الخلافات العربية البينية، لما احتاج الأمر كل هذا الوقت الطويل، وكل هذه الوساطات التي لم تكن تقتصر على البيت الخليجي، بل امتدت في مرحلة من المراحل، للإطارين الإقليمي والدولي.

وإلى أن تنقشع الغمامة عن أجواء الوساطة الكويتية المدعومة أمريكيا، فإن ما يمكن استخلاصه من التصريحات والتكهنات المتصلة بهذه الوساطة، يشير إلى أن هذه المصالحة تمت بولادة قيصرية صعبة، وأن التعبير عما تم الاتفاق عليه، أو ما يمكن أن يُتفق عليه، من تفصيلات، يتجاوز حسن النوايا، إلى بنود محددة تضمن اجتثاثا للأسباب التي كانت وراء المقاطعة، وتضمن في الوقت ذاته، المرور بمرحلة لبناء الثقة المهزوزة، حتى لاتكون هناك عودة للأسباب من شباك المصالحة، بعد إغلاق باب الخلاف.

ما يمكن التكهن به، حتى اللحظة، بشأن ما تم الاتفاق عليه حول حدود، وشروط المصالحة، يمكن قراءته في ثنايا النقاط الثلاث عشرة التي طرحتها دول المقاطعة قبل ثلاث سنوات عندما قررت وقف التعامل مع النظام القطري، واتخاذ خطوات لعزله.

إذ لا يمكن أن تطوي دول المقاطعة صفحة خلافها ذاك، قبل أن تراجع الأسباب التي دفعتها لتلك الخطوة، والدوافع التي جعلتها تتمسك طويلا بالشروط التي حددتها لحل الخلاف طوال تلك الفترة.

كذلك فإن التكهن ببنود أي اتفاق محتمل لإعادة المياه لمجاريها، يتطلب لاستنتاجه بشكل صحيح وناضج، قراءة متمعنة في أجندة الخاسر، والرابح من المقاطعة، وتحديد المستفيد الأول، والمتضرر الأكبر من استعادة الخيوط المقطوعة.

ومع أن الحديث عن المصالحة خلَّف انفراجا في أجواء المنطقة، إلا أن هناك إحساسا جماعيا لدى الأطراف كافة بأن الخلاف مع قطر، والذي سبب صدعا عميقا، في العلاقات الخليجية والعربية، لا يمكن علاجه بسهولة، ولا يمكن تجاوز آثاره بوقت قصير .

ولذلك فإن الذين يعتقدون أن المصالحة المنتظرة هي اختراق في جدار جبهة المقاطعة  هم واهمون، أو على الأقل غير قادرين على التمييز بين الخيطين الأبيض والأسود، ولا بين الثابت والمتحول.

ففترة السنوات الثلاث الماضية خلقت واقعا سياسيا جديدا لا يمكن تجاوزه، ووضعت حدودا للأحجام والأدوار لا يمكن انكارها وتجاهلها، وأظهرت أن هناك إرادة قادرة على التحرك في الوقت المناسب والشكل المناسب بعيدا عن أشكال المجاملة والمهادنة التقليدية التي تراوحت بين الإقدام والإحجام، ومنعتها من معالجة تحديات كانت تتطلب الصراحة والوضوح.

هذه التجربة الطويلة نسبيا، لم تغير قواعد اللعبة وشروطها فحسب، بل غيرت أسلوب المعالجة أيضا. فالخلافات العربية العميقة التي كانت تحل بجلسة مصالحة واحدة، لن تكون الأنموذج المنتظر لحل الخلافات مع قطر، إذ ثمة استحقاقات يتعين دفعها، والقبول بها قبل التبشير بأي مرحلة جديدة، وأي علاقات مختلفة.

وأبرز ما يمكن انتظاره على هذا الصعيد، أن تتغير الأولويات بحيث يكون التحرك في إطار العمل المشترك في مقدمة تلك الأولويات، وألا يتم البحث عن دور ومكان، على حساب الشركاء في الإقليم وبما يضر بمصالحهم وأمنهم.

المصالحة والتوافق بين عناصر البيت الخليجي والعربي هما في الأساس مطلب أمني، وهذا المطلب لا يمكن تحقيقه إلا إذا كانت النظرة للأمن نظرة قائمة على التكامل بين الأمن الوطني والإقليمي. ولا يمكن تحقيق الاستقرار في أي دولة في ظل وجود أي حالة اضطراب في الإقليم، أو في ظل وجود مناخ مستمر من التحريض .

الذين يتفاءلون بالمصالحة هم من يرجون أن تطوى صفحة السنوات العجاف من الخلاف، بشكل حاسم ونهائي، وأن يستفيد الجميع من الدرس؛ لأن أي انتكاسة أو تعثر في استقرار أي مصالحة أو أي تردد في القبول بشروطها واستحقاقاتها، سيكون من شأنه، العودة إلى المربع الأول أو حتى إلى المربع الذي يسبقه، وعندها لا يمكن إنجاز أي مصالحة جديدة أو الوثوق بأي وساطة أخرى، ولا حتى القبول بأي حلول وسط مهما كانت مغرية.

ناشر موقع “إرم نيوز” الإخباري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button