المطر.. والتنمية «المغرّزة»* أسرار جوهر حيات

النشرة الدولية –

بين «غرقة» 2018، وغرقة 2020، بالضبط عامان وأيام، وهي مدة كافية، لأن نُصلح، لو أردنا ذلك.

سنوياً تغرق شوارعنا، ومناطقنا، وجسورنا وأنفاقنا، بل وصل الامر حتى الى غرق البيوت، ونحن مازلنا في دوامة لجان التقصي والتحقيق، و«اذا بغينا نغير شوي»، احلنا المسؤولين للتقاعد، معتقدين اننا نحاسبهم، غير مدركين اننا نكافئهم، فبالتالي يأتي المسؤول الجديد، وهو على يقين بأن الإهمال مصيره المكافأة بالتقاعد لا بالمحاسبة الفعلية.

لماذا وصلنا إلى هذا الحال؟ لماذا نعتبر دولة غنية، بشوارع وطرق دولة فقيرة؟! لماذا لا نتعظ من اخطائنا وسوابقنا؟

لدينا هيئة عامة للطرق والنقل البري، تزيد ميزانيتها السنوية عن 500 مليون دينار، ووزارة للأشغال العامة، ومازلنا نغرق «بشبر ماي»، وكل ما بوسع مسؤولينا أن يكثفوا الدعاء كل شتاء، بعدم هطول المطر! فالمطر يكشف المستور، ويزيد الطين الفساد، ويؤكد لنا أن عجلة التنمية «مغرزة»، فلو كنا غير قادرين على اصلاح طرق، وكشف علة الصرف الصحي، كيف سنؤسس ونشيّد تنمية لكويت جديدة؟!

سابقاً، رموا المسؤولية على الشركات، والتجار، بل بقيت اللحظة التي استقالت بها وزيرة الاشغال السابقة راسخة في الاذهان، وهي، كما ادعت، عرّت شركات على منصة الاستجواب، ولكن لماذا مازلنا نعاني من هذا الفساد؟ هل تنقصنا الجرأة فعلا بأن نوقف شركات فاسدة؟! وهل هذه الشركات أقوى من مؤسسات الدولة، خاصةً وأن اليوم لا تنقصنا هيئات ومؤسسات شيدت وأُسست لمكافحة الفساد، وتطهير البلاد من دنسه؟!

اليوم، نغرق مجدداً، بل تحول المطر من أيقونة للخير، إلى «خوف»، وبلغ بنا الأمر أن نبقى حبيسي المنازل كلما كانت هناك احتمالية لهطوله، وكأننا في دولة فقيرة لا تمتلك بنية تحتية تقي سكانها من خطر الفيضانات، وقد تكون هذه حقيقة، فعلية، فبنيتنا التحتية اهترأت، وتهالكت، من دون أن نعي أن البنية التي كانت قبل عقود من الزمن جيدة ومواكبة للتعداد السكاني، تحتاج لتنمية وتطوير، لتواكب الزيادة السكانية، ولتواكب تطورات الزمن، فعددنا زاد، واحتياجاتنا تغيرت، وبنيتنا مازالت على «طمام المرحوم»، فعلى سبيل المثال لا الحصر، شبكات الصرف الصحي التي كانت تكفي البلاد قبل سنوات، لن تكون مجدية الآن، والشوارع التي كانت بكفاءة جيدة سابقاً، تحتاج الى إعادة تأهيل.

اليوم، نغرق مجددا، رغم اننا كنا نملك فرصة تاريخية، في أزمة كورونا، تمثلت بالحظرين الجزئي والكلي، فكانت الفرصة مؤاتية لو أردنا بالفعل اصلاح طرقنا، لكننا «قشطنا» الطرق، وتركنا معظمها دون رصف، «صلعاء» حتى جاء موسم المطر وتطايرت حصاها.

اليوم نغرق مجددا، ونحن نصرح باستمرار باننا مستعدون لموسم الامطار.

نغرق مجدداً، ونحن نتحدث عن كويت جديدة 2035، باقتصاد معرفي، واقتصاد مستدام، وصناعات ذكية، ونحن غير قادرين على اصلاح طرق، فكيف سنعبر الى الكويت الجديدة التي نطمح اليها؟!

وهنا، أود أن أؤكد أن أزمة المطر المتجددة، ليست سوى مثال، على فساد اصبح ينخر عظم البلاد، ببنيتها التحتية، بمشاريعها، بتعييناتها، والامثلة كثيرة، على علل ولدت لدينا سوء ثقة بالارادة الحكومية للاصلاح، فيكفي أن نقول «الصحة والتعليم» في أي مناسبة اجتماعية أو سياسية حتى تبدأ أصوات اليأس والتذمر والسخط على سوء الخدمات.

واليوم، لا نشكك بالرغبة الحكومية للاصلاح، ولا نتهمها بالتقاعس، ولكن يلزمنا المزيد من الاصرار والرغبة، حتى ننفذ الاصلاح ولا يبقى مجرد حديث منمق في وسائل الاعلام.

ونقف اليوم، على أعتاب تشكيل حكومي جديد، نسأل الله أن يكون فيه مصلحة البلاد والشعب، وأن تكون باكورة عمله، في اصلاح الطرق، حتى نؤمن أن بقية الملفات ستصلح على التوالي.

نقلاً عن جريدة “القبس” الكويتية

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى