أيّ مخاطر أمنية تُهدّد لبنان؟* فارس خشان
النشرة الدولية –
ثمة اعتقاد في أكثر من دولة تملك قدرات مخابراتية مشهوداً لها، أنّ لبنان مهدّد باضطراب أمني كبير.
وتتنوّع الإجابات عن الإستفسارات التي يتم توجيهها الى الجهات المعنية بهذه “التنبؤات الحالكة”.
فرنسا لا تُخفي خوفها من مخاطر وقوع “حرب أهلية”، وهي تعتقد أنّ هناك أطرافاً تطمح إلى حصول ذلك.
مصر أعلنت على لسان رئيسها عبد الفتّاح السيسي أنّ أمن لبنان واستقراره “باتا مهدّدين”، وهو لم يتردّد في إدراج لبنان في قائمة “دول الإضطراب” مثل ليبيا وسوريا والعراق والصومال.
وهذه المخاطر التي تتهدّد لبنان كانت من أبرز المواضيع التي ناقشها السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في اللقاء الذي جمعهما، الإثنين الماضي، في قصر الإليزيه، حيث وثّقا التحالف بينهما، خصوصاً وأنّ ما بات يجمعهما عملياً، كالنظرة الموحّدة الى تركيا وإلى الإسلام السياسي أقوى بكثير ممّا يفرقهما نظرياً، كملف حقوق الإنسان، والنقاش الفلسفي حول تقدّم القيم الإنسانية على القيم الدينية أو العكس.
وقد كان واضحاً، وفق كل المعلومات المتوافرة، أنّ باريس والقاهرة تنظران بقلق بالغ إلى مستقبل الأوضاع الأمنية في لبنان.
ولا تختلف تقديرات المملكة العربية السعودية عن التقديرات الفرنسية-المصرية مع فارق وحيد أنّ الرياض توجّه تهمة مباشرة وعلنية الى طهران التي “تسعى الى نشر الدمار وعدم الاستقرار في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط”.
في المقابل، فإنّ طهران والقوى المرتبطة بها، لا تُبدي ثقة بالإستقرار اللبناني، بل تذهب الى اتهام واشنطن والرياض بإرادة نشر الفوضى.
ووسط هذه المشهدية المظلمة، تظهر إسرائيل، كأنّها تُحضّر الرأي العام لوجوب ضرب لبنان وتالياً الاستعداد لحرب ضروس على أكثر من جبهة متزامنة، من خلال إصرارها على إظهار خرائط تبيّن، وكأنّ بلاد الأرز أضحت مصنعاً لصواريخ “حزب الله”.
ولكنّ كل هذه التقديرات لم تتم ترجمتها إلى سيناريوهات تنفيذية، بل بقيت عناوين مثيرة للخوف والقلق، ولم تترجم الى تفاصيل يمكن التدقيق فيها.
وقد سمح هذا الغموض التفصيلي، لكل جهة بأن تعطي التفسيرات الخاصة بها، وكان لافتاً للإنتباه دخول المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عبّاس إبراهيم، على هذا الخط، موجّها تحذيرات من موجة اغتيالات يُمكن أن تضرب لبنان.
ووجد النائب السابق فارس سعيّد من موقعه المعارض في التركيبة اللبنانية أنّ اختيار “حزب الله” له من قائمة طويلة اتّهمته بالتورط بانفجار مرفأ بيروت، ليس سوى تمهيد لاستهدافه جسدياً، الأمر الذي وجده كثيرون ممن يدعمون سعيد “وقاية منطقية”.
وذهب خصوم تركيا الى توجيه اتهامات لها بأنّها تموّل مؤيدين لها في لبنان عموماً والشمال خصوصاً، من أجل إحداث اضطرابات أمنية تحت غطاء إسلامي، بحيث يتم وصل لبنان وسوريا بـ “التطرّف والنار”.
ويعتقد خصوم إيران أنّها إنْ خُيّرت بين أن تفقد ورقة لبنان وبين أن تضربه حرب أهلية، فهي تفضّل الحرب، على اعتبار أنّ “حزب الله” هو أقوى الأطراف، وتالياً فالحرب ميدانه.
ويظن خصوم المملكة العربية السعودية أنّها وبالتفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية تفضّل أن تقع حرب أهلية فيه على أن يستمر “حزب الله” في السيطرة عليه وفي استعماله في الصراع المفتوح ضدّها.
وتأخذ فرنسا من هذه الإتهامات المتبادلة مواد أوّلية لتبرّر مخاوفها من إمكان وقوع لبنان فريسة للحرب.
ولكن من يستبعد وقوع حرب أهلية في لبنان، بالنظر الى أنّ غالبية القوى المحليّة أعجز من أن تتورّط فيها، لا يتردد في إبداء موافقته على حتمية وقوع فوضى كبيرة تؤسس نفسها على الإنهيارات المالية والإقتصادية والإجتماعية.
وهذه الانهيارات التي ترفع من نسبة الفقراء والمحرومين وتمد شبح الموت إلى أفراد المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد، من شأنها أن ترفع منسوب الاضطراب الاجتماعي الى حدوده القصوى، ممّا يؤدي الى فوضى غير مسبوقة على امتداد البلاد، ويدفع بالكثرين الى اعتماد “الأمن الذاتي”.
إلّا أنّ هذه الفوضى، سواء كانت حرباً أو اغتيالات أو اضطرابات، “ليست قدراً”، إذ إنّ غالبية “المتنبّئين”، باستثناء إيران، يجدون أنّ الحلّ متوافر بذهاب القيادات اللبنانية، بسرعة، إلى خطوتين متلازمتين، تتمثل الأولى “بتشكيل حكومة من ذوي الخبرة والنزاهة، ومن خارج منطق المحاصصة والإصطفاف السياسي”، فيما تتجسّد الخطوة الثانية ب”نأي لبنان عن التجاذبات الصراعات الإقليمية”.
وفي اعتقاد أصحاب هذه “الوصفة العلاجية” أنّ مبادرة القيادات اللبنانية في هذا الإتجاه، لا يخرج لبنان من قائمة “البؤر الملتهبة” فحسب بل يُنقذه، أيضاً، من الكارثة المالية والإقتصادية والإجتماعية التي وقع فيها وما يمكن أن تُنتجه من كوارث على الاستقرار المحلي.
هذا الحل سهل نظرياً، ولكن المشكلة تكمن في أنّ تنفيذه معقود على قيادات سياسية سبق لها، بفعل فسادها وأنانيتها وقصر نظرها، أن أهملت كل الإنذارات السابقة، وأوصلت لبنان الى ما وصل إليه.