متى يرى الإسرائيليون في الفلسطينيين شركاء سلام؟
بقلم: غيرشون باسكين* نقلته إلى العربية مرح البقاعي

النشرة الدولية –

 

علينا أن نقرّ أن الضحايا الحقيقيون للصراع الإسرائيلي الفلسطيني هم الشعب الفلسطيني. ففي امتحان الضحية، يفوز الفلسطينيون.

الإسرائيليون لديهم دولة، الدولة قوية وغنية، ويتم استقبالها بأذرع مفتوحة في معظم دول العالم التي تسعى بشغف إلى علاقات اقتصادية وأمنية متبادلة المنفعة معها.

الرواية الإسرائيلية التي تلوم الفلسطينيين على “عدم تفويتهم فرصة أبدا لتفويت الفرص”، مقبولة على نطاق واسع، حتى من قبل العديد من الدول العربية (قادة وأنظمة وليس بالضرورة شعوبا). فلم تكن هناك مفاوضات جادة وجهاً لوجه بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ  جلس أولمرت وعباس في العام 2008.

القادة الإسرائيليون، من باراك إلى نتنياهو وبينيت ولبيد، كرروا جميعا شعارا واحدا أنه لا يوجد شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.

نجح شعار “لا شريك” في غسل دماغ الجمهور الإسرائيلي، فبينما (يسعون نخو السلام  فإنهم لا يعتقدون أن هناك على الجانب الآخر من يريد السلام أيضا).

أدى انقسام الشعب الفلسطيني بين فتح وحماس وعباس والسنوار والضفة الغربية وغزة، إلى إقناع الشعب الإسرائيلي بأنه لا يوجد زعيم فلسطيني جاد في الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والعيش بسلام.

اقتنع الشعب الإسرائيلي بأن محمود عباس وسلطته الفلسطينية يدعمان الإرهاب، وأن الزعيم الفلسطيني ينكر المحرقة. كانت نتيجة الكذبة المستمرة بعدم وجود شريك للسلام ما آلت إليه الانتخابات الإسرائيلية في العام 2022.

إن غياب عملية سلام قابلة للحياة مع أفق حقيقي للأمل، إلى جانب زيادة بناء المستوطنات الإسرائيلية، وعنف المستوطنين، والمزيد من عمليات هدم المنازل وإخلاء الأراضي من قبل الجيش الإسرائيلي، كل ذلك أدى إلى زيادة أعمال المقاومة الفلسطينية، (والتي يسميها الإسرائيليون إرهابا) في الغالب يتوجه ضد العسكريين الإسرائيليين والمستوطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة.

هذه مجرد مقدمة لمستويات أعلى بكثير من العنف والتي يجب توقعها بمجرد أن يتولى بن غفير وسموتريش وأوريت شتروك قيادة الإدارة المدنية ومنسق شؤون الحكومة في المناطق (COGAT). كما أن زيادة ضم الأراضي الفلسطينية، والنمو السريع في بناء المستوطنات، والترخيص بأكثر من 100 مستوطنة غير مصرح بها، والسيطرة على حرس الحدود في الأراضي المحتلة، كلها عوامل تزيد من خطورة الوضع.

المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها ستكون النتيجة الحتمية. سيكون الرد العسكري الإسرائيلي على هذه المقاومة هو استخدام القوة المفرطة، والتي ستُطلق عليها حكومة نتنياهو بلا شك “الرد الصهيوني المناسب”، وستترك دائرة العنف الكثير من الدماء التي تُراق على الأرض التي يدعي الطرفان أنهما يعشقانها.

بصفتي عضوا في الجانب الأقوى من هذا الصراع، وهو المحتل وليس من يقع عليه الاحتلال، يُقال لي أحيانا أنه لا يمكنني من موقعي تقديم المشورة للفلسطينيين. لكني طوال حياتي، كنت أؤيد حق الطرفين في تقرير المصير.

لقد دعمت السلام القائم على المساواة والتعاون والحدود المفتوحة وتعلم لغة بعضنا البعض والاحتفاء بالتنوع الذي توفره فرصة العيش معا. كنت دائما ضد الاحتلال الإسرائيلي، ودعمت بنشاط مفاوضات السلام  (بصفتي مستشارا لرئيسي وزراء إسرائيليين بشأن عملية السلام).

وعليه، أعتبر نفسي صديقا للشعب الفلسطيني، وأعتقد أن معظم الفلسطينيين الذين يعرفونني، يعتبرونني صديقا لهم.

إن العلاقات بين الشعبين تؤثر علي، كما هو الحال بالنسبة لكل إسرائيلي وكل فلسطيني، ولذا سأقدم بعض النصائح للشعب الفلسطيني وشعبي الإسرائيلي أيضا.

يجب علينا جميعا أن ندرك أنه في المستقبل المنظور، لن تتحدث حكومتانا – الإسرائيلية والفلسطينية – مع بعضها البعض مباشرة حول كيفية العيش بسلام. لذلك، تقع على عاتق المجتمع المدني، والمؤثرين الرئيسيين في الرأي العام في كلا المجتمعين، مسؤولية لعب دور فعال في التحدث ما فوق رؤساء الحكومات، مباشرة إلى الناس على كلا الجانبين.

الحكومة الإسرائيلية التي سيتم تشكيلها في هذه الأيام ستعمل بلا أدنى شك على ترسيخ الضم للضفة الغربية إلى حقيقة واقعة.

لا جدال في حقيقة غياب المساواة في حالة الدولة الواحدة ثنائية القومية. لم تعد الأراضي المحتلة التي وصفتها الحكومات الإسرائيلية “بالأراضي المتنازع عليها” موضع نزاع في السياق الإسرائيلي. لا يوجد حل قائم على دولتين يمكن التفاوض عليه في السنوات القادمة.

إذا كان الشعب الفلسطيني يرغب في التمسك بحلمه الطويل في تقرير المصير، فإنه يواجه الآن تحديا لطرح رؤية لا ينبغي أن تكون مقنعة لأنفسهم فحسب، بل يتعين عليها أيضا إقناع المجتمع الدولي بقدرتها على البقاء ضمن إطار جيوسياسي وواقع مقبول تستمر فيه دولة إسرائيل في الحياة.

لا يزال هناك حلفاء لهذا النوع من الرؤية داخل الجناح اليساري – المتآكل- للمجتمع الإسرائيلي. هناك سبب وجيه في محاولة مناشدة أولئك الإسرائيليين الذين ما زالوا متمسكين برؤية دولتين لشعبين. أعتقد أنه من المهم للفلسطينيين أن يجدوا طرقا لطمأنة الشعب الإسرائيلي أنهم يرغبون في نهاية المطاف في العيش بسلام مع اليهود الإسرائيليين.

أؤمن أنه في واقع الدولة الواحدة ثنائية القومية، قد حان الوقت كي يطالب الفلسطينيون بالمساواة الكاملة، وحتى المواطنة الإسرائيلية. إن إسرائيل التي تسمي نفسها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ومع سيطرتها على ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ستحتاج إلى الاستجابة لنداء المساواة.

تخيل لو أن السلطة الفلسطينية، أو منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، تقدمت بمبادرة جادة للفلسطينيين للتوقيع على إعلان يطالبون فيه بالحصول على الجنسية الإسرائيلية الكاملة. سيوقعون على استعدادهم للعيش بسلام مع جيرانهم اليهود في دولة تضمن لهم المساواة الكاملة، وكذا جميع حقوق جيرانهم اليهود.

في حين أن هذا سيكون إعلانا كاملا عن نية العيش بسلام، فلا شك في أن إسرائيل ستقرأ هذا العمل السلمي على أنه إعلان حرب على الدولة اليهودية. لكن يجب أن يكون الرد الفلسطيني أنه إعلان سلام لدولة إسرائيل وللشعب الإسرائيلي، الذي يجب أن يتقبل حقيقة أن هذه الأرض ثنائية القومية بأعداد متساوية تقريبا في توزيعها الديموغرافي.

إذا كان لدى حكومة إسرائيل الجديدة بديل أفضل، أي حكومة توفر للفلسطينيين المساواة والحرية وفرصة الازدهار والأمن، فضلاً عن حق تقرير المصير خارج دولة إسرائيل، فمن الأفضل أن يعلنوه بسرعة.

فالحكومة الإسرائيلية القادمة، وكما يبدو جليا على أرض الواقع، ستقوم بترسيخ شكل جديد من أشكال الغياب التام للمساواة، وبموجب القانون، الأمر الذي لا ينبغي أن يكون مقبولا لأي إنسان في أي مكان من العالم.

 

Source: The Jerusalem Post

*كاتب ورائد أعمال كرّس حياته للسلام بين إسرائيل وجيرانها، وهو الآن يدير The Holy Land Bond.

زر الذهاب إلى الأعلى