أريد حلاً* سارة المكيمي

النشرة الدولية –

السيناريو الأول:

فيديو ينتشر في وسائل التواصل الاجتماعي لأم كويتية غير معلومة الهوية، صوتها ضعيف ونبرتها متحشرجة تشكو من ابنها الجعدة الكويتي الذي لم يجد نفسه في هذه البلاد، فقرر الهجرة للخارج، تزوج هناك وكوّن عائلة واستقر في ذلك البلد. تقول إنها مشتاقة إليه وقلبها يتقطع كلما تواصل معها هاتفيا، تبكي كلما سمعت صوته، وتود لو يرجع للكويت ليبقى بجانبها، يعتني بها ويبرها في آخر أيامها لكنه يرفض ذلك تماما، ويقول إنه سعيد ومستقر وإذا أرادت هي السفر إليه فعيونه ستسعها وسيفرح بها.

بطبيعة الحال ستكون أغلب التعليقات على هذا الفيديو تنكيلاً وشتيمة لهذا الابن، وسيصمونه بالعقوق ويتهمونه بالعصيان وعدم الطاعة، كما سيتوعدونه بأشد أنواع العقاب، لأنه ترك والدته الكبيرة وحيدة، حرمها وجوده وبره وطاعته! أحزن قلبها وأدمع عينها عليه لعنات الله!

السيناريو الثاني:

فيديو ينتشر في وسائل التواصل الاجتماعي لأم كويتية غير معلومة الهوية، صوتها ضعيف ونبرتها متحشرجة تشكو بُعد ابنها الجعدة غير الكويتي الذي خرج من الكويت قبل كورونا وعلق في الخارج، ومع امتداد مدة السفر سقطت إقامته، ولم يتم التجديد له لأن الحكومة الكويتية أوقفت تجديد إقامات الوافدين المنتهية أو إصدار سمات زيارة! تقول إنها مشتاقه إليه وقلبها يتقطع كلما تواصل معها هاتفيا، تبكي كلما سمعت صوته، تود لو يرجع للكويت ليبقى بجانبها، يعتني بها ويبرها في آخر أيامها لكنه لا يستطيع بسبب القوانين التي همشت كيان وأمومة المرأة الكويتية، ولم تضع أدنى اعتبار لانتمائها لهذا البلد ومواطنتها فيه واعتبرت أبناءها وزوجها وافدين بلا أدنى تمييز!

هل تعلمون ماذا ستكون أغلب التعليقات على هذا السيناريو؟

“طبعا ما يصير يدخل لأنه وافد”، “ما أحد قال لها تتزوج غير كويتي”، “خل تروح له ديرته، ليش لازم يدخل الكويت”، “هذا غلطها ولازم تتحمل نتايجه”، “الوافد يلتزم بقوانين البلد ويا غريب كن أديب”، “حكومتنا أبخص”، “ابتلشنا في هالكويتيات كل ساع عيالنا وعيالنا”، “خل تذلف تروح ديرة زوجها”، “ابن الرجل كويتي وابن المرأة وافد وهذا القانون، مو عاجبها خل تطلع من البلد”، “الأبناء يتبعون الأب شنو يبي بالكويت”، “طامع بالكويت وخيراتها ولو كانت دولة فقيرة ما بغاها”.

بين ردود الأفعال المتناقضة على السيناريوين كلمة واحدة فقط (جنس)! فالرجل مهما كانت زوجته تكفل له الدولة انتماءه وذريته لها وبالتالي توفر له كل مقومات الحياة الكريمة والكرامة الإنسانية، أما المرأة فتتلاشى، يُمحى تاريخها الضارب في الكويت، أجدادها، حياتها، عطاؤها وعملها وإنجازها وتفانيها، كله يختفي ما إن ترتبط بغير مواطن، تتساقط الحقوق وتنتفي رغبة وطنها في صون حياتها وكرامتها الإنسانية.

أما الناس، أغلب الناس، فينسون الدين والأخلاق والفطرة الإنسانية السليمة وحقوق الإنسان ومبادئ العدل والمساواة وتتحول المرأة الكويتية أم الكويتي العاق العاصي، إلى أم كويتية لغير كويتي “قلعتها” و”غلطتها” و”تستاهل” و”القانون” و” تذلف” و”تسكت”! حتى معايير الأمومة المقدسة عند هؤلاء تتلون بتغيّر الجنسية، أم الكويتي مظلومة من ابنها، وأم غير الكويتي ظلمت نفسها عندما تزوجت بوافد، ولا رغبة عندهم في تصحيح النهج الظالم أو تعميم حقوق المواطَنة! الابن الكويتي غلطان ومخطئ، والابن غير الكويتي وافد ومن الطبيعي أن يكون خارج الكويت! من الطبيعي أيضا ألا تطالب المواطنة الكويتية بمعاملة خاصة وتمييز لأبنائها، ولا حق لها في بلادها، وخيراتها يجب ألا تصل لنسلها وذريتها!

عندما تتزوج وافداً يجب أن تلحقه لبلده، بلا أدنى اعتبار لأبسط الحقوق المدنية الحديثة، حرية البقاء والاستيطان في بلادها! فلا الدين ولا الأعراف الحديثة ولا الحقوق المدنية تعطي للرجل حقاً في بلاده أكثر من المرأة، ولا تعطي لأبناء الرجل إرثاً في بلاده أكثر من أبناء المرأة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى