لبنان الأرخص.. هل تنشط السياحة في عطلة الأعياد؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
بفعل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، بات لبنان وجهةً سياحيّةً متدنّية الكلفة، إذ يكفي السائح بضع مئات من الدولارات لقضاء أسبوعٍ كامل في بلاد الأرز. هذا الوضع المستجدّ ماليًّا، هل انعكس إيجابًا على القطاع السياحي؟ وهل شكّل دافعًا للسيّاح لقضاء عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة في لبنان؟ ماذا عن حجوزات الفنادق؟
“بكل أسف لا حجوزات في الفنادق لقضاء ليلتَي الميلاد ورأس السنة، ولا مؤشّرات على تحقيق إشغال فندقي خلال فترة الأعياد” هذا ما أكّده رئيس إتحاد المؤسسات السياحيّة ونقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر في حديث لـ “لبنان 24”.
في الأسباب يلفت الأشقر إلى أنّ تدني الفاتورة السياحيّة نتيجة تفلّت سعر صرف الدولار لم يجذب السائح، لأنّ الأسعار ليست وحدها تحدّد وجهة السائح “هناك جملة عوامل جوهرية يحتاجها القطاع السياحي، وهي غير موجودة، يأتي في مقدمها العامل الأمني. حياله أعلن مجلس الدفاع الأعلى في بيانٍ عقب اجتماعه، عن خطر أمني وتخوّف من اغتيالات. هل أخبار لبنان هذه تشجّع المغترب قبل السائح الأجنبي على اختيار بيروت لتمضية فترة الأعياد؟ وهل عائلة لبنانية تقيم في دبي مثلًا ستقصد بلدها للإحتفال بالأعياد في ظلّ التخوف من موجة اغتيالات؟ وهل تقصد على سبيل المثال عائلة أجنبية مدينة بغداد لقضاء عطلة رأس السنة لمجرّد أنّها مدينة رخيصة؟ “.
يضيف الأشقر “التراجع في القطاع السياحي عالمي ولا يقتصر على لبنان، في السياق تتحدّث المنظّمات السياحيّة الدوليّة عن تراجع بلغ نسبة 70% على خلفية جائحة كورونا، وذلك في البلدان التي لا تعاني ضائقة ماليّة، ولا يوجد فيها أزمات أمنية أو سلاح متفلّت أو مصارف تحتجز أموال الناس، فكيف الحال بالنسبة لبلد كلبنان؟ “.
الأزمة المالية في لبنان جعلت من المغتربين اللبنانيين فئةً ميسورة الحال، مقارنة مع المقيمين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. وبالتالي القدرة الشرائية للمغتربين تضاعفت بشكل كبير، ولطالما قصد هؤلاء بلدهم لتمضية الأعياد مع أقاربهم، رغم ذلك لا يعوّل عليهم في الإشغال الفندقي، فهؤلاء وإن قدموا خلال الأعياد، لديهم منازل، وبالتالي لا يرتادون الفنادق. بحسب الأشقر “هناك نسبة 20% من المقتدرين، هم فئة المغتربين الذين يعملون في البلدان الخليجية والأفريقية. بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، بات بإمكانهم إنفاق ما شاؤوا بمبلغ لا يتعدّى الألف دولار، ولكن ليس المال وحده في حساباتهم، وقد باتوا يخشون إقامة حفلات بظلّ مشاهد اقتحام مجموعاتٍ لمطاعم، حاملين شعار “ترتادون المطاعم وهناك من لا يجد ما يأكله”. بالتالي رخص الأسعار وحده لا يكفي، والسياحة بحاجة إلى استقرار سياسي. فضلًا عن تداعيات انكفاء السائح الخليجي، إذ يعلم الكل أنّ العامود الأساسي للسياحة في لبنان هو الخليجي، فكيف سيقصد لبنان بعد سماعه شعارات “الموت لآل سعود”؟. إضافة إلى كلّ تلك العوامل، هناك تدابير وإجراءات بشأن إقامة حفلات وسهرات للوقاية من فيروس كورونا، من شأنها أن تساهم بمزيدٍ من التراجع”.
الأشقر الذي عمل لسنوات طويلة على رأس القطاع السياحي، بصفته رئيس إتحاد المؤسسات السياحية ونقيب الفنادق، وواكب فترات ذهبيّة إزدهر خلالها القطاع، وأخرى خشبيّة أو ربما كرتونية كالفترة الحالية، كما واكب القطاع أبّان الحروب والإضطرابات الأمنية، بدا في حديثه معنا، للمرّة الأولى، كأنّه قد فقد كلّ أملٍ، فالهمّ السياحي الذي يشغل باله مع كلّ موسم، لا وجود له في أجندات أهل الحل والربط، منذ سنوات يحمل مقترحاته الإنقاذية إلى مسؤولي هذا البلد، يأمل بأن تنتهي صراعاتهم لينهض القطاع من كبوته، ثم ما يلبث أن يصطدم بقدرة هؤلاء على التناحر الأبدي، ربما يكون قد سئم الإنتظار وهو يشهد على الإنهيار، لذلك أنهى حديثه عن موسم الأعياد بالقول ” نضيف لكل الأسباب التي ذكرناها سابقًا، الجو الحزين المخيّم على البلد، بحيث وصلنا إلى زمن بتنا نعتذر فيه من أولادنا لأنّنا آمنا بالبلد وبقينا هنا. يسألني ابني لماذا لم تعملوا على تأمين إقامات لنا في بلدان أخرى؟ أجيبه “لم نكن لنتخيل أنّنا سنصل إلى ما وصلنا إليه، حتى بالكابوس لم يكن الأمر واردًا”.
إذن بيروت الفنيقيّة والكنعانيّة والرومانيّة والعربيّة ستفتقد عشّاقها وزوّارها من كلّ الجنسيات ليلتي الميلاد ورأس السنة الجديدة، ولكنّها حتمًا ستلقاهم من جديد، عندما تنهض لتحتل موقعها الحقيقي والطبيعي، عروسة السياحة ولؤلؤة الشرق.
أمّا هؤلاء، فئة المبشّرين بجهنّم وعاشقي الموت ومخربي علاقاتها بأشقّائها، سيرحلون عاجلًا أم آجلًا، حتمًا لن تفتقدهم بيروت، لأنّهم لم ولن يليقوا بها يومَا.