صحيفة : القيادة الفلسطينية تصدر تعليمات تمنع توجيه أي انتقادات للدول العربية المطبعة مع إسرائيل
أكدت مصادر مطلعة، لـصحيفة “العربي الجديد”، أن القيادة الفلسطينية قررت الامتناع عن توجيه أي انتقادات للدول العربية التي تطبّع مع إسرائيل، وأن تعليمات شفهية ومكتوبة وصلت من الرئاسة الفلسطينية إلى منظمة التحرير وحركة “فتح” ووزارة الخارجية بالامتناع عن نقد الدول المطبّعة.
وامتنعت الرئاسة الفلسطينية والإعلام الرسمي الفلسطيني ووزارة الخارجية عن التعقيب على إعلان المغرب، الخميس الماضي، التطبيع مع إسرائيل، تماشياً مع التعليمات الجديدة التي تم إرسالها، من دون أي توضيح، للمستويات القيادية المختلفة. وتفيد المصادر بأن مصدر التعليمات هو مكتب الرئيس محمود عباس وإعلام الرئاسة الذي يشرف عليه عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” والناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، بحيث لا تقتصر هذه التعليمات على التصريحات الصحافية والبيانات، بل تصل إلى كتابة التدوينات والتغريدات على وسائل التواصل الإجتماعي. وقال مسؤول في “فتح”، فضل عدم الكشف عن اسمه لـ”العربي الجديد”: وصلتنا أوامر وتعليمات حديدية بعدم التعليق على تطبيع المغرب، وعدم انتقاد أي دولة عربية قامت بالتطبيع مع إسرائيل. لا نفهم لماذا هذه القرارات، وعلى أي أساس؟ لكنها وصلتنا ونقوم بالتنفيذ. وأضاف “جميع الهيئات القيادية، سواء أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أو اللجنة المركزية لحركة فتح، أو السفراء، وصلتهم تعليمات بعدم انتقاد الدول العربية المطبّعة”.
وفيما يبدو أن لا أحد يعلم ماذا يجري على وجه التحديد لأن مطبخ القرار الفلسطيني الضيق، مقتصر حالياً على ثلاثة أشخاص هم عباس ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج وعضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، إلا أن الحديث الذي يدور في الكواليس حول إصلاح العلاقة مع السعودية والاستجابة لطلبها بعدم توجيه الانتقاد لأي دولة عربية مطبعة. وتفيد المصادر بأن زيارة عباس إلى الأردن ومصر، قبل أيام، كان أحد محاورها التقارب العربي عبر إنهاء حالة الانتقاد الفلسطيني للدول العربية المطبعة، على أن تقوم مصر بتقريب المسافة بين القيادة الفلسطينية وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وأكدت المصادر أن “عباس لا يريد أن يفقد حاضنته العربية، ويصبح مثل الرئيس ياسر عرفات في آخر مرحلة في حياته ليس ذا صلة، كما سمّته الولايات المتحدة وإسرائيل علناً. وكانت الدول العربية تتهامس بذات المصطلح، مثل السعودية ومصر وغيرها، قبل أن يستشهد بالسم في مقر إقامته”. وأضافت: “لا أحد ينسى كيف حجبت القمة العربية صوت ياسر عرفات في اجتماع القمة العربية في بيروت عام 2002، ومنعوه، رغم حصاره في المقاطعة ودبابات الاحتلال على بواباتها، من أن يوصل صوته للعالم لأسباب تقنية، كما قالوا حينها، وتم بث كلمة أبو عمار عبر فضائية الجزيرة”.
وكانت آخر التعليمات التي وصلت إلى حركة “فتح” ومنظمة التحرير ووزارة الخارجية، تتعلق باتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل، حيث التزمت كافة الأطر الرسمية بعدم التعليق على الاتفاق التطبيعي. ورغم أن ثمانية فصائل فلسطينية أدانت الاتفاق، إلا أن “فتح” التزمت بتعليمات الصمت الحديدي، ولم تعلق، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، كما درج عدد من قياداتها على ذلك، منذ أن افتتحت الإمارات عهد الهرولة العربية للتحالف مع إسرائيل في 13 أغسطس/آب الماضي.
وفي ما يتعلق بالمغرب تحديداً، فإن الإعلام الرسمي الفلسطيني تجاوز عدم التعليق على اتفاق التطبيع إلى تجاهل كلي، حتى بما يتعلق بالاتصال الهاتفي الذي أجراه الملك محمد السادس مع عباس، مساء الخميس الماضي، والذي نشره الديوان الملكي المغربي. وحسب بيان الديوان فقد قام الملك محمد السادس بإطلاع عباس على مضمون الاتصال الهاتفي بينه وبين الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب، وأكد فيه الملك “احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وحماية الطابع الإسلامي للمدينة المقدسة وحرمة المسجد الأقصى”. وتجاهلت وكالة الأنباء الرسمية “وفا” الخبر بشكل كامل.
وحسب المعلومات التي رشحت، فإن القيادة الفلسطينية، خلال اجتماعها المصغر، في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مقر الرئاسة الفلسطينية برام الله، خرجت بعدة قرارات، ليس أهمها تقديم تنازلات عبر خطوات لخطب ود الإدارة الأميركية الجديدة، مثل إيصال رسائل مطمئنة بالنسبة لإنهاء ملف الأسرى وتغيير سلم رواتبهم كما تريد إسرائيل، وعدم الحديث عن أي شروط مسبقة للمفاوضات وتحديداً بوقف الاستيطان، فضلاً عن تبريد العلاقة مع إسرائيل، عبر استعادة العلاقات والتنسيق الأمني واستلام عائدات الضرائب كما كانت “العربي الجديد” كشفت في تقرير نهاية أكتوبر. بل إن هذه القرارات تتعلق أيضاً بعدم استعداء السعودية تحديداً، وتوجيه الانتقاد للدول التي تقوم بالتطبيع، والتي تربطها علاقات قوية بالسعودية حفاظاً على بقاء القيادة الحالية وعدم استبدالها. وتم تطبيق القرار المتعلق بالرياض فعلياً بداية أكتوبر، عبر تعميمات شفهية، والتنبيه إلى عدم الرد على أي استفزاز أو تصريحات سعودية، كما يُظهر تعميم من الخارجية الفلسطينية موجه للسفراء بتاريخ 9 أكتوبر الماضي.
وبدأت هذه التعليمات تأخذ طابعاً حديدياً بعدم انتقاد الدول المطبعة بعد 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو تاريخ كشف السلطة الفلسطينية، عبر تغريدة لعضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” حسين الشيخ، المقرب من عباس، عن عودة العلاقات مع إسرائيل، بعد استلام رسالة من ضابط الإدارة المدنية المسؤول عن الضفة الغربية المحتلة كميل أبو ركن. وقد تم في اليوم التالي إعادة السفيرين الفلسطينيين اللذين تم سحبهما من الإمارات والبحرين احتجاجاً على إبرامهما اتفاقيتي التطبيع مع إسرائيل في آب/أغسطس الماضي، ووقعتا رسمياً في البيت الأبيض في سبتمبر/ أيلول الماضي. وتمت إعادة السفيرين دون علم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، حيث علم هؤلاء عن الخطوة من الإعلام، كما سبق وعلموا عن عودة العلاقات مع الاحتلال من تغريدة الشيخ.
وقبل تاريخ 17 نوفمبر، وتحديداً في أكتوبر، كانت هذه التعليمات تأتي على شكل تنبيه ومراجعة لأي قيادي فتحاوي يقوم بانتقاد السعودية، مثل ما حصل مع عضو مركزية “فتح” عباس زكي، الذي صرح لفضائية “الميادين” في 24 أكتوبر، أنه “في حال قامت السعودية بالتطبيع فإنه لن يكون هناك كعبة ولا مسجد نبوي”. وجعل هذا الأمر الرئاسة الفلسطينية تخرج بتصريح عبر الوكالة الرسمية بذات التاريخ، معلنة أن “تصريح زكي لا يُعبر عن الموقف الفلسطيني الرسمي”. وقام زكي، بعد يومين، بشرح تصريحه، قائلاً عبر إذاعة “أجيال المحلية التي تبث من رام الله، إنه “لم يسئ للسعودية، وأنه حريص عليها، وأن بعض القيادات ذوو رؤية صغيرة ويعملون من أجل إرضاء أشخاص آخرين، وأنا عمري 80 عاماً”.
وفي مثال آخر حول مدى رفضها إغضاب الدول العربية المطبعة، أرسلت وزارة الخارجية الفلسطينية كتاباً بتاريخ 17 نوفمبر الماضي إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تطلب فيه حرفياً “استرعاء انتباه جامعة الدول العربية إلى إعلان ترويجي نشرته بالأمس شركة الاتحاد للطيران، الناقل الرسمي لدولة الإمارات، يتضمن صورة ترويجية لما يسمى الهيكل الثاني. يأتي ذلك في ظل الدعوات المتكررة لجماعات يهودية متطرفة محمية من سلطات الاحتلال الإسرائيلي لهدم المسجد الأقصى المبارك بهدف بناء الهيكل المزعوم على أنقاضه”. الخارجية الفلسطينية قدمت استرعاء انتباه لا يرقى لدرجة تقديم شكوى ضد الإمارات. وردت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في 22 نوفمبر على الجانب الفلسطيني بتعميم على الدول العربية مزدحم بالكليشيهات وضرورة تقيد الجميع بقرارات القمم العربية.
وتظهر ردود أفعال القيادة الفلسطينية كيف انتقلت من النقيض إلى النقيض بموقفها من التطبيع العربي. ففي حين اعتبرت اتفاق الإمارات “خيانة للقدس والأقصى والقضية” حسب بيانها في 13 أغسطس، وقول عباس في 18 أغسطس، إن “الاتفاق الثلاثي الإماراتي- الإسرائيلي- الأميركي الذي صدر مؤخراً طعنة في الظهر ونحن نرفضه رفضاً قاطعاً”، فإن الرد على تطبيع السودان كان خالياً من الاتهامات المباشرة، ويقتصر على الرفض والإدانة. وأصبحت القيادة في نوفمبر تعطي تعليمات حديدية بعدم انتقاد الدول المطبعة.
وكشف مصدر رفيع المستوى، لـ”العربي الجديد”، عن قيام عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عن “الجبهة الديمقراطية” تيسير خالد، في 7 نوفمبر، ببعث رسالة إلى أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة جاء فيها “كلفني الأخ الرئيس أبو مازن أن أبلغكم بتوجيهاته لأعضاء اللجنة التنفيذية والقيادة، انطلاقاً من الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا، الالتزام بعدم الإدلاء بأية تصريحات حول الأخبار الصحافية التي تتحدث عن زيارة (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو إلى السعودية واجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي (مايك بومبيو) بولي العهد السعودي محمد بن سلمان لاعتبارات سياسية يقدرها الجميع في هذه الظروف”. وبينما كانت الرسالة محل تندر من أعضاء من “التنفيذية” والاستغراب حول كيف أصبح القيادي في “الديمقراطية” والمعارض في بياناته الصحافية لسياسة عباس قريباً منه لدرجة تكليفه بكتاب من هذا النوع، قال البعض الآخر إن هذه الرسالة كانت أحد الأسباب التي دفعت حنان عشراوي للاستقالة، على اعتبار أن عباس ربما يرى في خالد خياراً مناسباً لأمانة سر المنظمة بعد هذا التكليف. وتتحدث الأوساط السياسية الفلسطينية وراء الكواليس بأن مرحلة سياسية جديدة بدأت بعد 17 نوفمبر، وأنه لا معلومات حول ماذا يترتب عليها، أو ما هي الترتيبات التي سوف تحملها المرحلة المقبلة.