بعد انسحاب ساعر من “الليكود” الانتخابات باتت أسوأ الحلول لنتنياهو وغانتس

النشرة الدولية –

أحدث قرار عضو الكنيست جدعون ساعر الانسحاب من حزب “الليكود” الحاكم، برئاسة بنيامين نتنياهو هزة سياسية في إسرائيل من شأنها قلب قواعد اللعبة في الساحة الحزبية، وقلب الموازين بين اليمين وبين المركز – اليسار، التي بعد ثلاثة انتخابات في أقل من عامين لم تُحسم بين المعسكرين بشكل يضمن تشكيل حكومة واسعة وقوية.

وجاءت استقالة ساعر من حزب “الليكود” والإعلان عن تشكيل حزب جديد في ذروة الأزمة السياسية التي تعيشها إسرائيل، عقب الصراع بين نتنياهو وخصمه في الائتلاف الحكومي بيني غانتس، الذي أدى إلى مصادقة الكنيست في القراءة الأولى بأكثرية على حلّه، ما جعل الانتخابات الرابعة المتوقعة في شهر مارس (آذار) المقبل، أقرب من أي وقت مضى.

لكن تداعيات الاستقالة وتشكيل حزب جديد لم تحسم بعد الصورة حول مستقبل كتلة اليمين من جهة، وإمكانية تشكيل تحالف مستقبلي برئاسة ساعر يشمل ما بين اليمين واليسار والمركز، ويجعل تشكيل أية حكومة مستقبلية ذات قدرة على الاستمرار، من جهة أخرى.

لكن الأمر البارز اليوم هو أن الاتهامات والتحريض بين نتنياهو وغانتس حول تدهور الأوضاع في إسرائيل، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ستتوقف وسيبحث الاثنان في إيجاد حلول فورية وعملية تضمن عدم حل الحكومة والتوجه إلى انتخابات رابعة، لأن ساعر، وبعد ساعات قليلة من إعلان استقالته، ظهر وفق استطلاعات الرأي، الشخص الذي سيهزم الاثنين في تشكيل ائتلاف إسرائيلي واسع.

وحصد ساعر في أول استطلاع له 17 مقعداً بمعظمها من حزب “الليكود”، ما سيجعله الحزب الثالث في قوته. ونجح في جلب عضوَي الكنيست تسفيكا هاوزر وبوعاز هندل، اللذين أعلنا انضمامهما إلى الحزب الجديد الذي ينوي تشكيله. ورأى الاثنان أن الوضع الذي آلت إليه إسرائيل لم يعد يحتمل الاستمرار من دون بديل يميني لرئيس الحكومة.

وعلم عن شخصيات يمينية أخرى وأعضاء كنيست نيّتهم الانضمام إلى الحزب الذي سيشكّله ساعر.

النتيجة التي حصدها ساعر في أول استطلاع رأي حول تأييده في الانتخابات، يعكس الوضعية المعقدة التي تعيشها إسرائيل وخيبة أمل الناخبين من أكبر الحزبين “الليكود” و”أزرق – أبيض”. فالخلافات بين زعيمي الحزبين في وقت تواجه تل أبيب أصعب فترة اقتصادية وصحية وأمنية في تاريخها، جعل البعض يتراجع حتى عن القيم السياسية والحزبية، ويندفع نحو الحلول التي تضمن حالة استقرار سياسي.

فالصورة الأولية تشير إلى أن تشكيل ساعر لحزب جديد يزيد من إمكانية تأليف حكومة من دون “الليكود”. ووفق الحسابات الإسرائيلية، يمكن تشكيل الحكومة المستقبلية من حزبين يمينيين وحزبين يساريين، بمجموع 61 مقعداً، وهذا متوقع جداً، وفق استطلاعات الرأي كافة، التي تلفت إلى أن نسبة غير قليلة من ناخبي الليكود عبّروا عن عدم ثقتهم بنتنياهو وهناك من قالوا إنهم ملّوا منه وسيبذلون جهداً كبيراً في حال إجراء انتخابات برلمانية قريبة لإحداث “الانقلاب”.

وفي هذه الأثناء، يلمع بالأفق اسم رئيس أركان الجيش السابق غادي إيزنكوت، الذي سبق وأعلن إمكانية تشكيل حزب برئاسته ومعه موشيه يعالون، لكن إيزنكوت لم يطلق أي تصريح إعلامي حول الموضوع والتزم الصمت، ما يدفع جهات حزبية إلى تصوّر أنه “المرشح الذي قد يقلب الخريطة الحزبية في إسرائيل”.

أما صاحب المبادرة لحلّ الكنيست، زعيم المعارضة رئيس حزب “يوجد مستقبل” يائير لبيد، الذي اعتبر المصادقة الأولى على اقتراح حل الكنيست ضمانة شعبية له، يبدو بعد ظهور ساعر غير هادئ. فتشكيل حزب يميني برئاسة ساعر من دون “الليكود” هو عملياً تقوية أكبر لليمين. ويرى لبيد أن المعركة باتت داخل معسكر اليمين، بينما سيبقى معسكر لبيد وخصوم اليمين جانباً.

هذا الوضع يُدخل إلى الصراع الحزبي موشيه يعالون، الذي لم يكُن على علاقة طيبة مع رئيس حزب “يوجد مستقبل” خلال الفترة الأخيرة، وهناك من يتوقع أن يترك يعالون لبيد ويعود إلى أصوله اليمينية، فإذا لم ينضم إلى حزب ساعر سيجد في حزب يميني آخر مكاناً له.

وهناك من يرى أن الهزة التي أحدثها إعلان ساعر أدخلت بعض الأوهام حول مدى إمكانيته إجراء تغيير. وهو صاحب المواقف السياسية العامة الأقرب لنتنياهو، فهو رجل يميني متجذر، خريج شبيبة “هتحيا”، ومؤيد صريح لضمّ المناطق.

لكن في مقابل هذا، هناك من يعتبر ممن ينتمون إلى معسكر اليمين أو معسكر اليسار، أنه مهما كانت من صفات يمينية له، ففي ظل الدينامية الجماعية التي ترفع الطائفة الدينية أكثر مما ترفع الحزب، هناك حاجة للشجاعة من أجل النهوض واتخاذ الخطوة السياسية التي اتخذها ساعر.

“لا حاجة لأن نؤيد مواقف ساعر من أجل أن نقدّر حقيقة أنه أخيراً وُجد رجل ليكود كبير، تجرّأ على تحطيم الصمت وقول الحقيقة عما يجري في الليكود وفي إسرائيل”، قال بعض داعمي خطوته الذين يرون أنها تكشف عن البؤس والطاعة والتملق لأولئك الذين بقوا مع نتنياهو وتمسكوا به”.

وفي ظل الخطر الذي يشكله ساعر على مستقبل وشعبية نتنياهو وغانتس، من المتوقع أن يعمل الاثنان على منع انتخابات جديدة، والسعي للتفاهم من جديد حول أولى خطوات التسوية بالنسبة إلى الموازنة. فإذا تم التوصل إلى حل وسطي بينهما، يخرج غانتس راضياً، وسيتراجع هو وحزبه عن اقتراح دعم حل الكنيست الذي سيعرض للتصويت في القراءتين الثانية والثالثة.

احتمال آخر أن يتفق الاثنان على تنفيذ التناوب على رئاسة الحكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، الذي أقرّاه عند توقيع اتفاقية الائتلاف وتراجع عنها نتنياهو. والمرجح أن يتفاهما على أن يتولّى غانتس رئاسة الحكومة “لمدة سنة ونصف السنة، وفي نهايتها يعود نتنياهو إلى رئاسة الحكومة لنصف سنة. والأخير سيفضل ذلك على انتخابات رابعة، بحيث سيضمن نفسه مع 61 عضو كنيست مرة أخرى، حتى نهاية الدورة.

اضطرار نتنياهو وغانتس إلى التوصل لتسوية هو إنقاذ لوضعهما، فقد جاءت خطوة ساعر في وقت تمر إسرائيل بحالة فوضى عارمة. ولا يختلف اثنان على أن فشل الحكومة في مواجهة كورونا وتدهور الأوضاع الاقتصادية، سببهما الصراع الداخلي والأزمة التي تعيشها، وهو أمر ينعكس بشكل واضح في القرارات التي تتخذ في كيفية التعامل مع حالة الطوارئ الصحية.

في كافة الأحوال، يعيش المواطن الإسرائيلي أقسى الفترات التي تشهدها البلاد منذ عشرات السنوات، من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الأمنية، في أعقاب التهديدات الإيرانية التي أدخلتها بحالة طوارئ أمنية على المستويات كافة وأعلى الدرجات.

استطلاعات الرأي التي أجريت قبل إعلان ساعر، تشير إلى أن ناخبي اليمين فقدوا الثقة بنتنياهو وعدداً كبيراً منهم سينسحب من “الليكود”، البعض سيبقى في الكتلة اليمينية، وهناك من ينتظر بارقة أمل في احتمالات التغيير، في حال تم تشكيل حزب جديد أو أعلنت ائتلافات جديدة تطيح بنتنياهو.

وفي آخر إحصاء أجري لصالح صحيفة “مكور ريشون” اليمينية، جاء أن الخريطة السياسية، “أشبه بتيار صحراوي بعد فيضان شتوي خطير. لقد تم محو المسارات والطرقات المعروفة، واختفت العلامات القديمة، ومن المرجح أن يضيع كل من يحاول العبور من خلالها”، هكذا لخّص معدو الاستطلاع.

واللافت في المحصلة أن 52 في المئة من ناخبي المركز يعتقدون، وللمرة الأولى، أن هناك حاجة لإقامة حزب يميني آخر في إسرائيل.

وأمام هذه النتائج والتوقعات بتدهور شعبية غانتس ونتنياهو، اتجه الاثنان إلى مسارات متشعبة وبعضها لافت للنظر.

الخطوات الأكثر تطرفاً بدأها غانتس وحزبه، حين أعلن مسؤولون في الحزب أنه تتم مناقشة إمكانية التراجع عن صيغة قانون المساواة وإجراء تعديلات عليه تمنع الاعتراف بالحقوق القومية لفلسطينيي 48.

ووفق ما جاء في القانون، فهو يؤكد على العلاقة بين دولة إسرائيل والغالبية اليهودية، بصورة اعتُبر فيها بأنه يفضّل مجموعة واحدة من المواطنين على الأخرى”، علماً أن الحق في المساواة غير مشمول بصورة صريحة في قانون الأساس: كرامة الإنسان وحريته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button