شعر سعد ياسين يوسف يتجلى في جذوع النخل… يبعث في روحه الأمل والسعادة
النشرة الدولية –
كيف يغوص الشاعر الحصيف والمتنور في عتمة هذه الحياة، وهو يترصدها عن قرب ويتبحّر فيها حتى يقول كلمته بشأنها وأقصد بذلك ” الحياة” التي يعيشها وهي محملة بالأحزان الكثيرة والمعاناة التي لا تنتهي التي تحاول أن تشل حركة الحياة، فالشاعر وهو يبعث في روحه الأمل والسعادة رغم قساوتها محاولاً وضع بصماته المدفونة في أسفل روحه وهو بذلك يؤكد قدرته بكل ما أوتي َمن خيال ليذهب إلى الأشجار وكل ما يحيطها من خضرة ليستصرخ هذا الكون الذي شيده الخالق عبر منظومة منسجمة ومتفاعلة ليريك أيها المخلوق الضعيف قدرته العجيبة.
“سوى ….
تكسيرِ ما تبقّى
من أغصان ِلوعتِنا الَّتي يَبُست ْ
لِيُشعلوا النّيرانَ
تحتَ قدورِ ضجرِهم” (ص27).
وهذه التأملات التي انطلق منها الشاعر والأكاديمي سعد ياسين يوسف ليؤسس لروح قصيدته المختلفة عن الكثير من الشعراء الذين عاصروه أو من الذين سبقوه – على الرغم من التغيير الذي طرأ على الحياة الاجتماعية والثقافية – وعلى الرغم من الإبداعات الشعرية الكبيرة التي تحققت قبله أو بعده:
“أحلامُنا البسيطة ُ
الَّتي تراودُ أصابعَ الكفِّ
هي كأسُنا الفارغةُ المرفوعةُ
إلى السَّماء” (ص27).
إن في هذا ما يؤكد الضرورة التي تدعونا إلى أن نطرح من جديد الأسئلة الأساسية في التمسك من قبل الشاعر بهذه الأشجار التي هي مصدر عناء الشاعر وتعبه، وهل اكتشف أنين الأشجار عندما تمر بمعضلة؟ وهنا أذكر للبعض من الباحثين الفرنسيين أنّهم اكتشفوا سبب ظاهرة أنين الأشجار عندما تعطش، تماما كغصن الشجرة الذي يخرج عن الشجرة، أم هي خضرته وروحه الباسقة إزاء هذه الحياة وما يحيطها من منغصات في هذا العصر، أو فيما يتصل بينه وبين هذه الأشجار من محبة وتسامح، باعتبارها رمزاً للخضرة التي هي إخضرار الروح.
وهيَ تتفقدُ كلَّ يوم ٍ
سِلالَ زهورِها البيضاء
المحدّقةِ في شجرة ِالسَّماء ِ
على امتدادِ خيطِ الدّخانِ
وكلَّما آلتْ إلى الذبول ِ….” (ص7).
وبوصفه حدساً ودلالة وتعبيراً، أي بوصفه نظاماً فنيا ًونظاماً للمعنى، عمل الشاعر بكلِّ قصائده المنشورة في هذا الديوان – الصادر من دار نشر أمل الجديدة – سوريا ويقع في (123) صفحة من القطع المتوسط – إلى تأكيد وتأصيل هذه الخصلة التي يرمز إليها عبر مفرداته التي تسعى لترك الأثر في النفس البشرية، وكما يقال إن للكلمة في النفس فعل الجرح في الجسد.
هكذا يدخلك في عالمه الذي انطلق منه ليؤكد خصوصيته التي أراد منها أن تؤثر في النفس مدركاً أن أهمية الكلمة بمدى تأثيرها وقوتها. والشاعر الدكتور يوسف قد جمع الإبداع المنهجي الأكاديمي، والإبداع التأملي المتعلق بمفرداته وصوره الشعرية ذات الدلالات العميقة من حيث الصورة والفكرة.
تكسيرِ ما تبقّى من أغصان ِلوعتِنا الَّتي يَبُست ْ
“مذْ سُرقتْ …
يَدُ الله ِ
تساقطتِ الناسُ والحجارة ُ
وارتفعتْ مع الدّخان ِ
والشجرة اسم مفردة مؤنث “الجمع: شجر ” ويجمع جمع قلة على “شجرات” وجمع كثرة على “أشجار” وبالتالي فهو نبات قائم على ساق صلبة. والشجرة هي شجرة الحياة التي انطلق منها الشاعر ليؤكد لنا عبر مسيرته الشعرية أن الشجر يتخاصم كما هو الإنسان، لأن الناس تتدافع وتتنحى وتتمنع. يقول عنه الناقد فاضل ثامر: “إنَّ الرمز الذي اعتمده الشاعر كان مصدراً لتأويلات متعددة وإنَّ الأشجار عند الشاعر سعد ياسين يوسف هي (الطوطم) ومن خلال انتماء الشاعر لفضاء الطبيعة وأنسنتها استطاع أن يخلق منها كيانا إنسانيا لتصبح رمزا (آخر) حينما يقيم حواراً مع افتراضي آخر هو الشجرة الذي قد يكون قرينا له أو الوجه الآخر.”
إنَّ رمز الشجرة وفي لحظة ما يتحول لدى الشاعر إلى قناع، مشيراً إلى وجود مجال لاشتغالات نقدية كثيرة في بنية الصورة والاستعارة.
فثيمة الشجرة التي بنى الشاعر أكثر نصوصه عليها، هي رمز العطاء ورمز الزينة مانحاً حروفه من خلالها لوناً أخضر زاهيا، لكنه هنا في مجموعته هذه يجلس إلى الأشجار محاوراً، باثاً لواعج عواطفه، باحثا عن سر رفيفها وهي تركض في عراء الأسئلة. وهو يخوض تجربته الشعرية التي بناها ضمن هذه الفلسفة التي شكلها عبر جهد جهيد ليتوصل إلى أن الشجرة كائن حي، كائن شعري يتمثل الشعر فيه تمثلا وجوديا، بإعتبار الشعر غريزة أو لنقل فطرة أو معجزة أو إعجاز كما تقول المصادر.
“نسمعُ وَشوَشةَ النُّسغِ الصَّاعد ِ
“صوبَ الشمسِ كرفيفِ الأوراقِ
بحفلِ المطر ِ..
ننزع ُعن كتَفَي شارعِنا
ثوبَ بكاءِ الأوراقِ المتساقطةِ” (ص121).
بقى أن نذكر أن الشاعر له عدة مجاميع شعرية نذكر منها “قصائد حب للأميرة” صدرت عام 1994، “شجر بعمر الأرض” صدرت له عام 2002 عن دار الشؤون الثقافية في بغداد، مجموعة “شجرة الأنبياء” عام 2012 ، مجموعة “أشجار خريف موحش” عام 2013 ، مجموعة “الأشجار لا تغادر أعشاشها” عام 2116، حاصل على عشرات الشهادات والدروع والأوسمة والجوائز والتكريمات.