وجهة «نهر»* نوف قيس

النشرة الدولية –

«يصب النهر في مصب واحد ولو أتى من عدة رؤوس، النهر له وجهة وأحيانا التيار أو المسار الذي يأخذه يبدو قويا جارفا لا تستطيع إيقافه، وكلما حاولت أن تسير عكس اتجاهاته تبوء كل تلك المحاولات بالفشل، لذا يجب عليك أن تساير الجرف أينما تقذفك نهايته».

في عدة دراسات، التيارات النهرية القوية، عادة ما تُصنف أنها تعتبر تهديدا للحياة مع فرص ضئيلة أو معدومة للإنقاذ، لذا فإن أغلب التوصيات في رحلات الزوارق الصغيرة يجب أن يكون منسوب النهر حينها هادئا نوعا ما، ففي المقابل حوادث الأنهار والتيارات العنيفة لا تقل عن حوادث المرور كمّاً وعدداً.. لذا العبرة بوقت الإبحار وليس النهر ذاته.

فيأتيك أشخاص يرفعون شعارات تهدم كل ذرة من صمود ومواجهة وقوة كما لو أن الحياة نهر جارف وأنت المعدم الذي لا حيلة له دون أن يرموا في مسامعك شيئا عن العزم والإرادة والتوكل.

الأمثلة على ذلك جمّة لا تقتصر على النهر، كن عتيا كالرياح أو مشرقا متفائلا كطلوع الشمس، عصيّا على الانحناء كالأشجار ولينا من طين، كن نبعا صغيرا وتارة أخرى بحرا لا ينضب، جسورا كأسد أو سريعا كغزال، كن غيمة، كن كل شيء إلا أن تكون بشريا.

صدقوني حاولت أن أجد تطبيقا حيّا من الحياة لنستفيد من وجهة النهر السابقة فلم أستطع، لم أتمكن من تمثيل أشخاص ينطبق عليهم هذا الانجراف والانصياع لمجرى النهر بلا محاولات عبثية للحياة، الروح عزيزة ومن تجرفه الأنهار سيناضل حتى الرمق الأخير ولو كان يعلم في قرارة نفسه بأنه لا جدوى من ذلك، ربما بمحض مصادفة يقودها القدر إليه سينجو أو سيلقى حتفه.

ما قصدته أننا ننساق وراء شعارات تشبه الحياة بالنهر، والعاطفة بالأشجار، نربط الطبيعة الأم بطبيعتنا وبشريتنا وتجاربنا ونقيسها بنفس الميزان كي تصبح النتيجة المتاحة حتمية واحدة على جميع البشرية، نضرب بالإرادة والظروف والمكتوب والقدر والأخطاء والزلات والاختلافات ضرب الحائط.

في الحقيقة لم يسبق لنا أن صارعنا النهر لنعرف إلى ما سيقوده في النهاية ولا المصير المنتظر إلا عن طريق سماعنا أو قراءتنا عن بطل خارق تمكن من ذلك أو من خلال رواية أو فيلم، قصص رائعة فعلا وتمنحنا كمّا من الطاقة والأمل نحتاجه بين حين وآخر لكن ذلك لا ينطبق على الجميع، ففي الحياة وصراعاتها لا نستطيع أن نجد حلولها وسياقها بـ «وجهة نهر»، هناك طرق أكثر واقعية تأتي على مقاس طاقتنا وقدرتنا برغبتنا بتحسين الوضع للأفضل ثم الأفضل فالأفضل، مارس هذه الحياة وفق إمكانياتك وقدراتك ووفق أهدافك بقوتك الممنوحة لك ككائن بشري ذي قدرات وطاقات طبيعية لا تفوق التصور وبنفس الوقت لا تعدم.

لا تطلب من اليائسين إما أن يكونوا أقوياء فجأة أو الاستسلام التام، الأمل في أرواحهم لا يبث بهذه الطريقة، فالعواقب عليهم ستكون وخيمة وقد تزيد من حالهم سوءا، تخيل أن يعتاد أحدهم على طرق عنيفة ليصل إلى مبتغاه تحت راية البقاء للأقوى كما في قانون الغاب، تخيل ألا يتحرك شخص ما من مكانه قيد أنملة مستسلماً للحياة بما فيها كشجرة غرست جذورها بالأرض ولا تستطيع انتزاع نفسها، وتخيل اليأس الذي يصيب شخصا ما صارع الحياة طولا بعرض ولم يصل إثر مقولة هشة اختارها سبيلا للعيش.

غالبا ما تفشل فكرة إيصال وجهة النظر حين نربطها بوجهة نهر، وأنت لست أسدا ولا شجرة أيضا.. أنت بشر.

نقلا عن “الأنباء” الكويتية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى