السنة الجديدة بين صانعي الكوارث وخدمات “المنجّمين”* فارس خشّان
النشرة الدولية –
لم يكن العام 2020 الذي لفظ أنفاسه الأخيرة، يوم أمس سوى الإبن الشرعي للعام 2019.
صحيح أنّه في هذا العام الذي تلعنه الغالبية الكاسحة من سكان الأرض، تفشّت جائحة كورونا، ولكنّ الأصح أنّ هذا الفيروس هو من مواليد الصين في العام 2019، حيث نما وترعرع وتمكّن وانتشر، في ظل “قانون الصمت” الذي فرضه هذا النظام التسلّطي على الجميع، بالترهيب والاعتقال.
لو أنّ القيادة الصينية تعاطت بما يفترض من وعي ومسؤولية وشفافية مع العوارض الأولى لهذا الفيروس، لكانت البشرية جمعاء قد تجنّبت ما تكبّدته وتتكبده من مآس وويلات، ستمتد نتائجها السيّئة على السنوات المقبلة، تتقدمها السنة التي احتفلنا بقدومها.
وهذا يعني أنّ الإنسانية عانت من مأساة كان يمكن تجنّبها، ككثير من المآسي التي حلّت عليها، لو أنّ المسؤول ينصت لصوت العلم والعقل والواجب ويلتزم بالقواعد السليمة.
لن أعود الى قراءة ونستون تشرشل الشهيرة عن الموجبات التي كان على المسؤولين تنفيذها لتجنيب البشرية، بأسهل ما يمكن وبأقل كلفة، ويلات الحرب العالمية الثانية، فأدولف هتلر لم يكن، في ما ذهب إليه، إلا “الإبن الشرعي” لتخلّي قادة أوروبا في حينه عن التزاماتهم، بداعي…”سلميتهم”.
ولن أتوقف طويلاً عند انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الماضي الذي لم يكن ممكناً أن يحصد ما حصده من ضحايا وأنتجه من كوارث، لو أنّ المسؤولين الأمنيين والإدارييين والقضائيين والسياسيين اللبنانيين، لم يكونوا أكثر من دمى تجمّدها الرهبة من أن يكون “حزب الله” هو المالك المستتر لمادة “نيترات الأمونيوم” الخطرة.
ولن أتعمّق كثيراً في ما كان السوريون قد تجنّبوه من أهوال القتل والمجازر والنزوح واللجوء، لو أنّ المجتمع الدولي تحرّك سريعاً لمواجهة نظام بشّار الأسد الذي لا يملك سوى لغة القمع للتفاهم مع كل من يقف في وجهه.
ولن أخوض غمار النقاش في ما كان يمكن أن تكون عليه اليوم احتياطات مصرف لبنان، لو أنّ رياض سلامة، بدل أن يحنّط عينيه ليُبقيها شاخصة الى كرسي رئاسة الجمهورية، ضرب يده على الطاولة، وقال للسياسيين إنّ الأموال التي يؤتمن عليها لن يصرفها لإنقاذ طبقة حاكمة فاشلة وفاسدة ومهترئة، ولا لخدمة ميليشيا تتسبّب بكوارث وطنية، بسبب خضوعها لأجندة “الحرس الثوري الإيراني”.
ولن أجول طويلاً، في توقع ما كان يمكن أن يكون عليه حال لبنان اليوم، لو أنّ رئيسي حزبي “المستقبل” و”القوات اللبنانية” سعد الحريري وسمير جعجع، لم ينجبا، تحت وابل من الحجج، ميشال عون، مرشح “حزب الله” الأوحد، رئيساً للجمهورية اللبنانية.
والأمثلة كثيرة عمّا تنتجه الأيام من مآس للأيام المقبلة.
ولأنّ المراجعة الواجبة للأسباب الحقيقية التي تنتج الكوارث، لم تعد من صفات السياسيين، فإنّ استشراف المستقبل بات متروكاً للعرّافين والمنجّمين والمراهنين و…قارئات الفنجان.
ثمّة من يريد أن يقنع مواطنيه بأنّ ما يصيبهم هو من أفعال القدر أو تموضع الكواكب، وليس نتاجاً تلقائياً لقرارات بشرية خاطئة أو متأخّرة، لأنّه بذلك يضمن التفلّت من المساءلة.
إنّ الشعوب التي تخلّد زعيماً متخلّية عن ضرورة تداول السلطة، وتدافع عنه على حساب مصالحها، وتنسب إليه صفات مقدّسة متجاوزة أفعاله المدنّسة، هي الشعوب التي تسحرها الخرافات وتصدّق النبوءات وتنتظر الفرج من الله، كما لو كان خادماً لرفاهيتها.
في حين أنّ الشعوب التي تقدّمت هي التي تعاملت مع الخرافة كخرافة، ومع “التنجيم” كتسلية، ومع المسؤول كبشري يكافأ أو يعاقب، بالإستناد الى أعماله ونتائجها.
ثمة حاجة إلى إعادة الأمور الى نصابها، فالتمنيات تعبّر عن حسن النيات ولكنّها لا تنتج مفاعيل إيجابية. حين تتمنّى للجائع أن يشبع، عليك إمّا أن تمنحه خبزاً أو تجد له عملاً. حين تتمنّى لابنك النجاح، عليك أن ترشده الى طريق الاجتهاد.
حين تتمنّى لشعب أن يتنعّم عليك أن تساعده على المساءلة. حين تتمنّى لمسؤول دوام الحال، عليك أن تجبره على احترام تعهّداته. حين تتمنّى لشخص أن يجد “نصفه الآخر”، عليك أن تسمح له بمعاشرة الناس.
ولأنّ لكل فعل نتائجه، فإنّ الدول الفاشلة، ليست ضحية القدر، بل هي ضحية مسؤولين مثل المسؤولين اللبنانيين، وطغاة مثل بشّار الأسد، ومستبدين مثل ملالي إيران، وموهومين مثل حكام فنزويلا، وقس على ذلك.
والشعب الذي يسكت عن أمثال هؤلاء يدفع الثمن غالياً.
من يرِد أن يكون العام الجديد مليئاً بما تحمله التمنيات من إيجابيات، فعليه أن يبدأ بتمهيد البنية اللازمة، وفق معادلة فولتير، في نهاية رواية “كانديد” الباحث عن الثروة والسعادة، حيث قال لبانغلوس الذي أسهب في حديثه الفلسفي المتفائل:” كل هذا الكلام جميل، ولكن لدينا حقل يجب أن نزرعه”.