لقاء تشكيلي بيروتي لـ”الأصحاب أولا”… محترف فني يجمع ثلاثة تشكيليين لرسم معاناة اللبنانيين

النشرة الدولية –

العرب – ميموزا العراوي –

نادرة هي الشراكات والإقامات التي تجمع فنانين من نفس النمط طواعية، ونادرون هم التشكيليون الذين يطوّعون أزمات بلدانهم لمزيد من الإنتاج الجمعي، مهما كانت الظروف، فيتركون غيرتهم من نجاحات الآخر جانبا ليشاركوا في منافسات يحددها عاملا الزمان والمكان وتضعهم في علاقة مباشرة مع بعضهم ومع المكان ومحيطه وزواره.

يقع مُحترف الفنانة التشكيلية اللبنانية لوما رباح ضمن المنطقة الأكثر تضررا من انفجار مرفأ بيروت الكارثي الذي وقع في 4 أغسطس الفائت، أي على مقربة من وسط بيروت حيث كانت تجري أكبر تظاهرات ثورة 17 أكتوبر.

أعادت الفنانة توضيب أمورها ولمّ شتات صالتها الفنية المتضررة من الحادثة لكي تستضيف تجربة فنية خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الفائتين اختتمتها بمعرض فني مفتوح.

وفي محترف مطل على شارع لبنان في وسط بيروت وله واجهة زجاجية مضيئة وتُعرض فيه أعمال فنية تم الاشتغال عليها داخله، أقامت الفنانة التشكيلية اللبنانية ورشة عمل فنية جديدة لأول مرة بعد انتشار وباء كوفيد – 19 وانقضاء أكثر من ثلاثة أشهر على انفجار بيروت. التقى في هذا المحترف ثلاثة فنانين تشكيليين.

هذه التجربة ليست بجديدة بل تستكمل فيها الفنانة لوما رباح رؤيتها  للتعاضد الفني ومواجهة الأزمات مع الفنانين التشكيليين، الفنان اللبناني/السوري سمعان خوام والفنان اللبناني فادي شماعة.

هم “أصحاب أولا”، فالصداقة هي من جمعتهم داخل المحترف الفني قبل أن تجمعهم التجربة التنافسية.

ااا

وعند بداية شهر ديسمبر توّلى هؤلاء الفنانون الثلاثة فتح أبواب الصالة للزوار مع  توفير إمكانية اقتناء الأعمال الفنية التي نتجت عن هذا المشغل بأسعار موضوعة بمنطق شعبوي يعتبر أن الفن هو ملك للجميع ويستطيع أن يدفع ثمنه ليس فقط كل ثري ومُقتدر.

ولا يعتبر هذا الحدث الأول من نوعه في محترف الفنانة الخاص وليست هي المرة الأولى التي يلتقي فيها هؤلاء الأصحاب تحت شعار وعنوان مختلفين. وباختصار شديد يجب ذكر أن هذه المبادرة هي الثالثة من نوعها. المبادرات السابقة كانت منسجمة مع أفكار الانتفاضة اللبنانية حتى قبل أن تنطلق شرارتها الأولى في 17 أكتوبر.

في المرة الأولى، التقى هؤلاء الثلاثة تحت عنوان “النوم مع العدو”، والعداوات كثيرة في الأوساط الفنية، وما ينبّه إليه العنوان هو قبول فنانين تشكيليين التجاور جسديا أثناء العمل الفني بعيدا عن “كيد” المنافسة والغيرة التي قد تصيب أي مبدع من الفنان الآخر.

وهي أحوال حضرت منذ أن ولد الفن وأدى إلى تشكل عدوات كبيرة تبخيسا لأعمال فنانين آخرين لا بل تخوينهم واتهامهم بسرقة الأفكار والأساليب الفنية المُتبعة.

أما المبادرة الثانية فجاءت السنة السابقة لحمل عنوان إضافي لـ”النوم مع العدو” وهو “ممنوع التهذيب”، وكان مستوحى من الثورة اللبنانية على خلفية عمليات القمع التي طالت المتظاهرين واللبنانيين الذين احتجوا في الشوارع وصولا إلى أدنى تفاصيل الاعتراض من قبيل منع الألفاظ المشينة التي وجهها الشعب إلى الطبقة الحاكمة.

هؤلاء الفنانون الثلاثة، أو لنقل الفرسان الثلاثة، أي “لوما وسمعان وفادي” الذين تجمعهم العصامية، وقد لقنوا أنفسهم بأنفسهم أصول الفن قبل وخلال انخراطهم في الساحة الثقافية والعمل الفني، لم يقبلوا بأن يكونوا ضمن منطق هذه “العداوة” التاريخية بين الفنانين عندما أرادوا أن يكونوا سويا في مكان واحد وعلى مرأى من بعضهم البعض لينشغل كل منهم على منجزه الفني الخاص الذي يختلف بشكل كبير جدا عن عمل الفنان الآخر. والتقوا اليوم تحت عنوان مضاد بشكل كامل للعدواة وهو “الأصحاب أولا”.

بببب

في حديث مع الفنانة رباح حول هذه الدورة الجديدة من المشغل الفني أخبرتنا بأن الفكرة جاءت بعد أن غرق كل واحد منهم، بجو من الكآبة والشلل في العمل الفني تحت تأثير سلسة المصائب المتوالية التي وقعت على لبنان وآخرها انفجار بيروت، وإثر ذلك قرروا أن يشجعوا بعضهم البعض ويرسموا سويا في ذات المحترف وطوال نفس المدة الزمنية.

وتضيف رباح حول المعرض الذي أقيم بعد انتهاء مدة الشهرين من العمل، أن العديد من الزوار حضروا بعد أن عرفوا بالمعرض، كما  دخل إلى المحترف / المعرض العديد من الزوار العاديين بعد أن لفتت نظرهم الأعمال المعروضة وتمكن الفنانون الثلاثة من بيع العديد من اللوحات التشكيلية بأسعار مقبولة جدا خاصة وسط أزمة اقتصادية خانقة وقبيل فترة أعياد سُلب منها طعم الفرح.

وبغض النظر عن الأعمال التشكيلية التي نتجت عن هذا المشغل، يجب القول إن هذه البقعة الضوئية الملونة المطلة على شارع لبنان بكل ما يعج فيها من عمل فني وعروض ولقاءات مع المهتمين وسط عتمة كئيبة، شكلت بحد ذاتها عملا فنيا نابضا بحياة لن تسلب منه مهما تراكمت الأزمات.

يُذكر أن سمعان خوام هو فنان متعدد المواهب، فإلى جانب كونه مارس التمثيل، هو شاعر ونحات ورسام غرافيتي وفنان تشكيلي أقام معارض فردية وشارك في ورشات عمل داخل لبنان وخارجه. كما شارك في معارض مختلفة للفنون التشكيلية والتصميم الغرافيكي وعبّر من خلالها عن آرائه المتعلقة بقيم وقضايا إنسانية مصيرية كالحرب والسلم والبيئة والاضطهاد وحرية الرأي وغيره.

أما الفنان فادي الشمعة فهو من مواليد بيروت في العام 1960 ويتلاقى مع الفنان سمعان خوام في كونه فنانا تعتمل في نفسه أسئلة وجودية ومواقف تجاه الهوية وغيرها من المسائل التي تمسّ الإنسان العربي بشكل خاص.

أما الفنانة لوما رباح، صاحبة هذه المبادرة الفنية، فيتميز أسلوبها التشكيلي، بالزخم اللوني وبحس الحياة الذي لا يستكين، بغض النظر عن المواضيع التي تطرقت إليها إن كان موضوع الانتفاضة اللبنانية أو الطبيعة أو القيم والمبادئ وغيرها من المواضيع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى