منصورة عزالدين: الرحالة العرب القدامى تركوا تراثًا ثمينًا

النشرة الدولية –

ميدل آيست أون لاين –

عن كيفية استقبالها لخبر فوز كتابها “خطوات في شنغهاي – في معنى المسافة بين القاهرة وبكين” بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في دورتها التاسعة عشرة في فرع (الرحلة المعاصرة) قالت الكاتبة المصرية منصورة عزالدين: سعدت جدًا بهذا الخبر خاصة وأنه جاء في نهاية عام صعب، قضيت معظمه في حجر ذاتي.

وأضافت بأن من أسباب سعادتها أيضًا أن الجائزة تخص أدب الرحلة، وليس الكتابة الإبداعية التي سبق أن نالت فيها أكثر من جائزة، وأنها تحمل اسم رحالة عظيم هو ابن بطوطة، وهي من محبي سِفره المهم “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، وهي تعود إليه دوريًا.

وعن قصة كتابها الفائز في هذه الدورة، ولماذا شنغهاي دون غيرها من المدن الصينية، تقول منصورة: في 2018 تلقيت دعوة من اتحاد كتّاب شنغهاي والمركز الثقافي الصيني بالقاهرة لقضاء شهرين في تلك المدينة ضمن برنامج إقامة أدبية سنوي يشارك فيه أدباء من مختلف أنحاء العالم، ولأنني من المهتمين بالثقافة الصينية القديمة، قبلت الدعوة. وكانت تلك الفترة مثمرة جدًا على مستوى الكتابة، إذ أنجزت فيها روايتي “بساتين البصرة”، وكنت أدوِّن مشاهداتي عن المدينة وتفاصيل إقامتي هناك وتفاعلي مع الكُتَّاب الآخرين، وفي بالي أن هذه التدوينات سيضمها كتاب يومًا ما.

وقد أحببت المدينة بمجرد وصولي إليها، وكانت هي سخية معي وملهمة لي، ودفعني هذا إلى محاولة تلمس خبايا تاريخها، ليس مباشرةً ولكن عبر الانعكاسات المضمرة لهذا التاريخ بكل تقلباته على واقع المدينة المعاصر.

وتضيف منصورة: لقد سافرت إلى مدن عديدة في قارات مختلفة، ودول متقدمة جدًا، ومع هذا بدت لي شنغهاي مدينة مستقبلية عملاقة تضمر داخلها طبقات عديدة متوارية، وقد حفَّز هذا خيالي وأشعرني أنني أمام أحجية عليّ فك شفرتها.

والجزء الخاص بشنغهاي في هذا الكتاب مثَّل محاولة أولى لحل هذا اللغز، لكنني أشعر أنني سأعود للكتابة عنها مرة أخرى كتابة إبداعية.

وتستطرد: ركنت ما كتبته عن شنغهاي لبعض الوقت، ثم تلقيت في 2019 دعوة من مركز مويان الدولي للكتابة الإبداعية للمشاركة في ندوتين؛ إحداهما في بكين، وأدارها الشاعران الكبيران أويانغ جيانغ خِي وشي تشوان، والأخرى في مدينة جوهاي الجنوبية، وبالفعل سافرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 لعدة أيام، وقد أتاحت لي هذه الرحلة فرصة رؤية وجوه أخرى للصين بتنوعها الثقافي والجغرافي والمناخي، ومن هنا جاءتني فكرة ألّا يقتصر كتابي على شنغهاي وحدها، وأن أضم إليه تفاصيل رحلتي الثانية إلى الصين، ومع هذا تبقى شنغهاي مركز الكتاب، أو كما كتبت في المقدمة: “هذا الكتاب ليس فقط عن شنغهاي أو (لؤلؤة الشرق) كما يحلو لأهلها أن يطلقوا عليها، ولا عن بكين أو جوهاي أو الصين في المجمل، لكنه أيضًا وبالأساس عن علاقتي بمفهوم المسافة، عن الأماكن بشكل عام، عن مدن عديدة رأيتها أو تخيلت رؤيتها، مدن تقع شنغهاي في القلب منها، أو هي منها بمثابة مرآة سحرية تنعكس عليها صور كل ما سواها، وتنعكس صورتها هي على ما عداها من مدن وفضاءات.”

وعن معنى المسافة بين مصر والصين التي توصلت إليها عبر كتابها تقول عزالدين: لطالما نظرنا إلى الصين باعتبارها آخر الدنيا، كأنها أبعد نقطة يمكن الوصول إليها، وفي طريقي إلى شنغهاي كنت مشغولة بمفهوم المسافة بكل أبعاده المكانية والزمانية والوجدانية.

وهناك كانت ثمة مسافة هائلة تفصل بيني وبين مدينتي الأم؛ فارق التوقيت كان كبيرًا أيضًا، وحجب وسائل التواصل الاجتماعي في الصين أشعرني بأنني في كون موازٍ، وقد تعمدت عدم فك هذه الحجب لرغبتي في خوض تجربة الحياة على هذا النحو.

وبعودتي إلى القاهرة بعد قضائي شهرين في شنغهاي، انتبهت إلى أن المسافة بيني وبينها، وإن ظلت كما هي حسابيًا، فإنها لم تعد هائلة كما كانت قبل زيارتي لها. صارت شنغهاي مدينة أليفة، يمكن استحضارها وبعث روائحها ومذاقاتها وأجوائها في مخيلتي.

بشكل عام، مفهوم المسافة هو المسيطر على الكتاب، وهو يتجلى فيه بطرق يصعب حصرها، منها الحسابي المباشر ومنها الحدسي المنطلق من الهواجس والحواس جريًا على عادة القدماء، إذ أن مفردة المسافة في المعاجم العربية القديمة أصلها من الشَّمَّ، إذ كما ورد في “العباب الزاخر”: “كان الدليل إذا كان في فلاةٍ أخذ التراب فشمه ليعلم أعلى قصدٍ هو أم على جورٍ، ثم كثر استعمالهم هذه الكلمة حتى سموا البعد مسافة، والأصل ما ذكرت أنه الشم.”

وعن كيفية تأثير هذه الأيام الصينية وهذا الاتجاه شرقا في تعميق وعيها بالشرق الأدنى وبالمشترك الذي يجمعنا به. وكيف انعكس هذا على كتابتها تقول: أنا مهتمة بالفلسفات الشرقية القديمة منذ سنوات؛ خاصة الفلسفة الطاوية الصينية، وهذا الاهتمام كان دافعي الأول للسفر إلى الصين، وهناك فوجئوا باهتمامي هذا وأخذوا يستفسرون عن سببه، لكن المعايشة أمر مختلف عن القراءة من بعيد.

وتوضح أن ما أضافه سفرها إلى الصين أنه وسَّع معرفتها بالثقافة الصينية المعاصرة وبالأدب الصيني الحديث. وتضيف: الروابط بيننا وبين الثقافة الصينية عميقة خاصة إذا ما تحدثنا على مستوى الحضارات القديمة، فثمة روابط لافتة للنظر بين الفلسفة المصرية القديمة والفلسفات الشرقية القديمة في كل من الصين والهند مثلًا.

وقد لاحظت خلال إقامتي في شنغهاي اهتمامًا كبيرًا بحضارة مصر القديمة، وكان ثمة دومًا مقارنات مازحة بين حضارتينا، وأسئلة لا تحصى عن الأهرامات والنيل واستعراض من البعض لما يعرفونه عن المصريين القدماء وآثارهم.

وفي بكين لمست رغبة من الكتاب والمثقفين الصينيين الذين قابلتهم للتواصل مع الثقافة العربية وشعورهم بوجود روابط وثيقة تجمعهم بها، وحرصهم على أن يكون هذا التواصل مباشرًا دون وساطة غربية؛ لأننا للأسف كحضارات شرقية غالبًا ما نتعرف على بعضنا بعضًا عبر صورنا المنعكسة في مرايا غربية. وبالنسبة لانعكاس كل هذا على كتابتي، فأفضِّل أن أترك للمستقبل أمر البت فيه.

ثم أسألها: في تقديرك.. ما الذي يمثله مشروع “ارتياد الآفاق” باشتغاله على إحياء أدب الرحلة القديم، والتشجيع على كتابة الرحلة المعاصرة؟ فتجيب: ما يقوم به مشروع ارتياد الآفاق مهم خاصةً في جزئية إحياء أدب الرحلة القديم؛ فالرحالة العرب القدامى تركوا تراثًا ثمينًا يمثل إضافة كبيرة إلى التراث العالمي في أدب الرحلة، ومن المهم استعادة هذه الأعمال وتحقيقها.

وعن تفسيرها لسر إقبال القراء والناشرين في السنوات الأخيرة على ما يسمى بأدب الرحلة أو الأدب الجغرافي تقول منصورة عزالدين: ألاحظ منذ فترة تزايد اهتمام القراء بأدب السيرة والمذكرات وأدب الرحلة، وليس لدي تفسير مؤكد في ما يخص الاهتمام بأدب الرحلة؛ لكن ربما يعود هذا إلى رغبة القراء في رؤية الأماكن بعيون جديدة مختلفة. والآن، في ظل التقدم التقني الكبير وثورة الإنترنت، هناك ثمة توهم بأن كل شيء في متناول أيدينا، وأننا – عبر تطبيقات معينة – يمكننا التجول في مدن وأماكن بعيدة والتعرف عليها دون أن نبرح أماكننا، وفي رأييّ أن هذا من الأوهام الشائعة، إذ لا شيء يعدل التجربة الحقيقية ومعايشة الأماكن الغريبة والبشر من أعراق مختلفة.

وأدب الرحلة المعاصر لا ينحصر فقط في رصد الأماكن بل يمتد أيضًا إلى ذات الكاتب وأثر تلك الأماكن عليه، كما ينفتح في كثير من الحالات على أنواع كتابية أخرى، وربما يكون هذا سبب إقبال القراء عليه، فالقارئ المعاصر وإن كان متخمًا بالصور والجولات الافتراضية، لا يزال بحاجة إلى القراءة عن الخبرات الإنسانية لمن زاروا أماكن بعيدة وإلى التعرف على كيف صاغوا هذه الخبرات.

ومنصورة عزالدين روائية وكاتبة قصة مصرية تُرجمت رواياتها وقصصها إلى أكثر من عشر لغات، واُختيرت بين أفضل 39 كاتبًا عربيًا تحت سن الأربعين في مهرجان بيروت 39.

صدر لها حتى الآن ثلاث مجموعات قصصية هي: “ضوء مهتز” و”نحو الجنون” و”مأوى الغياب”، وخمس روايات هي: “متاهة مريم”، و”وراء الفردوس”، و”جبل الزمرد”، و”أخيلة الظل”، و”بساتين البصرة”.

وقد وصلت روايتها “وراء الفردوس” إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” دورة 2010. ونالت مجموعتها القصصية “نحو الجنون” جائزة أفضل مجموعة قصصية مصرية من معرض القاهرة الدولي للكتاب 2014. وفازت روايتها “جبل الزمرد” بجائزة أفضل رواية عربية في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2014. ووصلت مجموعتها القصصية “مأوى الغياب” إلى القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة العربية عام 2018، وإلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب “فرع الآداب” عام 2020. كما وصلت الترجمة الصربية لروايتها “أخيلة الظل”، التي أنجزتها المترجمة دراجانا جورجيفيتش، إلى القائمة القصيرة لجائزة ميلوش جوريتش للترجمة الأدبية، التي ينظمها الاتحاد الصربي لمترجمي الأدب. وقد أشرفت على ندوة الجائزة العالمية للرواية العربية عامي 2010 و2011.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button