الحُبُّ الأنيق – الجزء الاول من حكاوى الرحيل – الحكاية الرابعة
النشرة الدولية – الدكتور سمير محمد ايوب –
مُبَكِّراً ذات صباح ، حسناء أظنها لم تتجاوز الثلاثين إلا قليلا، دَلَفَت تتهادى، مُتَثاقِلَةً بشيءٍ من التَّردُّدِ والتَّحدي المشوب بإنكسارٍ مُكابِر. عَبَرَت أُفْقَ صباحي ألمُشبع بعبقِ القهوةِ وترانيمَ فيروزية. ودَنَتْ بِلا إستئذانٍ مَنطوقٍ، لكنَّه مُتأتِأ مُرتَعِشاً بينَ هُدبِ عينيها.
رَفَعتُ بَصريَ عن تشكيلاتِ سطحِ قهوتي، مُتسائِلاً بِصمتٍ أنا الآخر. أدرَكَتْ سريعا تساؤلَ نظراتي، فقالت بِقوةٍ واندفاع: إني إختَرتُكَ عامِدَةً مُتَعمِّدَة. فأنا مَأزومةٌ ومَهزومة، وهو مِمَّنْ تَعرِف عن قُرْبٍ، ويَتَجوَّلُ في ما ينتمي إليك.
يَستَوْطِنُني شقاءٌ مناكفٌ. يَستفزُّ ما كُنتُ أتَّكِئُ عليه من رِضاً رجراج. ويُؤرْجِحُني بين متاهاتِ الصمت، وبُخلِ المشاعر، وتَصَحُّرِ اللسان، وجفافِ الشفاه، وتَيَبُّسَ الأصابع وموتِ العيون.
نَقَّلْتُ عينيَّ عبرَ غَيمِ قهوتي. وأبقيتُ أذُنيَّ مُشرعتينِ تتُابعانِ الأنصاتَ المُهَذَّب، لما واصلَتْ قولَه.
هوُ في طقوسِ الحبِّ مُقَتصِدٌ ظالمٌ مُنْهِكْ. يُضنيني تَقتيرُه. ليس له حَوائطَ أتكئ عليها لتَسنُدَني في حاجاتي.
لم أعُدْ مُقتَنِعةٌ بلونِ عَيْنيه ، ولا بتهذيبِ أصابِعه. عَبَقُ عِطرهِ يُصيبُني بالغثيان. نبرةُ صوتِه نَشاز. لم يَعُد ظِلُّه يقفز فجأةً من حَوْليَ وفي دواخلي. ولم نَعُد نُطبِقُ الرِّمْشَينِ على أي شئ، أو معَ أيِّ شيءٍ معا. لم يَعُد دفتريَ الذي أخطّ فيه كلّما دقّ قلبيَ أو هاجَني شوقٌ. أُقَلِّبُ صفحاتَ دفاتِرِه، فلا أجِدُ فيها الكثيرَ من مُفرداتي.
كَثُرَت إشاراتُ المرورِ في مَعارِجِنا. ولم يَعُد خِصامُنا مُؤَدَّباً مُهَذباً ، بل باتَ يَحْتَلُّنا ضَجيجُ إقتتالٍ مُستدام.
حاولْتُ لَمْلَمَتَه وتَرْميمَه ونَكَصْت. بِداخِلي شيءٌ يَحتَضِرُ، وحقلُ ألغام يتململ، في أي لحظةٍ وعندَ ايِّ مُنعَطفٍ قد ينفجر.
كنتُ مُشْرَعَةً للحب. أمتَثِلُ بِكرمٍ لِملائِكَتِه. كنتُ أبدءُ بهِ نَهاري. وأُأَجِّجُ ليليَ معه. ما بينَ لطائفِ الحُبِّ وحَكاوى عَطْفِه، كنتُ أجِدُهُ في مَلامح ومُنحنيات وتجليات كل شيء.
وأنا اشتاقُ لشيءٍ يُشبهُ عَصْفَ الحُبِّ، يَنْحَرُني الصبرُ والمَلَلُ. قل لي يا شيخي:
هل أُبَعثِرُه وأُشَيعه، في جنازةٍ تَليقُ مَراسِمُها بِمشاعِري، وأُعْلِنُ حِداداً عليه؟!
… لِلْحكاية تَتِمَّةٌ