فرصة لقلب موازين العمل المناخي لصالح الدول العربية* فرح العطيات

النشرة الدولية –

قلبت جائحة كوفيد-١٩ الموازين رأساً على عقب، فلم يعد عام ٢٠٢٠، الذي كان ينٌتظر حلوله بفارغ الصبر، حاسماً بالنسبة لقضية تغير المناخ، التي أصبحت تحٌل في المرتبة الثانية على أجندة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بسبب الاستجابة لهذه الأزمة الصحية الحالية.

 

فقد كان من المفترض أن ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين المعني بتغير المناخ (COP26)، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، في مدنية غلاسكو الأسكتلندية، إلا أنه ونظراً للتأثير العالمي والمستمر لكوفيد-١٩، فقد تم إرجاؤه للعام المقبل، وفق بيان صدر في مطلع نيسان (أبريل) الماضي، عن مكتب مؤتمر الأطراف التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

 

هذا الإرجاء، إلى جانب الانشغال في الاستجابة لجائحة كورونا شكلا دافعاً كبيراً أمام بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، باستثناء دولة الإمارات، لعدم تقديم أهداف جديدة طويلة الأجل في هذا العام، وتحديد المسار المستقبلي للجهود المبذولة لتجنب أزمة الطوارئ المناخية العالمية، أو تحديث خطط المساهمات المحددة وطنياُ، التي قدمتها لسكرتاريا اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، في وقت سابق، لتكون أكثر طموحاً، وتزيد من خلالها التزاماتها المناخية.

 

فخطط المساهمات المحددة وطنياً، التي تقدمت بها إحـدى وعشـرون دولـة عربيـة عملاً باتفـاق باريـس بشـأن تغيـر المنـاخ، شـملت تدابيـر التخفيـف ّوالتكيـف، إلا أن سـبع دول لـم تـدرج فـي تقاريرهـا مقاصـد خفـض الانبعاثات، وهي (البحريـن، والسـودان، والصومـال، وقطـر، والكويـت، ومصـر، والمملكـة العربيـة السعودية)، وفق ما جاء في التقرير العربي للتنمية المستدامة الصادر عن اللجنة الأممية الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، في مطلع حزيران (يونيو) ٢٠٢٠.

 

ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى عام ٢٠١٩، ولغاية الآن، اتخذت دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جملة من القرارات والإجراءات للتكيف مع أثار التغير المناخي، والتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة، للوفاء بالتزاماتها في اتفاق باريس، أو خدمة لمصالحها الاقتصادية، ودون التأثير على استمرارية أنظمتها بالاعتماد على النفط والغاز اللذين يشكلان الغالبية العظمي من إيراداتها.

 

فعلى سبيل المثال كانت أقرت دولة الإمارات زيادة النسبة المستهدف تحقيقها من الطاقة عبر المصادر المتجددة، من ٢٤% من إجمالي الطاقة المنتجة، إلى ٢٧%، بحلول عام ٢٠٢١.

 

واعتمدت الحكومة استراتيجية الإمارات للطاقة للعام ٢٠٥٠، والتي تستهدف زيادة نسبة الطاقة النظيفة إلى ٥٠ %، منها ٤٤ % عبر المصادر المتجددة؛ وذلك ضمن توجهاتها لتحقيق مبدأ الاستدامة على مستوى القطاعات كافة، وخصوصا قطاع الطاقة.

 

إلا أن الإمارات كانت السباقة من بين الدول العربية في تقديم النسخة المعدلة، والأكثر طموحاً من المساهمات المحددة وطنيا، لسكرتارية أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي التزمت فيها بتخفيض ما نسبته ٢٣.٥% مقارنة بالسيناريو العادي، وذلك في العام ٢٠٣٠.

 

كما وكانت دولة الكويت أصدرت جملة من القرارات والتحركات العاجلة لمواجهة أزمة المناخ، كان أبرزها تشكيل “اللجنة الوطنية للتأهب والتصدي لتأثيرات تغير المناخ، والكوارث البيئية على الصحة”، بهدف تقييم الوضع الحالي، ووضع خطط لتلك الغاية، مع تحديد المؤشرات ذات الصلة بالصحة، وإعداد وتنفيذ برامج التوعية والتدريب، لتعزيز القدرات بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة.

 

وبالانتقال الى المملكة العربية السعودية، فكانت قد أعلنت عن عدة مبادرات وبرامج “خضراء”، وإن لم تكن بشكلها المباشر تصب في العمل المناخي ومواجهة أثاره. ومن بين قراراتها الأخيرة، ما أعلنه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، خلال قمة العشرين الافتراضية، التي ترأستها المملكة، في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٠، عن “إطلاق برنامج وطني للاقتصاد الدائري للكربون، لترسيخ وتسريع الجهود الحالية لتحقيق الاستدامة بأسلوب شامل”.

 

وبالذهاب الى المشرق العربي وشمال أفريقيا، فقد نفذ الأردن سلسلة من الإجراءات من بينها مشروع دعم الأحياء الفقيرة للتأقلم مع تأثيرات تغير المناخ، وإعداد خطط مناخية لثلاث بلديات من الفئة الثانية وهي دير علا، والعيون في جرش، وواحدة أخرى في الجنوب، إلى جانب إطلاق مشروع مدينة عمان الخضراء، لرفع قدرة الأمانة على التكيف في قطاعي النقل والإنارة، والذي سينفذ وبتكلفة إجمالية تقدر بنحو تسعة ملايين دينار.

 

وأما على صعيد دول شمال أفريقيا فقد برزت إنجازات تونس والمغرب على الساحة خلال الفترة الماضية، من خلال تنفيذ العديد من مشاريع الطاقة الخضراء، والتي تشمل على سبيل المثال في المملكة المغربية تطوير نظام الطاقة للمباني الذكية، والبناء الإيكولوجي القائم على استغلال النفايات الليفية لصناعة الآجر، وبلورة وإنجاز محطة زراعية تجريبية تعمل بالطاقة الشمسية للتكيف مع تغير المناخ، وكذلك تطوير مصادر جديدة للوقود الحيوي انطلاقا من بقايا وحدات طحن الزيتون.

 

لكن الوضع السياسي والأمني غير المستقر، الذي تشهده بعض الدول في المنطقة، كان سبباً وراء تأخرها بإنجاز مشروعات وبرامج، تساعدها في الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق باريس، مثل ليبيا والسودان، واليمن وسوريا، ومصر الى حد ما.

 

على أن تلك الجهود المبذولة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحتى العالم لم “تجعل السباق مع أزمة المناخ متقدماً، بل ما زال متأخر جداً”، من وجهة نظر الأمين العام أنطونيو غوتيرش، وحتى مع انعقاد مؤتمر قمة الطموح المناخي الافتراضية، في كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٠، والذي نظمته الأمم المتحدة والمملكة المتحدة، وفرنسا، وبالشراكة مع إيطاليا وشيلي، بمناسبة الذكرى الخامسة لاتفاق باريس.

 

فمع إعلان ٧٥ من القادة في جميع قارات العالم، عن “التزامات جديدة لتعزيز العمل من أجل التصدي لتغير المناخ وتنفيذ اتفاق باريس”، باستثناء دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي لم يشارك منها في المؤتمر سوى العراق، لكونها انضمت مؤخراً لاتفاق باريس، لا يزال العالم لا يسير في الاتجاه السليم بعد خمس سنوات من اعتماد الاتفاق، الذي تعهدت فيه الدول بالحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.

 

ويعتبر المؤتمر رغم ذلك علامة بارزة على الجهود التي تمت تمهيداً إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ(COP26)، الذي سيعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢١، ليضع بذلك على عاتق دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاستعداد جيداً لخوض غمار المفاوضات بمواقف تتسم بالقوة والحزم، لكونه سيبحث في الامور العالقة منذ مؤتمر المناخ كوب٢٥، مثل مسألة تمويل قدرات التكيف مع التغير المناخي.

 

وتكمن كذلك أهمية المؤتمر في أن إحدى المحاور التفاوضية على أجندته تختص بتحديد آليات تطبيق المادة السادسة من اتفاق باريس (أسواق الكربون العالمية)، والتي تعتمد على عودة الولايات المتحدة الأمريكية الى الاتفاق، بعد انسحابها رسمياً منه، في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٠، اذ فتحت تعهدات الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن بهذا الشأن الآمال مجدداً بحدوث تغييرات كبيرة وإيجابية قد تطرأ على المشهد العالمي بشأن العمل المناخي، والسياسات البيئية.

 

ومن بين الإجراءات التي يتوجب على الدول في المنطقة اتخاذها كخطوة استباقية للمؤتمر إعادة النظر في خطط التنمية الوطنية التي قامت بوضعها سابقا، لتأخذ بعين الاعتبار المستجدات التي فرضتها جائحة كورونا، بحيث لا بد من إدماج مسألة التكيف مع تأثيرات التغير المناخي فيها، وإعداد خطط لتأهيل البنى التحتية في مختلف القطاعات الصحية وغيرها، لتصبح أكثر قدرة على مواجهة مثل هذه الأزمات مستقبلاً.

 

وستسهم تلك الخطوة أيضاً في تحسين المنظومة الاقتصادية للدول، وضمن قطاعاتها التنموية المختلفة (الصحية، النقل، المياه)، لتكون قادرة على خلق المزيد من الفرص التشغيلية، وتمكين المجتمعات الفقيرة والأكثر هشاشة من مقاومة تأثيرات تلك الظاهرة.

 

ومن بين الأمور الأخرى التي يجب أن تقوم بها الدول كذلك، البدء بعملية تحديث خطط المساهمات المحددة وطنيا، وتضمينها ما يسمى بـ (ICTU) وهي عبارة عن أدوات تتبع للإنجازات المحققة على هذا الصعيد، مع ضرورة رفع الطموح المشروط، والذي يحمل الدول المتقدمة لا حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التزامات أكبر تتمثل في ضرورة توفير التمويل اللازم لتنفيذ مشاريع التكيف، ونقل التكنولوجيا كذلك.

 

ولكن ولضمان قيام الحكومات بتلك الخطوات، وقبيل حلول موعد مؤتمر المناخ، فإنه يقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة تنفيذ عاصفة الكترونية مع بداية عام ٢٠٢١ المقبل، وعلى شكل حملات رقمية، لكسب التأييد من الرأي العام، والتأثير على صناع القرار فيها، عبر تسليط الضوء على تأثيرات التغير المناخي، وتداعياتها على التنمية الاجتماعية-الاقتصادية، والصحة البشرية والهجرة والنزوح، والأمن الغذائي والنظم الإيكولوجية البرية والبحرية، ولا سيما أن وباء كوفيد-١٩ لم يكبح جماح تزايد وتيرتها.

 

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل على المؤسسات ذاتها تعزيز التواصل والتفاعل فيما بينها على المستوى الإقليمي، في محاولة لتنفيذ هذه الحملات بأوقات متزامنة، وعلى نطاق واسع الانتشار، مع اختيار عدد من الشخصيات المؤثرة للمشاركة فيها، ومن مختلف الفئات العمرية، لحين انتقالها إلى الميادين، وبعد أن يسمح الوضع الوبائي في الدول بذلك.

 

كما عليها الضغط على الحكومات للسماح لها في أن تكون شريكا فاعلاً ومسانداً في عملية تحديث خطط التنمية الوطنية، والمساهمات المحددة وطنياً، لضمان موائمة برامج التكيف والتخفيف مع واقع تغير المناخ فيها، والتأكد من إدماج الفئات الأكثر هشاشة وتمكينها لتصبح قادرة على مقاومة تأثيراتها.

 

بيد أن اللحظة المهمة لمؤسسات المجتمع المدني والدول ستحل عندما يلتئم مؤتمرCOP26 للتغير المناخ، إذ يزداد وضوحا وبشكل مستمر ومتنامي الشعور بأن الأشهر الـ ١٢ المقبلة تمثل الفرصة الأخيرة للتعامل بشكل فعّال مع الخطر الذي تمثله ظاهرة الاحترار العالمي.

عن موقع “العربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى