أسبوع أميركي مفصلي* هشام ملحم
النشرة الدولية –
الأسبوع الأول الكامل في شهر يناير يعد بأن يكون محوريا وربما تاريخيا على الصعيدين الداخلي والخارجي. التوتر الداخلي المستمر منذ الانتخابات الرئاسية مرشح للتفاقم أكثر خلال هذا الأسبوع، كما التوتر المستمر بين الولايات المتحدة وإيران مع مرور الذكرى السنوية الاولى للغارة الجوية التي أمر بها الرئيس ترامب لقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الثالث من يناير 2020 قرب مطار بغداد الدولي في العراق.
يوم الأحد، تراجع وزير الدفاع بالوكالة كريستور ميلر عن الأمر الذي أصدره قبل أربعة ايام بسحب حاملة الطائرات نيميتز من المنطقة المحيطة بإيران والعودة إلى قاعدتها في الولايات المتحدة، وأصدر أمرا جديدا بأن تواصل الحاملة عملياتها الدورية ” في منطقة عمليات القيادة المركزية ” التي تشمل مياه الخليج. وجاء في بيان رسمي باسم الوزير أن قراره “يعود للتهديدات الأخيرة الصادرة عن القيادات الإيرانية ضد الرئيس ترامب وغيره من المسؤولين الحكوميين”. وأنهى ميلر بيانه بالقول “يجب أن لا يشك أحد بتصميم الولايات المتحدة”.
وجاء بيان ميلر بعد أسبوع حفل بالرسائل الأميركية المتناقضة حول التوتر مع إيران، خاصة وأن قرار سحب نيمتز تزامن مع تحليق قاذفات استراتيجية من طراز ب – 52 قبالة السواحل الإيرانية ولكن في الأجواء الدولية، خلال تحليق جوي لمدة 36 ساعة دون توقف من وإلى قاعدة جوية في ولاية نورث داكوتا، لبعث رسائل تحذيرية واضحة لإيران. وقالت مصادر مطلعة على المداولات في وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي أن هناك تقويمات مختلفة للتوتر مع إيران حيث قال مسؤولون إن التهديدات الإيرانية، بما في ذلك التلميح بأعمال عنف داخل الولايات المتحدة جدية للغاية، بينما رأى آخرون أنها للاستهلاك المحلي، وأن الحشود الإيرانية داخل العراق، والاجتماعات بين ضباط الحرس الثوري الإيراني وقادة الميليشيات العراقية الممولة والمدعومة من إيران والمعروفة بقوات الحشد الشعبي تأتي في سياق التنسيق والإجراءات الاحترازية تحضيرا لأي مبادرات عسكرية أميركية، ولا تعني بالضرورة أن ايران تعتزم مهاجمة أهداف أميركية في العراق أو خارجه. وأشار هؤلاء إلى أن مصلحة القيادة الإيرانية تقضي بعدم استفزاز الرئيس ترامب في أيامه الأخيرة، لأنه لن يتردد برد عسكري مؤلم، وأنه من الأفضل انتظار استلام الرئيس المنتخب جوزف بايدن لصلاحياته الرسمية في العشرين من الشهر الجاري. محللون آخرون تكهنوا بأن قرار الوزير ميلر الأولي بسحب حاملة الطائرات من المنطقة المحيطة بإيران قد تم دون استشارة الرئيس ترامب، وأن الرئيس أراد بقاء الحاملة في المنطقة حتى إشعار آخر.
مرور الثالث من يناير دون أعمال عنف هو مؤشر إيجابي، ولكن ذلك لا يعني أن التوتر بين البلدين سوف ينحسر، لأن احتمال حدوث مواجهة مقصود او عرضية لا يزال واردا على الأقل حتى العشرين من الشهر الجاري.
داخليا بدأ الاسبوع بإدلاء جميع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لقسم اليمين لبدء الدورة الجديدة للكونغرس، كما انتخب النواب الديموقراطيون نانسي بيلوسي للمرة الرابعة رئيسة للمجلس. وحفل يوم الأحد بتطورات انتخابية عديدة كان كم أبرزها حصول صحيفة واشنطن بوست على تسجيل صوتي لمكالمة هاتفية هزت الأوساط السياسية في واشنطن، بين الرئيس ترامب وبعض مساعديه، مع سكرتير ولاية جورجيا المسؤول عن الانتخابات براد رافينزبيرغر ومحاميه رايان جيرماني، حيث طلب الرئيس منهما العثور “على أصوات كافية لتغيير نتائج الانتخابات لصالحه” في حوار لا سابقة له لجأ فيه ترامب الى الترهيب والترغيب والرجاء وتوجيه الاتهامات والإهانات لسكرتير الولاية مثل تسميته “بالولد”. واستمع ملايين الأميركيين لرئيسهم وهو يخاطب براد رافينزبيرغر : “كل ما أريده هو ان تفعلوا التالي، كل ما أريده هو أن تعثروا على 11780 صوتا أكثر مما لدينا، لأننا ربحنا في الولاية.” وكان ترامب يتحدث بجمل مفككة، كانت أفكاره مبعثرة وتميز حديثه بالتكرار وترديد نظريات المؤامرة والادعاءات غير المدعومة بالأدلة والإصرار على القول “لا يمكن أبدا أن أكون قد خسرت جورجيا، هذا غير ممكن. لقد فزنا هناك بمئات آلاف الأصوات”.
وكان ترامب قد خسر جورجيا بأقل من 12 ألف صوت، وهو ما تم تأكيده بعد إعادة فرز الأصوات أكثر من مرة، وبعد أن أخفقت محاولات ترامب عبر المحاكم لتحدي هذه النتائج، كما أخفقت محاولاته في الولايات الأخرى. ولم يتردد ترامب في تهديد براد رافينزبيرغر والقول بأنه يقوم “باتخاذ مجازفة كبيرة” وأن الناخبين في جورجيا وفي البلاد غاضبون ” ولا يوجد هناك شيء سيء إذا قلت أنك قمت باعادة النظر بالأرقام”. ورد رافينزبيرغر بهدوء على الرئيس قائلا “السيد الرئيس التحدي الذي تواجهه هو أن معلوماتك غير صحيحة”. ورأى العديد من المحللين أن ما قام به ترامب يخالف القوانين الفدرالية المتعلقة بالانتخابات، ورأى بعضهم انه يستحق أن يحاكم مرة أخرى.
وفي تطور هام، حذّر عشرة وزراء دفاع سابقين من جمهوريين وديموقراطيين في مقال نشروه الأحد، من خطر زج القوات المسلحة بالانتخابات وطالبوا المسؤولين المدنيين والعسكريين في وزارة الدفاع بعدم تنفيذ أي أوامر سياسية تهدف إلى تغيير نتائج الانتخابات. وكان وزير الدفاع الأسبق ديك تشيني هو الذي اقترح فكرة العريضة، التي وقع عليها الوزيرين جيمس ماتيس ومارك أسبر اللذين خدما في حكومة ترامب، إضافة إلى روبرت غيتس الذي خدم في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، والرئيس أوباما ودونالد رامزفيلد وغيرهم. وجاء في العريضة أن “الجهود الرامية إلى توريط القوات المسلحة لحسم الخلافات الانتخابية سوف تأخذنا إلى مجالات خطيرة وغير قانونية ومخالفة للدستور. المسؤولون المدنيون والعسكريون الذين يأمرون أو ينفذون مثل هذه الاجراءات سوف تتم محاسبتهم، بما في ذلك مواجهة الأحكام الجنائية بسبب النتائج الخطيرة لإجراءاتهم على شعبنا”.
ويوم الثلاثاء سوف تقرر ولاية جورجيا، التي ستنتخب عضويين في مجلس الشيوخ في انتخابات فرعية من سيسيطر على هذا المجلس على الاقل للسنتين المقبلتين. وإذا فاز المرشحان الديموقراطيان، عندها سوف يكون هناك تعادل في الأصوات في المجلس : خمسين جمهوري وخمسين ديموقراطي سوف تكسره نائبة الرئيس كامالا هاريس لصالح الديموقراطيين. وإذا بقي مجلس الشيوخ في يد أكثرية جمهورية بسيطة، فإن ذلك سيخلق عقبات هامة أمام الرئيس بايدن لتمرير إجراءاته وسياساته، حيث سيواجه معارصة قوية من زعيم الأغلبية الجمهورية السناتور ميتش ماكونال، مماثلة لما واجهه الرئيس السابق باراك أوباما.
ولكن اليوم المحوري هذا الأسبوع هو يوم الأربعاء، وهو اليوم الذي سيحسم فيه مجلسا الكونغرس في جلسة مشتركة يديرها نائب الرئيس مايك بينس لاتخاذ آخر خطوة رسمية في عملية انتخاب الرئيس الجديد، أي التصديق النهائي على تصويت المجمع الانتخابي الذي جرى في الرابع عشر من ديسمبر . عادة تمر هذه الإجراءات الإدارية بشكل عادي ولا تسبب أي جدل. ولكن السناتور الجمهوري جوشوا هاولي (له طموحات رئاسية) قد قال أنه سيتحدى نتائج الانتخابات في ولاية بنسلفانيا، كما أن عشرة أعضاء جمهوريين آخرين نظمهم السناتور تيد كروز (له طموحات رئاسية) أعلنوا أنهم لن يصدقوا على النتائج وطالبوا بتعيين لجنة تحقيق في الانتخابات تنجز أعمالها خلال ١٠ أيام قبل يوم التنصيب في العشرين من الشهر الجاري. وكان أكثر من مئة عضو جمهوري في مجلس النواب قد قالوا أنهم سيعترضون على النتائج. ويرى معظم المحللين والحقوقيين أن هذه المحاولات ستنتهي بالفشل لأن الأكثرية الديموقراطية في مجلس النواب سوف تصدق على النتائج، وأن هناك أكثرية من الديموقراطيين والجمهوريين في مجلس الشيوخ سترفض الاعتراضات.
ولكن الرئيس ترامب سوف يستخدم يوم الأربعاء الآلاف من أنصاره الذين طلب منهم أن يتظاهروا في شوارع واشنطن، للضغط على المشرعين في الكونغرس. هذه التظاهرات سببت القلق والمخاوف في الأوساط السياسية والأمنية في واشنطن، لأنها يمكن أن تتسبب باشتباكات مع فئات معارضة، أو مع الشرطة كما حدث في السابق، أو حدوث أعمال شغب أو تخريب للمحلات التجارية، لأن قاعدة ترامب معبأة ومشحونة سياسيا حيث أقنعها ترامب وحلفائه أن الديموقراطيين سرقوا الانتخابات منه، ولأنها ترى أن هذه هي الفرصة الأخيرة لإبقاء ترامب في البيت الأبيض لولاية ثانية.
أسبوع أميركي مفصلي من مياه الخليج، إلى قاعات الكونغرس وشوارع واشنطن.