مصالحة “العلا” هل تعطي مناعة إزاء الخلافات؟* تاج الدين عبد الحق
النشرة الدولية –
لا تعني المصالحة الخليجية في قمة ”العلا“ بالمملكة العربية السعودية، طي صفحة الخلاف بين دول مجلس التعاون فقط، بل إكساب علاقات دول المجلس نوعًا من المناعة، والوقاية من خلافات مماثلة في المستقبل .
فالمصالحة لم تكن في تفاصيلها الموضوعية، ولا في شكلها روتينية، كالمصالحات التي اعتدنا عليها في تجارب خليجية وعربية سابقة. فقد احتاجت لسنوات من الجهد العلني حينًا، والصامت أحيانًا، قبل أن تتبلور بإعلان عن حل الخلافات مع قطر، في إشارة إلى أن مجلس التعاون يتعافى من فترة تراجعت فيها آمال، وتهددت وقتها مصالح، وتباينت عندها وجهات نظر ،حتى إزاء قضايا حساسة تتعلق بحاضر ومستقبل المنطقة .
وبغض النظر عن التفاصيل التي يتضمنها الاتفاق على المصالحة، فإن الواضح أنها تغطّي طيفًا واسعًا من القضايا التي تسببت في الخلاف، وتصلبت فيها مواقف وضعت المنطقة طوال سنوات ثلاث على سطح صفيح ساخن من الخلافات السياسية، والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية .
أهمية المصالحة الخليجية التي أتت بعد طول انتظار، لا تكمن فقط، فيما تعيده من زخم للمسيرة الخليجية، بل في الانعكاسات التي تتركها على العمل العربي برمته؛ فمجلس التعاون شكّل خلال مسيرته الطويلة، ركنًا أساسًا في النظام العربي، وكان المجلس حجر الزاوية في تنقية الأجواء العربية، ودعم مسيرة العمل العربي. ولا شك أن ما أصاب مسيرة المجلس في السنوات القليلة الماضية، وضع العمل العربي والإقليمي في إختبار صعب، أعاق القدرة العربية على التصدي للتحديات التي واجهت النظام العربي، والعلاقات العربية العربية.
ولعلّ مشاركة مصر بالقمة الخليجية، ما يؤكد هذا الترابط بين البعدين الخليجي والعربي في المصالحة؛ حيث إن المصالحة بمعناها الحقيقي لايمكن أن تكون مكتملة، إنْ لم تكتمل مع بُعدها العربي .
فالخلافات مع قطر، كانت سببًا في نفاذ قوى إقليمية حاولت الاستفادة من الخلاف، واستثماره لتحقيق أجندات ومصالح تتعارض مع الأمن العربي بشكل عام، والأمن الخليجي بشكل خاص.
نتائج المصالحة الخليجية، قد لا تقتصر آثارها على العمل الخليجي، بل إنها قد تمهد لتطورات على صعيد علاقات دول المنطقة الخارجية؛ فالتقارير تشير إلى أن عودة قطر للسّرب الخليجي، قد تجعلها من أوائل الدول المرشحة لإقامة علاقات مع اسرائيل، خاصة وأن الولايات المتحدة التي رعت خطوات التطبيع الدبلوماسية مع عدد من الدول العربية، كانت من الوسطاء الذين ساهموا في تسريع المصالحة الخليجية.
ومثل هذا الاحتمال ليس ببعيد، لأكثر من سبب، أولها: أن قطر ليست جديدة على فكرة إقامة علاقات مع تل أبيب، خاصة وأنها بدأت علاقات تمثيل مبكرة مع إسرائيل، وكان هناك تبادل للزيارات بين المسؤولين الإسرائيليين والقطريين لعدة سنوات، فضلًا عن دور مستمر تلعبه قطر -حاليًا- مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة حماس في غزة، بتنسيق مع إسرائيل. ولعل مشاركة مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاري كوشنر، والذي يُعد عرّاب موجة التطبيع الأخيرة في القمة الخليجية، ما يحمِل في طياته رغبة أمريكية في استثمار ما قامت به من جهد في المصالحة الخليجية؛ لدفع مزيد من الدول العربية لتطبيع العلاقات مع تل أبيب .
النتيجة الأخرى المتوقعة للمصالحة الخليجية، قد تكون تضييق الخناق على إيران، والتي حاولت استثمار الخلاف الخليجي وتجيير نتائجه لصالحها. ومع أنه لا يتوقع أن ينتج عن المصالحة الخليجية مقاطعة مباشرة لإيران، إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، ستجد نفسها أمام موقف خليجي متماسك، وهو ما قد يعيد حساباتها أمام أي مقاربة جديدة للملف النووي الإيراني، وخاصة لجهة وضع النظام الصاروخي الإيراني في الحسبان، في أي مفاوضات جديدة على الاتفاق النووي، ليشمل القوه الصاروخية الإيرانية التي تهدد بالدرجة الأولى أمن دول المنطقة، قبل أي جهة أخرى.
وأيًا كانت الاحتمالات التي تحمِلها المصالحة مع قطر، فإنها تؤشر إلى مرحلة جديدة في العمل السياسي الخليجي، الذي اكتسب بالإضافة للمناعة ضد الخلافات البينية، نضجًا يؤهله لمقاربة أفضل مع التحديات الخارجية.