كيف زادت أزمة “كورونا” من سيطرة جوجل وفيسبوك؟

النشرة الدولية –

واشنطن بوست – نيويورك تايمز

ربما لا يمر يوم واحد دون أن يستعين أحد منا بخدمات جوجل أو فيسبوك، ورغم أننا نستخدمها منذ سنوات بحيث أصبحت الشركتان جزءًا لا يتجزأ من حياتنا وبالأخص أفكارنا ومشاعرنا تؤثر فيها بشكل مباشر أو غير مباشر إلا أن أغلبنا لا يعرف الكثيرعن هاتين الشركتين وليس لديه فكرة عما تمتلكه من قوة وسطوة.

“جوجل” و”فيسبوك” أكبر بكثير من كونهما منصات أو مواقع ويب، لعل التوصيف الأنسب لهما هو أنهما إمبراطوريتان شاسعتان، ولكنهما لا يشبهان أي إمبراطوريات عرفناها أو سمعنا عنها في التاريخ، “جوجل” وفيسبوك” الأمريكيتان أصبحتا الوسيلة التي نفهم عبرها العالم ونتعرف عليه من خلالهما.

إن “جوجل” ليس محركاً للبحث يقودك ببساطة إلى وجهتك الصحيحة التي تسعى للوصول إليها في عالم الويب ثم تنتهي مهمته عند ذلك الحد، مثل أي سيارة أجرة تركبها لتصل إلى وجهة معينة ثم تفترقان، كما أن “فيسبوك” ليس مجرد شبكة للتواصل أو الاتصال بأصدقائك مثل شبكات الهاتف القديمة.

كلا الموقعين أو الشركتين يراقب كل حركة وهفوة تقوم بها أثناء استخدامك لهما أو حتى استخدامك لمواقع أخرى على الشبكة العنكبوتية، والمشكلة هي أن “جوجل” و”فيسبوك” ليسا مجرد مزودي خدمة باستطاعتنا رفضهما أو تجنبهما والتعامل مع غيرهما، بل هما أصل وأساس البنية التحتية للإنترنت، ولا يوجد من باستطاعته منافسة أيهما.

أكثر مَن كانوا قادرين على تحجيم سيطرة واحتكار “جوجل” و”فيسبوك” ووضع حد لهما، هم المشرعون الأمريكيون، فقد واجه عمالقة التكنولوجيا في أمريكا وفي مقدمتهم “جوجل” و”فيسبوك” سيلًا من التحقيقات سواء من قبل أعضاء الكونجرس أو السلطات الفيدرالية، في ظل تنامي الخوف من سيطرتهما شبه المطلقة على كل شيء.

في 2019 فرضت لجنة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة أكبر غرامة في تاريخها على “فيسبوك” لانتهاكه خصوصية مستخدميه، وذلك على خلفية فضيحة “كامبريدج أناليتكا” التي تم خلالها تسريب بيانات عشرات الملايين من الناخبين الأمريكيين، ليتم استخدامها في التأثير على الانتخابات الأمريكية.

لكن لحسن حظهما، جاءت أزمة فيروس كورونا التي ضربت العالم في مطلع 2020 لتتوقف جهود إيقافهما حاليًا وتتباطأ وتيرة التحقيقات، خصوصًا أنه ينظر إلى الخدمات التي يقدمها كل من فيسبوك وجوجل حاليًا باعتبارها خدمات أساسية يحتاج إليها الجمهور خلال فترة الإغلاق.

في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي من البطالة ويواجه كسادًا محتملاً لم يشهد مثله منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات، يبرز عمالقة التكنولوجيا الأمريكية باعتبارهم أبرز المستفيدين من الأزمة حتى الآن، حيث تغيرت عادات المستهلكين حول العالم فجأة بشكل جعلهم أكثر اعتمادًا على خدمات تلك الشركات.

وفي ظل ضعف أداء أسهم أغلب القطاعات الاقتصادية، ارتفعت أسهم كل من “جوجل” و”فيسبوك” على مدار العام السابق، وبينما تتسابق الكثير من الشركات في الاستغناء عن موظفيها تتحرك فيسبوك حاليًا لاقتناص أفضل المواهب حيث أعلنت عزمها توظيف 10 آلاف موظف جديد في 2020.

الحيازات الهائلة من الكاش التي تمتلكها كل من جوجل وفيسبوك ستمكنهما من تحمل الركود الاقتصادي المقبل، على عكس الكثير من الشركات العاملة في قطاعات أخرى وحتى الشركات الناشئة العاملة في القطاع التكنولوجي، فمع انهيار الكثير من الشركات الناشئة منذ بداية العام الماضي؛ بسبب الضغوط المالية التي خلقتها أزمة كورونا من المرجح أن تتوسع الشركات الضخمة في أنشطة الاستحواذ.

في الفترة الحالية تلعب جوجل وفيسبوك ومعهما أمازون وآبل بقواعد السوق القديمة، والتي تشمل اقتناص المواهب وشراء المنافسين أو تقليدهم، وفي ظل أجواء كهذه ستختفي كثير من الشركات الصغيرة أو الضعيفة، وبالتأكيد لن تستوعب الشركات الكبيرة كل من سيتسبب في انهيار تلك الشركات في خسارتهم لوظائفهم.

على سبيل المثال اشتكى موقع “يلب” المتخصص في مراجعات وآراء المستهلكين لسنوات من أن “جوجل” نسخت خدماته واستخدمت قوتها كموقع بحث لإبعاد الشركة عن الظهور في مقدمة نتائج البحث فيما يخص المراجعات، وهو ما اضطر الشركة هذا العام إلى الاستغناء عن أكثر من ألفين من موظفيها إما من خلال التسريح و الإجازة المفتوحة، وهو العدد الذي يشكل نحو ثلث قوتها العاملة.

وبينما يتوقع المحللون تأثر إيرادات “جوجل” و”فيسبوك” من الإعلانات تحديدًا، فإن الشركات المنافسة لهما في نفس المجال ستكون أسوأ حالاً، وستضطر قريبًا لتسريح جزء كبير من موظفيها وربما إغلاق أبوابها تمامًا، وذلك في نفس الوقت الذي يتكئ فيه عمالقة التكنولوجيا على كميات هائلة من الكاش تم تكوينها على مدى سنوات.

ولكن في المقابل إن قدرة شركات التكنولوجيا الضخمة على الاستمرار في التوظيف والاحتفاظ بموظفيها لن تعطي تلك الشركات ميزة فقط، بل ستساعد الاقتصاد الأمريكي ككل وهو ما يعيه الآن أكثر من أي وقت مضى المشرعون الأمريكيون، ولذلك يغلون أيديهم عن تلك الشركات حاليًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى