لبنان بين جائحة كورونا وقمة العُلا* فارس خشان

النشرة الدولية –

النهار العربي –

كان لبنان من الدول التي نزلت عليها نعمة السماء، في الموجة الأولى لانتشار جائحة كورونا، إذ إنّ عدد المصابين كان منخفضاً للغاية، وعدد ضحاياه أيضاً، في وقت كانت الأنظمة الطبية في أكثر العالم تقدّماً تشهد، بعجزها عن تلبية المطالب الملحة، على أعظم كارثة أصابت شعوبها.

ولكن، بدل أن يتعاطى المسؤولون اللبنانيون مع هذه النعمة على أساس أنّها فسحة لتوفير ما يلزم من عدّة لمواجهة الأصعب، استغلّوها لاستعراضات بطولات زائفة، بدءاً برئيس الحكومة حسّان دياب الذي راح يتباهى بأنّ لبنان أبهر العالم، مروراً بـ”حزب الله” الذي راح يسوّق لنفسه بتنظيم “استعراض طبي”، وصولاً الى وزير الصحة حمد حسن الذي احتفى فخوراً بانتصاره على العدو كوفيد-19.

وكانت لهذه النعمة التي سرعان ما جرى التفريط بها، على قارعة “الفخر المتعامي”، أسباب موضوعية، إذ إنّ وسائل الإعلام أخذت المبادرة وحلّت مكان السلطة، فأعطت مكافحة فيروس كورونا الأولوية، وتفاعل اللبنانيون، بأكثرية ساحقة، مع هذه الحملة الوقائية، الأمر الذي منع الحالات القليلة الآتية من الخارج، من أن تنشر الفيروس على نطاق واسع.

وقد لاحظ كثيرون أنّ اللبنانيين الذين كانوا ينتقلون الى دول أوروبية، في تلك المرحلة، وجّهوا انتقادات كبيرة للتساهل في الإجراءات التي تتخذها حكوماتها.

يومها، على سبيل المثال لا الحصر، كان السائح اللبناني، في باريس، يتنقل بكمامته، في ظل غالبية فرنسية لا تضع الكمامات التي بسبب عدم توافرها في الأسواق، شيّعت الحكومة عدم ضرورتها.

ولكن، سرعان ما بدأت الأمور في لبنان تتدهور، إذ إنّه في وقت بدأت فيه أعداد المصابين بالفيروس تتكاثر بفعل إبقاء التواصل على طبيعته مع الدول “الموبوءة”، وبقاء القرارات الوقائية “حبراً على الورق”، تراجع الاهتمام بجائحة كورونا الى مرتبة متدنية جداً.

السلطة اللبنانية التي لم تكن، من اليوم الأول، جادة في مكافحة الكورونا جرّت وراءها وسائل الإعلام، فأصبح الهم هذا التضييق المتصاعد في المصارف على ودائع اللبنانيين، والإنهيار المتفاقم في سعر صرف الليرة اللبنانية، وانفجار مرفأ بيروت و”تخمين ” أسبابه ومحاولات الكشف عن المتورطين به، قبل أن تحلّ المبادرة الفرنسية بكل ما حملته من وعود وأحلام، وما عادت وأنتجته من صراع على السلطة والحصص والوزارات، في ظل تفعيل “حزب الله” سيطرته على القرار اللبناني ووضعه بخدمة إيران ليكون ورقة قوية من أوراق مواجهتها الصعبة جداً مع الولايات المتحدة الأميركية .

وتحت جناحي تفاقم المآسي المالية والإقتصادية والسياسية والسيادية في لبنان، راح فيروس كورونا يتنقل آمناً في أجساد شعب تلهيه مأساته اليومية عن واجب الوقاية.

وشاعت تبريرات كثيرة في لبنان للتراخي شبه الشامل، فهذا يقول إنّ الموت بالكورونا أرحم من الموت جوعاً، وذاك يؤكّد أنّ خطر الكورونا أقل بكثير من خطر التفكير بمآسينا في العزلة القاتلة.

والسلطة التي سبق لها أن أعلنت انتصارها على الكورونا واحتفلت بذلك في مشاهد وبائية، حاولت وتحاول أن ترفع المسؤولية عن نفسها برميها على الناس الذين تعجز عن مساعدتهم إن حجروا أنفسهم، وإن أرادوا شراء كمامات، وترفض أن تبثّ فيهم الأمل بغد أفضل حتى لا يفتشوا عن محاولة نسيان يأسهم بسهرات حاشدة هنا وهناك، لا تجد من يملك القدرة أو النية على ردعها ومنعها.

-2-

من يمكن أن يصدّق أنّه في وقت تعجز فيه المستشفيات عن استقبال المرضى، ويموت المصابون أمام عيون ذويهم المذهولين، تتعمّد الطبقة السياسية تحطيم ما تبقّى من لبنان، ف”حزب الله” الذي يمسك بالقرار اللبناني مشغول بتصعيد المواجهة، لمصلحة إيران، مع الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج، كما في نشر صور وتماثيل الجنرال الإيراني قاسم سليماني؟

من يمكن أن يتصوّر أن لبنان الذي يئن شعبه من تراكم الكوارث، يتعهّده مسؤولون يعجزون عن تشكيل حكومة ويتصارعون على الأحجام والحصص، ويخوضون حرباً إعلامية، بدل أن يصبّوا جهدهم على تهيئة الأرضية اللازمة لتوفير الأموال التي لا بدّ منها لإحياء البلاد وحماية العباد؟

ومن يمكن أن يتخيّل أنّ هؤلاء المسؤولين يستطيعون، بسهولة، أن يتجاهلوا ما ورد في بيان “قمة العلا” الأخيرة، حيث اعتبرت دول مجلس التعاون الخليجي في أهم قممها على الإطلاق، لبنان “ملاذا” للإرهاب الذي تراه مجسّداً في “حزب الله”، إذ حثّت الدول التي وصفتها بالصديقة لتصنيف “حزب الله” كمنظمة إرهابية من أجل تجفيف منابع الإرهاب وتمويله؟

وفي الوقت الذي تتوحّد فيه دول مجلس التعاون الخليجي-وهي حجر الزاوية في كل المبادرات الهادفة الى إنقاذ بلاد الأرز – في النظرة الى لبنان على أساس أنّه “ملاذ للإرهاب”، تجد “حزب الله”-بما يملكه من قوّة تحكّم-يرمي لبنان في “محور الممانعة”، ويعطي اللبنانيين توجيهاته حول شروط تشكيل الحكومة ومعايير مكافحة الفساد وطرق مساعدة المحتاجين برهن آخر ما يملكونه.

-3-

إنّ لبنان، في ظل هذه النوعية من المسؤولين، سيبقى يهدر الفرص المتاحة أمامه، فيجد نفسه يحوّل الفرص الى كارثة، ويستمع الى التدميريين يتّهمون غيرهم في ما هم فاعلوه.

ثمة من يعتبر أنّ المدخل الى شفاء لبنان من أوبئته، يبدأ ليس بتلقيح المواطنين ضد كورونا فايروس، بل بإيجاد لقاح يحصّن البلاد من الأمراض القاتلة التي تتسبّب بها هذه النوعية الرديئة من المسؤولين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى