مجلس النقد اللبناني… ما له وما عليه

النشرة الدولية –

لبنان 24 – كتبت هتاف دهام

كثرت الأحاديث عن حل لمُشكلة التضخمّ والتدهور في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي وذلك من خلال إنشاء “مجلس نقد”. هذا الحلّ تمّ إعتماده في العديد من الدول مثل دول أوروبا الشرقية (أستونيا، ليتوانيا، بلغاريا، البوسنة) والأرجنتين وغيرها. واذا كانت تجربة مجلس النقد قد نجحت في بعض البلدان، إلا أنها فشلت في بلدان أخرى مثل الأرجنتين. وحتى في حال نجاح التجربة، أظهرت التحاليل أن نجاح التجربة لم يكن بفضل هذا المجلس بل بفضل الإصلاحات التي قامت بها الدول.

من هنا يتساءل المواطن اللبناني عن حقيقة طرح “مجلس النقد” كحلّ للخروج من الأزمة التي تعصف به منذ أكثر من عام. فهل يُمكن لتجربة “مجلس النقد” أن تنجح في لبنان؟ وما هي التداعيات الإقتصادية والإجتماعية التي قد تنتج عن مثل هذه التجربة؟

الباحث الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة وفي حديث لموقع “لبنان ٢٤” قال إن “المصارف المركزية تمتلك أهداف نهائية منصوص عليها في النصوص القانونية التي أنشأتها (المادة 70 من قانون النقد والتسليف في حالة مصرف لبنان). ويظهر الثبات النقدي كهدف مُشترك لكل المصارف المركزية في العالم مع إختلاف في الأولويات. وبما أن المصارف المركزية لا يُمكنها التأثير مباشرة على أهدافها النهائية، تضع هذه المصارف أهدافاً وسيطة يكون لها تأثير مُباشر على الأهداف النهائية.

وتنقسم الأهداف الوسيطة إلى ثلاث فئات:

– الفئة الأولى وتشمل أهداف تعتمد على الكتل النقدية. هذه الفئة أثبتت عدم فعّاليتها لتحقيق الأهداف النهائية، إلا أن ذلك لا يعني أن الكتل النقدية لا يتمّ مراقبتها من قبل المصارف المركزية.

– الفئة الثانية وتشمل أهداف سعر الصرف وتنصّ على المحافظة على سعر الصرف مقابل عملة أجنبية داخل هامش يتمّ تحديده بحسب قدرة المصرف المركزي وعوامل أخرى.

– الفئة الثالثة وتنص على إتخاذ التضخّم كهدف وسيط عبر دوزنة كل المتغيرات النقدية والمالية للوصول إلى هدف تضخّم يُحدّده المصرف المركزي بحسب الوضع الإقتصادي. هذه الفئة هي التي تستخدمها المصارف المركزية التي تتمتّع بإستقلالية في الدول المُتطوّرة”.

وعليه، فإن مجلس النقد، هو نوع خاص من الفئة الثانية، يقول عجاقة، حيث يتمّ تثبيت سعر صرف العملة بشكل ميكانيكي مقابل العملة الأجنبية أو الذهب على أساس وقف طبع العملة إذا لم يكن هناك من إحتياط كاف لتغطيتها بالكامل. وبالتالي يتمّ سحب صلاحية طبع العملة من المصرف المركزي لصالح مجلس النقد والذي يعمل تبعًا لقواعد حسابية ولا يأخذ بعين الإعتبار أي معيار أخر”.

وعن فوائد وسيئات هذه السياسية، يقول عجاقة “من فوائد هذه السياسية أنها تقضي على التضخّم وتضمن ثبات سعر الصرف بشكل كامل، إلا أن لها تداعيات كارثية في حل لم يتمّ القيام بإصلاحات على مثال ما حصل في الأرجنتين. وفي حال لبنان، الوضع أكثر صعوبة، فوجود مجلس نقد يعني ربط كامل لليرة بالدولار وهو عكس ما يجب القيام به أي دعم الإقتصاد لكي يكون هو ضمانة الثبات النقدي. أيضًا وفي ظل الأجواء السياسية الحالية، فإن تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار لمدة ثلاثين يومًا لكي يعتمد سعر الصرف الرسمي في نهاية هذه الفترة، يجعل من سعر الدولار مقابل الليرة من دون سقف وهو ما قد يجلب الكوارث على المواطن اللبناني.

يضع عجاقة فرضية أن مجلس النقد موجود حاليًا، لكنه يسأل، مع عجز الخزينة العامّة وتعثّر الدولة عن دفع ديونها، كيف يُمكن للدولة أن تدفع أجور الموظفين أو دفع نفقاتها التشغيلية؟ من هنا يؤكد عجاقة انه لا يُمكن لهذا المجلس أن ينجح إلا في حال كان هناك حلّ سياسي وإصلاحات إقتصادية. كما لا يُمكن لأي حكومة إتباع سياسة إقتصادية مبنية على التحفيز الكينزي نظرًا إلى إستحالة تأمين التمويل اللازم لهذه السياسة.

انطلاقا مما تقدّم فإن مجلس النقد ليس بالحلّ السحري كما يطرح مناصرو هذا الطرح، وبالتالي لا خروج من الأزمة الحالية إلا من خلال حلّ سياسي وحكومة قادرة على القيام بإصلاحات سياسية، ومالية، ونقدية تؤمّن ديمومة وإستمرارية الإقتصاد اللبناني ونظامه السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button