أوروبا تعتزم تخفيضاً أوسع للانبعاثات بحلول 2030* وليد خدوري

النشرة الدولية –

قررت الأقطار الأعضاء السبعة والعشرون في الاتحاد الأوروبي في اجتماع القمة المناخي للأمم المتحدة في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي تخفيض انبعاثات الاحتباس الحراري في أوروبا إلى ما نسبته 55 في المائة من معدلاته في عام 1990 – مقارنة بمعدل 40 في المائة المقرر سابقا – وذلك بحلول عام 2030. وصرح مسؤولون أوروبيون بعد الإعلان عن هذا الالتزام، أنه يشكل «التزاماً واضحاً ومحدداً»، كما أنه «خطوة واضحة في الطريق لالتزام الأقطار الأوروبية بالحياد الكربوني بحلول عام 2050». ومن الجدير بالذكر، أن البرلمان الأوروبي مفروض أن يصوت على القرار في يونيو (حزيران) المقبل، حيث في حال الموافقة، سيصدر القوانين التنظيمية له.

يترك الاتفاق الحرية لكل دولة أوروبية أن تقرر في حينه نسبة أنواع مصادر سلة الطاقة التي تنوي استعمالها لتحقيق هذا الهدف. ومن المتوقع أن يشكل الغاز الطبيعي المصدر الأكثر استعمالا، نظرا لكثرة الاعتماد عليه حاليا في أوروبا ولكونه الوقود الأحفوري الأقل انبعاثاً لثاني أكسيد الكربون، وسيزداد في نفس الوقت الاعتماد على الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين.

هذا، وسيشهد العالم خلال العقود الثلاثة المقبلة – حتى منتصف القرن، تحولات جذرية في موازين الطاقة. إذ يتوقع تدريجيا انخفاض استهلاك الوقود الأحفوري (النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم الحجري) ليتزايد استعمال الطاقات النظيفة المستدامة (الشمسية والرياح والهيدروجين).

سيتقلص في بادئ الأمر وبشكل واسع، الاعتماد على الفحم الحجري المتوفر بكثرة ولا يزال مُعتمَداً في بعض الأقطار الأوروبية والآسيوية. إذ تدل دراسة صدرت مؤخراً لوكالة الطاقة الدولية أن استهلاك الفحم لا يزال واسعاً، رغم كونه أكثر وقود أحفوري تلويثاً. وقد انخفض استهلاك الفحم نحو 5 في المائة في عام 2020 بسبب الإقفالات التي واكبت (كوفيد – 19) بحسب دراسة الوكالة الصادرة في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتضيف الدراسة، أن أعلى استهلاك للفحم خلال العقد الماضي قد سجل في عام 2013 لكن رغم ذلك، فإن التوقعات تشير إلى بدء انخفاض كبير لاستهلاك الفحم في عام 2025 وتوجد احتياطات الفحم الضخمة في كل من الصين والهند، إلا أن هاتين الدولتين الكبريتين تعملان على تحويل استهلاكهما للطاقات النظيفة المستدامة، والنفط والغاز – بدلا من الفحم الحجري المتوفر لديهما داخلياً.

يستهلك معظم الفحم في توليد الطاقة الكهربائية، كما يعتبر الفحم ثاني أكبر مصدر للطاقة عالمياً اليوم، وذلك بفضل استهلاكه في الدول الآسيوية الكبرى، ذات الاقتصادات الناشئة. أما في أوروبا، فقد أغلقت معظم مناجم الفحم، بالذات في بريطانيا وألمانيا، حيث كان يشكل الفحم مصدراً طاقوياً أساسياً لمحطات الكهرباء. وتستمر بولندا حتى يومنا هذا معتمدة على احتياطيات الفحم المتوفرة لديها. ويتوفر احتياطي الفحم بكثرة في الولايات المتحدة أيضا، حيث لا يزال يحرق لتوليد الطاقة الكهربائية. وقد دافع الرئيس ترمب بشدة للاستمرار في حرق الفحم، رغم مضاره البيئية. إلا أنه من المتوقع أن يغلق الرئيس جو بايدن العديد من مناجم الفحم ليقلص من استعماله وتلويثه.

كما سينخفض استهلاك النفط تدريجياً مع زيادة شراء السيارة الكهربائية. ومن اللافت للنظر، أن في أوروبا وبقية الدول التي أخذت تشرع سنوات محددة قبل منتصف القرن لبيع السيارة الكهربائية، فإن القوانين المرعية تمنع بيع السيارات ذات محرك الاحتراق الداخلي الذاتي (المستخدمة للبنزين أو الديزل) لكن تسمح بقيادة هذه السيارات المستعملة في الطرقات مع السيارة الكهربائية، الأمر الذي يعني أن العالم سيمر بفترة انتقالية خلال العقود الثلاثة المقبلة، حيث سيزداد شراء السيارة الكهربائية، لكن في نفس الوقت يستمر استعمال السيارات القديمة، المستعملة منها بالذات.

بمعنى آخر، إن الطرق ستشهد بحلول منتصف القرن وجوداً أكبر للسيارة الكهربائية ووجوداً أقل لسيارات البنزين والديزل. أي أن دور البنزين سيبقى مهماً، لكن مع الانخفاض التدريجي للطلب على النفط حتى منتصف القرن على الأقل ومن ثم انخفاض السعر. وقد بدأ بالفعل انخفاض الطلب في العام الماضي ومن المتوقع استمرار انخفاض الطلب خلال هذا العام، لسبب استثنائي، تفشي جائحة (كوفيد – 19) وأخذ النفط يلعب دوراً مهماً في الصناعات البتروكيماوية، حيث بدأ يزداد الطلب عليه في هذا القطاع. وسيعوض ازدياد استعمال النفط في إنتاج البتروكيماويات بعض الانخفاض المتوقع للطلب عليه في قطاع المواصلات.

وبما أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الغاز الطبيعي هي الأقل، مقارنة بالفحم والنفط، فإن استهلاك الغاز في ازدياد مستمر سنويا، بالذات في توليد الكهرباء ومحطات تحلية المياه والتدفئة، بل وحتى المواصلات (بحدود ضئيلة).

يشكل القرار الأوروبي بتسريع تخفيض نسبة الانبعاثات الكربونية خطوة مهمة على الصعيد الدولي نظرا للدور الريادي لأوروبا على الصعيد العالمي في تحسين البيئة. وستساند الولايات المتحدة؛ بل ستأخذ واشنطن في عهد الرئيس جو بايدن، المبادرات، لدعم تقليص انبعاثات الاحتباس الحراري، الأمر الذي يتوقع أن يوفر زخماً أكبر لتقليص الانبعاثات.

* كاتب عراقي متخصص في أمور الطاقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى