أمة بلا حرية لن ترسم مستقبلها* صالح الراشد

النشرة الدولية –

يقف المُحاضر في منتصف القاعة وينظر للمتواجدين، ثم يتجه رويداً رويداً صوب مقاعد متجاورة يجلس عليها عربي وأفريقي وأوروبي وأميركي، ينظر إليهم ويوجه لهم هذا السؤال:” ما رأيك في نقص الغذاء في العالم”، هو سؤال منطقي يحتاج إلى إجابات تُساهم في الوصول لحلول للخلاص من معضلة تهدد العالم، وتوقع المُحاضر أن يجد عند ممثلي غالبية العالم حلول مقنعة.

نظر الإفريقي إلى المُحاضر وسأل بيأس وحزن شديدين:”ماذا يعني الغذاء”، لأن هذا المصطلح يسمع به بعض شعوب الدول الإفريقية ولا يُشاهدوه، ولم يتلذذوا بطيب الطعام كونه محرم على قارة تسلبها أوروبا كل خيراتها الإقتصادية وجميع مواقفها السياسية، وهنا سأل الأوروبي صاحب العضلات المفتولة والجسد القوي: “ماذا تعني كلمة نقص”، فهذه القارة التي تُجبى إليها ثمرات العالم طوعاً وكُرها لا يعرف سكانها معنى الجوع والنقص لذا يعانون من التخمة وأمراض كثرة الأكل من سكري وضغط ونقرس وتصلب للشرايين التي تنتهي بجلطات دموية قاتلة.

إستغرب الأمريكي من أسئلة المُحاضر  وإجابات الإفريقي والأوروبي فقال متهكماً على طريقة رئيسه الرافض للواقع دونالد ترامب وسأل ببرود غريب :”ماذا تعني ببقية العالم”، فحسب النهج الإقتصادي السياسي العسكري الأمريكي لا يوجد في العالم إلا الولايات المتحدة والبقية عبيد يعملون بكل نشاط وحيوية لإرضاء السيد صاحب القرار الأوحد والقوة العسكرية الأعظم، ليصبح بيت المواطن الأمريكي هو من يحدد مسيرة الإقتصاد العالمي، فاذا كان البيت “يجري” وفيه كل ما تشتهي النفس إضافة إلى رفاهية عالية  ورحلات فإن العالم “يمشي”، وإن “مشى” البيت الأمريكي فإن العالم يحبو وإن “حبا” يكون البقية قد “ماتوا”.

بقي العربي يستمع لما يجري وهو في قمة الإستغراب فالوضع مريب وعجيب، ليوجه سؤالاً إلى المُحاضر أثار استغراب الجميع حين قال:”ما معنى ما رأيك”، وهنا أسقط في يد الجميع مما سمعوا، فالإنسان قد يجوع وقد يشبع وربما يعتقد أنه يملك الكون لكن أن لا يكون له رأي فهذه أعظم الكوارث وأصعبها، وللحقيقة فقد صدق العربي فيما قال، ففي الوطن العربي يتم التعامل مع المواطن على أنه مجرد رقم أو تابع وإن تمت ترقيته يصل لمنصب رعية، والمطلوب منه أن يُنفذ دون سؤال كون السؤال يتعارض مع النهج والثقافة والعادات والتقاليد، لذا يتم توارث العبودية من جيل لجيل ويبقى السؤال والفكر والحوار وحرية الرأي من المُحرمات.

هذا ما خطته أصابع وفكر رسام الكاريكاتير المغربي الشعوبي العوني والذي أخذنا في رحلات عبر الفكر والقلب ونحن نُشاهد إبداعاته المتتالية، لأقف جامداً أمام هذا الرسم الذي يُعبر عن حال العالم، لنجد أننا كعرب نفتقد إلى أساس الوجود من حرية وديموقراطية وقدرة في التعبير عن الرأي، لنكون أفقر الشعوب في تحديد مصيرها وأجهلها في معرفة مستقبلها.

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button