لبنانيو الخليج في مرمى التطبيع* حمزة عليان

النشرة الدولية –

على المدى القريب، هل سيكون لبنان من ضمن الخاسرين من #التطبيع الخليجي مع إسرائيل؟ وعلى المدى الأبعد وإذا اكتمل عقد المطبّعين، على الأقل في الدائرة الخليجية، هل سيجعل من الإسرائيليين أكثر المنافسين والمزاحمين للبنان؟

 

كيف ولماذا؟ يعتمد لبنان على قطاع السياحة والخدمات العلاجية والترفيهية المكملة له. وهو يمثّل الوجهة المفضلة للخليجيين من حيث قرب المسافة والعلاقات التاريخية المتجذرة، ومستوى الخدمات والانفتاح الذي يتميز به.

 

وهذا ما بقي له من عوامل جذب، عدا ما حباه الله من طبيعة ومناخ معتدل وسهولة التنقل بين العاصمة والجبل وباقي المناطق السياحية.

كنا إلى وقت قريب ننعم بحريات التعبير والصحافة، وكانت بيروت ملجأً للمضطهدين والسياسيين العرب وللطبقة الغنية والنخب المثقفة، إلى جانب قوة لبنان في قطاع المصارف والسرّية المصرفية.

 

لم يعد لدينا ما ننافس به أو نحسد عليه سوى السياحة. هذا من جانب، أما الوجه الآخر للعملة، فيكمن في الجاليات اللبنانية التي تعمل وتعيش في دول الخليج العربي منذ زمن، ونحن نتحدث تقريباً عن نصف مليون لبناني موزعين بين الدول الست لمجلس التعاون.

 

تحتل الجاليات اللبنانية مواقع مؤثرة وفاعلة في الجسد الاقتصادي بالخليج، وهي مرغوب بها ومرحب فيها وخاصّة في القطاع الخاص، وعلى مستويات متقدمة في قطاعات الصحّة والتعليم والمقاولات والاستثمارات والميديا والفنادق والمطاعم ومجمل الخدمات الترفيهية.

 

وإذا حاولت الرجوع إلى الوراء قليلاً، فستجد أنّ للّبنانيين صوراً زاهية في المواقع التي عملوا فيها، ولديهم بصمات لا تغيب عنها الشمس ولا سيما في مجال المقاولات والطيران، وحتى في مناصب المستشارين لدى أصحاب القرار.

واللبنانيون بشكل عام يحظون بأفضلية التوظيف، وما زالوا مطلوبين أكثر من غيرهم مقارنة بالجاليات العربية الأخرى.

 

هذا الحضور مهدد بالتراجع من الإسرائيليين الذين دخلوا على الخط، وهم بشكل أو بآخر يملكون عناصر جذب تشبه في حدود معينة ما هو موجود في لبنان.

إسرائيل لديها قطاع سياحي مزدهر، والمسافة بالطائرة بينها وبين أيّ عاصمة خليجية تكاد تتقارب مع بيروت، وعندهم كلّ المقومات التي يبحث عنها عدد من الخليجيين، إضافة إلى أنّ لديهم قطاعاً صحّياً وطبّياً متطوراً. تلك العناصر ستجعل الوجهة الخليجية نحو تل أبيب وشواطئ نهاريا وسواحل يافا وحيفا هي الأكثر شهرة، ولا سيما أنها تحفّز عدداً من المواطنين الخليجيين على استكشافها في السنوات الأولى من التطبيع.

 

إذاً ستتخذ المزاحمة الإسرائيلية للبنان على الأغلب مسارين؛ الأول سحب أكبر عدد ممكن من السيّاح الخليجيين وتغيير وجهتهم، والثاني مزاحمة الجاليات اللبنانية العاملة في الخليج وأخذ بعض مواقعهم. أو أقلّه اصطياد الفرص بالتدريج للعمل في الشركات والمؤسسات الكبرى، وفي قطاعات مختلفة كان الفرد اللبناني يختص بها، نظراً لكفاءته وخبرته ومستوى تعليمه والبيئة التي تربّى فيها من حيث الانفتاح وتقبل الآخر، ومن حيث تعدد اللغات التي يجيدها.

 

قبل سنوات من التطبيع والدخول في مرحلة “السلام مقابل السلام”، كانت هناك تعاملات مخفية، لاسيما على نطاق الرشكات العالمية، مع “العدوّ الإسرائيلي”! والذين يحملون جوازات سفر غربية كان لديهم عقود وتعاقدات مع مؤسسات حكومية وخاصّة. أما الآن، فقد بات الإسرائيلي يأخذ التأشيرة من أيّ مطار خليجي يهبط فيه أقدم على التطبيع معه. ومع تغير الظروف والمعطيات، سيكون هذا الإسرائيلي “وكيلاً” عن أهم شركات التكنولوجيا في العالم وحاضراً بقوة في هذا السوق الغنيّ، وسيحجز له حصّة من الثروة التي سعى جاهداً للفوز بها.

 

الحديث تخطّى حدود تعامل الأفراد الإسرائيليين ودخولهم إلى الأسواق الخليجية، وفي الاتجاه الآخر. وبات يتمّ اليوم عبر الحكومات من خلال المشاريع المشتركة، ومنها على سبيل المثال: مدّ أنابيب نفط وغاز، مدّ سكك حديد، مدّ طرق برّية وبحرية، فتح الأسواق، خلق وكلاء تسويق وبيع للمنتجات الإسرائيلية…

في ظل هذه الوضعية المستجدّة التي يتوقعها المراقبون وأهل الاختصاص، ستشكل أرضية مناسبة لتسليط الضوء عليها والإمعان في دراستها واستخلاص النتائج المترتبة عليها، استعداداً لكيفية التعامل مع العصر القادم.

 

إعلامي وباحث لبناني مقيم في الكويت

 

[email protected]

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button