بريطانيا فشلت… مجدداً!* ذي أتلانتك

النشرة الدولية –

بريطانيا تفشل مجدداً، فقد ألقى جونسون خطاباً منذ أيام وحذر الناس من استفحال فيروس “كوفيد19” في أنحاء البلد واحتمال أن تفيض المستشفيات بالمرضى تزامناً مع فرض إقفال وطني تام للمرة الثالثة خلال تسعة أشهر، غداة اشتداد الضغوط منذ أسابيع لتقوية الرد الحكومي على ما يحصل.

بعدما قررت بريطانيا فرض الإقفال التام لاحتواء فيروس كورونا في السنة الماضية، كان لا بد من مراعاة عدد من العوامل المخففة لتقييم أداء الحكومة، إذ سجّل البلد في المرحلة اللاحقة أسوأ حصيلة وفيات في أوروبا وأسوأ انهيار اقتصادي لكن بوريس جونسون التزم بـ”التوصيات العلمية”، فأخّر الإقفال التام بناءً على نصائح المستشارين الطبيين والعلميين في حكومته. بشكل عام، شعرت بريطانيا بأنها تتجه إلى حقبة قاتمة على غرار جميع دول العالم في تلك الفترة، فربما تعثّر هذا البلد أكثر من غيره وتكبّد آلاف الخسائر البشرية، لكن بدا وكأنه استرجع جزءاً من توازنه بحلول الصيف، فبات مساوياً لمعظم الدول الأوروبية الأخرى.

لكن ها هي بريطانيا تفشل مجدداً اليوم، فقد ألقى جونسون خطاباً منذ أيام وحذر الناس من استفحال فيروس “كوفيد19” في أنحاء البلد واحتمال أن تفيض المستشفيات بالمرضى تزامناً مع فرض إقفال وطني تام للمرة الثالثة خلال تسعة أشهر، غداة اشتداد الضغوط منذ أسابيع لتقوية الرد الحكومي على ما يحصل.

ترتبط أسوأ أسباب هذا الفشل بجونسون وحكومته، فمنذ بداية تفشي الوباء في الربيع الماضي، أدرك هؤلاء المسؤولون أن موجة ثانية قد تظهر في الشتاء، لكن بعدما كان جونسون “يطبّق التوصيات العلمية” بدقة، يبدو أنه تجاهل هذه المرة كلام مستشاريه العلميين والطبيين، فهم يدعونه منذ أسابيع، أو حتى أشهر، إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة.

يتعلق العذر الذي يقدمه جونسون الآن بسوء الحظ بكل بساطة مع أنه استخلص دروساً مفيدة من الموجة الأولى للفيروس كما يقول، حيث عبّر عن هذا الموقف عشية إعلانه عن الإقفال التام، فتكلم عن ظهور متغيرة جديدة وأكثر قابلية لنقل العدوى في إنكلترا خلال الخريف، مما أدى إلى تدمير الجهود الحكومية الناجحة لقمع الفيروس. كانت استراتيجية الحكومة ستنجح لولا ظهور السلالة الجديدة برأيه. هذا الكلام صحيح بدرجة معينة على الأقل، حيث تكشف الأدلة أن السلالة الجديدة معدية أكثر من سابقتها، وقد تكون مسؤولة جزئياً عن زيادة الإصابات بهذه السرعة في أنحاء بريطانيا، لكن ألا يُفترض أن تخطط الحكومات لهذا النوع من السيناريوهات؟

في مطلق الأحوال، من المتوقع أن تحصل طفرات بارزة مع توسّع انتشار الفيروس، وبما أن بريطانيا لم تنجح في كبح “كوفيد19” بالشكل المناسب، زاد احتمال أن تظهر طفرة جديدة وتُسبب هذه التداعيات كلها. حتى أنها ليست المتغيرة الوحيدة في بريطانيا، فقد وصلت طفرة أخرى من جنوب إفريقيا واجتاحت حدود البلد التي يسهل اختراقها بلا رادع.

عملياً، يبدو أن جونسون لم يتعلم إلا دروساً جزئية من إخفاقاته خلال الموجة الأولى. لقد أثبت دوماً بطء تحركاته لكبح الفيروس مقارنةً بالقادة الآخرين، بمن في ذلك المسؤولون داخل المملكة المتحدة، فقد أصبح تردد جونسون وتفاؤله الذي يبدو في غير محله نمطاً اعتيادياً، فمنذ شهر مارس الماضي، توقّع جونسون أن يقلب البلد مسار الوباء بعد 12 أسبوعاً ويضع حداً لفيروس كورونا نهائياً. وفي سولسو ادعى أن بريطانيا لن تحتاج إلى فرض الإقفال التام مجدداً، وحتى عندما اضطر لفرض ضوابط جديدة في أكتوبر، بقيت خطواته أبطأ من القادة الآخرين في ويلز واسكتلندا وأقل مستوى من مطالب المعارضة، فبدا وكأنه يرفض فرض ضوابط إضافية إلى أن يصبح هذا التحرك خياره الوحيد. يوم الأحد الماضي، اعتبر جونسون المدارس آمنة على جميع المستويات قبل أن يعلن إقفالها في اليوم التالي.

في النهاية، يبدو أن جونسون يحاول تطبيق مقاربة وسطية، مما يعني أن يتحكم بالوباء من دون القضاء على الحياة العادية والاقتصاد، إنه نهج منطقي جداً، لكن لم تنجح التنازلات اللاحقة على الأرجح في منع الأضرار الحادة التي تشتق من الوباء أو من تداعياته الاجتماعية والاقتصادية.

بعبارة أخرى، حاول جونسون المعروف برغبته في الاستفادة من أي وضع أن يحقق هذين الهدفَين معاً لكنه لم ينجح في أيٍّ من محاولاته في نهاية المطاف، وها هو يراهن الآن على مفعول اللقاحات لإنقاذ الوضع، لكن حتى لو نجحت اللقاحات وحصد جونسون بعض الإشادة على دعمه لجهود التلقيح منذ مرحلة مبكرة وتوفير تمويل حكومي كافٍ لهذه الحملة، يصعب أن تمحو هذه النتيجة إخفاقات بريطانيا الكبرى في التعامل مع فيروس كورونا.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى