هل اغتالت واشنطن سليماني لقطع الطريق أمام وصوله إلى رئاسة إيران؟* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

كثير من الأخبار والروايات نُسجت حول شخص قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني، الذي حلّت ذكرى اغتياله الأولى في الثالث من يناير (كانون الثاني) الحالي. هذا القائد الغامض اكتسب شهرة عبر الإعلام العالمي، وإعلام “محور الممانعة” الذي أظهره كشخصية أسطورية مطلقاً عليه اسم “رجل الظل” و”الشبح”، وارتبطت هذه الشهرة بموقعه العسكري والأمني، ووُصف أيضاً بـ”قائد الانتصارات في العراق وسوريا ولبنان”. هذا الرجل ترك أثاراً وبصمات في المشهد الإقليمي، وكان موضع إعجاب وذم وكره في الوقت نفسه، بحيث انقسمت الآراء حوله وكُتب الكثير عن حياته وكيف عاش وتنقل عبر الحدود كرجل “بلا ظل”، وهذا ما أعطاه قوة وغروراً بحيث أصبح يتكلم بطريقة مُستفزة ومُهددة للجميع في الأشهر الأخيرة من حياته.

اغتيل سليماني في الثالث من يناير 2020 في هجوم لطائرة أميركية مسيرة بالقرب من مطار العاصمة العراقية بغداد. في كتابه “THE SHADOW COMMANDER”, SOLEIMANI, THE US, AND IRAN’S GLOBAL AMBITIONS),  (قائد الظل: سليماني، الولايات المتحدة وطموحات إيران العالمية)، يقول الصحافي في “اندبندنت فارسية” والمؤرخ الإيراني أرش عزيزي الذي يعمل حالياً على أطروحة الدكتوراه في التاريخ ودراسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك، إن قتل سليماني “صدم الكثيرين”، “لقد تحرك بسلاسة عبر الحدود، كما لو كان يمكن أن يكون حاضراً في أكثر من مكان في الوقت نفسه. كان قائد الظل رجلاً بلا ظل. لكنه الآن مجرد جثة مشوهة”. ويؤكد أنه لو لم يأمر دونالد ترمب باغتياله، لكان سليماني سيرشح نفسه للرئاسة عام 2021، وترك مقتله فراغاً هائلاً لم يتمكن خليفته حتى الآن من ملئه. الكثير من الأشياء التي لمسها كانت تقترن باسم القدس (القدس بالاسم العربي لها)، ثكنات تدريب القدس، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، وعمليتان في الحرب الإيرانية العراقية.

من هو سليماني ولماذا أصبح بهذه القوة؟

ولد سليماني في قرية قناة مالك في محافظة كرمان الإيرانية في الحادي عشر من مارس (آذار) عام 1957، وفي تقرير لـ”Tablet Magazine” وهي مجلة يهودية – أميركية على الإنترنت، تحدث عن أهم ما ورد في كتاب عزيزي، تقول إن سليماني عانى من طفولة “ديكنزية”، إذ اتسمت بنقص المال والفرص بسبب وقوع الأسرة في ديون ثقيلة، ما أُجبر الشاب سليماني على ترك منزله والبحث عن عمل في مكان آخر، لا سيما في صناعة البناء، وحب الكاراتيه (وهذا ما غير حياته لاحقاً)، وولع بأزياء الرجال على غرار “سكارفيس”، والتطرف الديني. أثناء وجوده في كرمان، شهد سليماني ثورة 1979 الإسلامية. لم يلعب دوراً ملحوظاً في الانتفاضة، لكن مهاراته في الكاراتيه وكمال الأجسام أخذته لاحقاً إلى “الحرس الثوري الإسلامي” المشكل حديثاً. عندما غزا العراق إيران عام 1980، تحوّل الشاب سليماني من متحمس لصالة الألعاب الرياضية إلى جندي. في غضون سنوات قليلة كان يقود العمليات العسكرية. ومع الحرب الإيرانية – العراقية، سعى إلى مشاركة أوثق في الجبهة، بصفته عضواً في “الحرس الثوري الإيراني” الناشئ، وهي ميليشيا “نمت لتُلقي بظلالها على الجيش وتقزّمه… لم يخفِ سليماني الهادئ جداً طموحه. لقد خطط لجعل هذه الحرب حربه الخاصة”. أُصيب في عملية “الطريق إلى القدس” التي حملت عنواناً كبيراً، والتي أدت بشكل متواضع إلى تحرير مدينة البستان من السيطرة العراقية. أعقبت استعادة خرمشهر، سلسلة من الأحداث الإقليمية كان من الممكن أن تنهي الحرب، إشارة إلى انتصارات إيرانية، ومحاولة فلسطينية لاغتيال السفير الإسرائيلي شلومو أرغوف في لندن، وما نتج من ذلك من توغل إسرائيلي في لبنان لطرد “منظمة التحرير” الفلسطينية.

سليماني و”فيلق القدس”

في عام 1998 تم تعيين قاسم سليماني لقيادة “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني”، ولكن لم يتم تخصيص الوحدة حتى عام 2001 لإحباط الخطط الأميركية في الشرق الأوسط. كما يشير عزيزي، فإن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الإرهابية في ذلك العام، جعلت طهران في صف واشنطن. اعتقدت إيران أنها ستسكتشف التعاون في الحرب على الإرهاب مع الأميركيين، لكن المفاجأة أن واشنطن أعلنت أن طهران جزء من “محور الشر”. يكتب عزيزي، “لقد منح فيلق القدس التابع لسليماني العنان الآن من قبل كل من المرشد الأعلى والرئيس، لفعل كل ما في وسعه لتعطيل خطط الأميركيين”. “الأميركيون يفهمون لغة القوة فقط، كما ذهب تفكير المرشد الأعلى. كان يجب ضربهم”. سيُظهر الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 والانتفاضة السورية عام 2011، ما كان سليماني قادراً عليه. نما بثبات ليصبح أقوى رجل في إيران بعد المرشد الأعلى، وكان السياسيون الأقوياء، بمن فيهم الرئيس الإيراني، عاجزين نسبياً إلى جانبه، وأكسبته شهرته المتزايدة الكثير من المعجبين في الداخل، حتى بين أولئك الذين احتقروا النظام الحاكم.

تسليح “حزب الله” و”حماس”

لقد حقق التعظيم الذاتي والتسامح مع المذابح التي غُرست في شباب سليماني، أكبر مدى لها في تدمير سوريا من أجل دعم نظام الأسد، وشبه التدمير للبنان من خلال تسليح “حزب الله” ودعم هجماته على إسرائيل. كان سليماني أيضاً فخوراً بشكل خاص بدور “الحرس الثوري الإيراني” في تسليح “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين، وتدريب صانعي القنابل وضباط الخدمات اللوجستية على شن حرب صاروخية وهجمات انتحارية. ويقدم عزيزي رواية رائعة للهجوم الانتحاري الذي نفذته المجموعة الأخيرة في مطعم مكسيم في حيفا في أكتوبر (تشرين الأول) 2003، وبهجة “الحرس الثوري الإيراني” في الوقت نفسه بإراقة الدماء من غرفة آمنة لفيلق القدس في دمشق، “دان ياسر عرفات الهجوم بأشد العبارات، وكانالإيرانيون مبتهجين بالصدقية التي سيجلبها لهم”.

حرب العراق وتأثيرها في سليماني

أظهرت حرب العراق شجاعة سليماني داخل نفسية الشاب المدمرة، دوره في عمليتي الفجر 8 وكربلاء 4 لوحظ مرتين، كلاهما كان كارثة. في الواقع، كانت الحرب الإيرانية غير المجدية ضد العراق من 1982 إلى 1988 “شنيعة”، وصفها جيمس بوكان الناقد والمؤرخ الأميركي بأنها “أعظم كارثة حلت بإيران منذ الغزوات المغولية”، لكن من وجهة نظر سليماني “العالمية” لم تكن هناك “كارثة” أو “ذنب”. أيضاً في الوقت الحالي وبعد موافقة الأميركيين على الانسحاب من العراق، كانت الحرب الإيرانية داخل العراق جزءاً من “استراتيجية إيرانية إمبريالية راسخة للسيطرة على الأراضي الأجنبية من خلال الميليشيات القوية التي استجابت لطهران”. وبعد “حزب الله” في لبنان جاءت “كتائب حزب الله” في العراق من بين آخرين، والتي تضمنت مقاتلين أفغان وباكستانيين جندهم عملاء إيرانيون بأموال إيرانية.

“الحرس الثوري” وسوريا

يقول عزيزي إن العديد من  قادة “القاعدة” الذين بقوا على قيد الحياة وجدوا ملاذاً في طهران. ويتابع أنه سواء كان سليماني وفريقه في “الحرس الثوري الإيراني” يفضلون الشراكة مع أسامة بن لادن، أو إذا كانت كلمات جورج بوش الرئيس الأميركي السابق، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر “قلة غير منتخبة تقمع أمل الشعب الإيراني في الحرية” و”السعي إلى الحصول على أسلحة نووية” ووصفه إيران “بمحور الشر”، هي السبب، فقد “نجا سليماني من احتمال الشراكة مع الولايات المتحدة حتى أوتيت المفاوضات ثمارها في ولاية باراك أوباما الثانية”، على حد تعبير عزيزي. كان من نتائج هذا التعاون، دعم نظام القتل الجماعي لبشار الأسد في سوريا، والذي التزم أوباما ببقائه في وقت مبكر من رئاسته، بالاعتراف بـ “المصلحة” الإيرانية التي يمكن أن تستوعبها الولايات المتحدة في مخططه للهيكلية الأمنية الإقليمية حينها، وهذا من شأنه أن “يوازن” القوة الإيرانية المعززة، التي تضمنها الولايات المتحدة، ضد حلفاء أميركا التقليديين وأعداء إيران بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج. لكن النظام الإيراني نفسه لم يكن مجمعاً على الإطلاق في “احتضانه الطاغية الوحشي والفاسد في سوريا”، يقول أحد أعضاء فيلق القدس: “كنا نعلم أن الأسد كان ديكتاتوراً بلا دين”. “تذمر بعض الناس بشأن هذا في وقت مبكر. لكن عندما أصبح واضحاً أن القائد قرر شخصياً هذه الاستراتيجية، أطعناه جميعاً”.

علاقة سليماني بمحاولة اغتيال الرئيس اليمني السابق

في مقابلة صحافية مع الكاتب عزيزي مع “مركز كارنيغي للشرق الأوسط”، حول ما ورد في كتابه عن أن سليماني أمر مباشرة بقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وما مدى عمق انخراط إيران في تفاصيل صنع القرار من قبل “جماعة أنصار الله” المعروفة بحركة الحوثيين؟”. يجيب الكاتب “لقد قال لي اثنان من فيلق القدس معنيان بوضع سياسة إيران تجاه اليمن هذا بشكل منفصل. بالإضافة إلى ذلك، لقد قال مصدر في قيادة الحوثيين إن هذا كان طلباً من سليماني، وقد وافق عليه الحوثيون أنفسهم. وبالفعل لقد دفعتني الظروف التي وصفوها لي إلى الاعتقاد بأن المعلومات ذات صدقية. كما أنها تتوافق تماماً مع ما أعرفه عن سليماني وأسلوبه في اتخاذ القرار”. وتابع “أما بالنسبة إلى الحوثيين، فعلى الرغم من وجود عدد متزايد من الإيرانيين الذين تم إرسالهم إلى اليمن، فإن مشاركة طهران لا تضاهي مستوى مشاركتها مع حزب الله، الذي أسسته إيران وتديره فعلياً سنوات عدة، ولا يزال يعتمد بشكل كبير على الحرس الثوري الإيراني”. وأضاف “عندما يتعلق الأمر باليمن، فإن مشاركة إيران هي أكثر من مجرد ذراع. ولها عنصران أساسيان: محاولة مساعدة الحوثيين على أن يصبحوا أكثر تطوراً عسكرياً. ومحاولة منحهم أساساً أيديولوجياً أقوى”. ويوضح “لكن أيادي فيلق القدس في اليمن والذين تحدثت معهم، كان لديهم نهج متعال تماماً مع اليمنيين، معتبرين أن التطورات في اليمن انتفاضة قبلية وليست إسلامية بشكل صحيح. ولا أعتقد أن إيران خصصت موارد كافية لزيادة نفوذها فيه”.

ثاني أقوى رجل في النظام وقت وفاته

يقول المؤلف إنه في الصيف الذي سبق مقتل سليماني، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت عن خصمه القديم سليماني في مقابلة إذاعية، قائلاً “هناك شيء يعرفه، وهو يعرف أنني أعرفه، وأنا أعلم أنه يعرفه، وكلانا يعرف ما هو هذا الشيء”. وأضاف: “ما هذا، هذه قصة أخرى”. يقرأ عزيزي تصريحات أولمرت على أنها تهديد، وربما كانت كذلك، لكن وسط التهديدات المروعة والعنيفة التي انطلقت من طهران على مدى 40 عاماً (موجهة في الغالب إلى بلد أولمرت) يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق حسن الجوار، في المقابل كان سليماني يكره إسرائيل بهوس.

يعتبر أرش عزيزي، أن سليماني، بعد 20 عاماً في الظل، بلغ ذروة نشاطه ما بين العراق وسوريا واليمن، وبدا أنه يستمتع بالحماية الفعلية للقوة الأميركية بعد الاتفاق النووي لعام 2015. وأصبحت تهديداته أكثر جرأةً، ووعد بـ “انتفاضة دموية” في البحرين في يونيو (حزيران) 2016، وسخر من الرئيس ترمب في خطاب متفاخر شهير في يوليو (تموز) 2018. لقد خلد بشكل غير شرعي زيارات مقاتليه من الميليشيات في العراق بصور شخصية (Selfies). وفي حين كان بن لادن يتعرض للمطاردة، بدا سليماني واثقاً من أنه ليس كذلك. ويستشهد عزيزي براين كروكر (السفير الأميركي السابق في العراق)، على أنه يلاحظ أن الجنرال “سمح لغروره بالتغلب على تقديره، خرج قائد الظل من الظل، لم يعش طويلاً خارج عالم الظلال”.  ويكشف تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية نُشر في فبراير (شباط) 2019، عن أن واشنطن ارتكبت خطأ في العام 2007 عندما سنحت لها الفرصة باغتياله في العراق، ولم تنفذها. قوبل مقتل سليماني بالحزن والابتهاج داخل إيران. يصف عزيزي فرحة السوريين الذين تعرض بلدهم للهجوم من قبل نظام البعث وأسياده الإيرانيين. كان الإيرانيون، ولا سيما الشباب والباحثون عن الحرية، ليتذكروا عنف القوات شبه العسكرية ضد المتظاهرين الذي حرّض عليه سليماني شخصياً، وربما أعربوا عن تقديرهم أيضاً للصواريخ الأميركية التي أحرقته ووفرت لهم طموحه النهائي، “في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، طلب (سليماني) من بعض رجاله النظر في خوض الانتخابات الرئاسية”.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button