أقواس قزح كوكب المريخ
النشرة الدولية –
الحرة – آلى حميدي –
يسيل الدم نزولاً إلى طرف شفتي العليا، ألعق سريعاً بطرف لساني ما يستطيع الوصول إليه. يشتد قوس قزح “صلباً”، مبتهجاً بقدرته على نزف وصد أي جسد يحاول المرور من خلاله، مثبتاً فداحة فعل من يعتقد بأنه هش، شفيف وقابل للاختراق..
يخبرني صوتٌ من بعيد، بينما تنغمس قدماي وصولاً إلى الركب داخل بركة لزجة من السائل الفضي الذائب، أن “أقواس قزح في كوكب المريخ قاسية كقطع الحديد والألمنيوم، لا تُكسر حتى لو اخترقتها المذنبات. وهو شاهدٌ على ذلك”.
“ينبت القوس هنا مشتداً كالجبال هناك.” وأشار إلى السواد المرصّع بـ نقاط مضيئة متباينة الشدة، الأقرب للنظر نجوم ميتة، الأبعد، على وشك الأفول. لكن لا وجود لكوكب الأرض، إلى أين تفضي “هناك” إذاً؟
كواكب أخرى؟ مجرات؟ عوالم؟ أثقب سوداء، بيضاء؟ ممر دودي يصل الماضي بالمستقبل ويتقعر الحاضر بينهما كلسانٍ متدلٍ في وجه من يفشل في هزيمة الزمن والاستسلام لتقدم العمر حد الأفول تدريجياً؟ البوصلة في الفضاء تتجه دوماً نحو الأمام، مع اتجاه الانفجار العظيم، المستمر في هذه الأثناء.
لايزال في مرحلة الانفجار ونحن كذلك. يتفجّر خيوطاً سريعة، بيوضاً، أجنة موضوعة رأساً على عقب. باتجاه الأمام؛ جلوداً مترهلة، عظاماً منتظرة الطحن والانصهار إلى ذرات وأملاح، أشجاراً، زيوتاً على سطح أوراق أعشاب بريّة، تخرج سمها نداً مقطراً كنبتة الشكران القاتلة.
يقال إن سقراط انتحر بسمٍ مستخلص من نبتة شكران المياه، الشراب الذي اختاره كوسيلة مفضلة للموت. تسمى أيضاً، سم القندس، والبقدونس السام. المفضل لدي اسم “زهرة الشيطان”.
في الإنجليزية “The conium” المشتقة من الكلمة اليونانية konas وتعني الدوار أو الدوامة، التي تعد بطبيعة الحال واحدة من أعراض التسمم بها.
المثير للاهتمام سمعة هذه العشبة في أوروبا خلال القرون الوسطى، كأداة فعالة من أدوات “الشعوذة” لدى الساحرات وطقوس طبخ التعويذات.
تخيلها شكسبير في مشهد “أغنية الساحرات”، مسرحية “ماكبث”. ثلاث ساحرات، يتوسطهن مرجل يغلي بأجزاء من أجساد حيوانية، عين ضفدع، صوت خفاش، لسان كلب، الخ. يرمين الشكران مع تلاوة متكررة وكأنها أوامر للعشبة ذاتها في الانصياع عميقاً لاستدعاء قوى الظلام
“Root of hemlock digged in the dark”
يرددن بصوت متناغم فوق بخاره الصاعد بإيقاع ينذر بالهلاك الوشيك
““Double, double
toil and trouble; Fire burn,
and cauldron bubble.”
يجرني مشهد قوس قزح من ساعدي ككيس من الإسمنت، إلى كلمات “تشارلي ديوك” أحد رواد فضاء مركبة “أبولو” واصفاً الرائحة المهيمنة على سطح القمر. للدقة والمفضل شخصياً والأكثر شاعرية “رائحة الغبار
القمري أشبه برائحة البارود”. يكمل:
“جميعنا، حصل معه هذا؛ لم نستطع لمس أنوفنا أثناء وجودنا على سطح القمر. بعد كل مشية فوقه نعود بأحذية أثقل مما كانت عليه، بسبب الغبار القمري العالق في أسفله، وعلى القفازات، داخل كل إنش من بدلاتنا الخارجية. يشق الغبار طريقه إلى داخل المركبة مهما كنا حريصون على نفضه. في اللحظة التي نغلق فيها المنافذ، يسود المكان رائحة قوية من البارود المحترق”.
يستفيض “ديوك” بأن الأمر غاية في الغرابة لعدم وجود تفسير علمي لهذه الظاهرة، أو وجود أي تشابه كيميائي بين مكونات غبار القمر وعناصر البارود. يرجّح السبب معتقداً، إلى تفاعل الغبار مع الأوكسجين المدعوم في المركبة، التفسير الذي أثبت فشله لاحقاً عندما فقدت العينات الغبارية رائحة البارود لدى وصولها إلى كوكب الأرض.
تستدعي هذه الرائحة المؤقتة إلى التساؤل حد التشكيك عن حقيقة “وجودنا” و”وجود” الأشياء حولنا من روائح وأشكال وألوان من عدمه. تلاعب ذري؟ وهم؟ أم أنّ أدمغتنا مبرمجة لقراءة الأشياء بطريقة معينة؟ مبهم.