جوهر مشكلة إيران مشروعها الشرق أوسطي* طوني فرنسيس

النشرة الدولية –

ستستمر المناورات العسكرية الإيرانية التي بدأت قبل أسبوعين، حتى يوم الأربعاء المقبل، موعد تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.

وطوال الأيام والأسابيع، بل والشهور الماضية، لم تحرك إيران ساكناً تجاه ما اعتبرته العدوان الأميركي والإسرائيلي، فبقي حسابها مع واشنطن مفتوحاً على خلفية مقتل قاسم سليماني، وبقي حساب تنظيمها اللبناني مفتوحاً مع إسرائيل على خلفية مصرع أحد عناصر “حزب الله” في سوريا منذ أكثر من نصف عام، واكتفت في المقابل بتكثيف المناورات العسكرية الخاصة بها، وأدارت حركة تنظيماتها المسلحة في المنطقة، في تهديدات موضعية مضبوطة، من اليمن إلى العراق، وختمت العام بخطف ناقلة نفط كورية بحجة مخالفتها الشروط البيئية في الخليج، في حين تفاخر هي بزرعها مضيق هرمز بالألغام، ليتبين أن الهدف هو تحصيل أموال محتجزة في سيول.

 إظهار الانضباط

أظهرت إيران انضباطاً حاسماً في عدم الانزلاق إلى مواجهة مع أميركا وإسرائيل، بانتظار التوقيت المناسب. ورأى محللون ومتابعون أن هذا الانضباط يعكس ضعفاً إيرانياً نتيجة العقوبات والأزمات الاقتصادية والمالية والصحية من جهة، ورغبةً من جهة ثانية في انتظار ما ستقرره الإدارة الأميركية الجديدة في شأن الملف الإيراني بعناوينه الثلاثة: الاتفاق النووي، والصواريخ الباليستية، والتدخلات الإيرانية الإقليمية.

واستعادت المناورات المستمرة منذ أسبوعين تبني بعض ما ذهبت إليه إيران في الشهور الماضية، لدى إطلاقها المسيرات المفخخة ضد حقول النفط السعودية، وتوجيهها صواريخ حليفها الحوثي نحو المملكة، ثم عندما حركت ميليشياتها في العراق ضد الأميركيين، وسعيها إلى بناء حضور بارز في جنوب سوريا بمحاذاة الجولان.

تسليح الوكلاء

جاءت المناورات تجميعاً للأشكال المعتمدة في خوض المعركة عبر الوكلاء، مع إظهار أنواع من الأسلحة المطورة التي ستوضع بين أيدي هؤلاء، خصوصاً الطائرات المسيرة، التي ستصبح بعد تجارب الشرق الأوسط، وأخيراً الحرب في ناغورنو قره باغ، السلاح الأبرز في الحروب المقبلة.

وإلى جانب “الدرون” اهتمت المناورات بإبراز القدرة الصاروخية. وليس صدفةً أن الصواريخ والمسيرات هما شكل التسليح الأبرز للميليشيات العاملة بإمرة إيران في دول المشرق، ولم تعلن إيران رسمياً عن استخدامهما مباشرةً، وإنما لدى قصفها قاعدة عين الأسد العراقية وإسقاطها الطائرة الأوكرانية.

في المقابل، استخدم الوكلاء في العراق واليمن تلك المسيرات والصواريخ بكثافة في الاعتداء على السعودية وعلى الشعب السوري والمدن العراقية.

المواجهة في “غرب آسيا”

بموازاة المناورات العظمى والخطابات النارية، تابعت إسرائيل استهداف المواقع الإيرانية في سوريا. وبينما كانت صحارى إيران وبحارها تعج بالتجارب الصاروخية والبحرية تحولت سماء “غرب آسيا”، حسب التعبير الجيوسياسي الإيراني، إلى مسرح ضخم لحركة الطيران الإسرائيلي الذي وجه ضربات متلاحقة إلى المواقع الإيرانية في أنحاء سوريا. ومنذ نهاية الشهر الماضي زادت إسرائيل ضرباتها ضد تلك المواقع، وبلغ عدد الهجمات الكبرى أربعاً، بما فيها القصف العنيف الأسبوع الماضي في شرق البلاد.

وكانت الدولة العبرية تشن هجمات بمعدل مرة واحدة كل ثلاثة أسابيع، وخرقت أخيراً هذا المعدل بكثافة، وبحسب صحيفة “هآرتس”، فإن تل أبيب بعثت برسائل إلى النظام السوري هدفها تقليص استخدام الدفاعات الجوية السورية في حماية “كنوز إيران و(حزب الله) العسكرية في الأراضي السورية”. وتعكس الهجمات الإسرائيلية “استغلالاً لما يبدو أنه ضعف تكتيكي وبلبلة استراتيجية في الجانب الإيراني”.

الخطوط الحمر

وفي رأي الأميرال المتقاعد في البحرية الأميركية، القائد السابق لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، جيمس ستافريديس، فإن الإيرانيين يناورون بذكاء، فهم “ينوون تنفيذ سلسلة تحركات عسكرية ودبلوماسية هادفة إلى الإظهار أمام أميركا وحلفائها أنه لن يكون ممكناً ببساطة إحياء اتفاق 2015 مع فرض قيود إضافية على الصواريخ الباليستية والأنشطة الإرهابية، وكلاهما خط أحمر لآيات الله”.

ولقد أعلن المرشد علي خامنئي تلك الخطوط الحمر، وجوهر الموضوع هو حفظ التوسع الإقليمي لإيران بنتيجة أي مفاوضات محتملة. فالسلاح النووي، إن توفر، والصواريخ الباليستية والمسيرات، ليست سوى أدوات لفرض هذا التوسع والمحافظة عليه، وهو ما يعكسه النقاش السياسي الداخلي في إيران مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل وتواتر الحديث عن صحة خامنئي وخلافته.

وحدد قائد سلاح الجو في الحرس الثوري، لبنان جبهة المواجهة الصاروخية الأولى للدفاع عن إيران، لكن محسن رضائي، أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام، المرشح للرئاسة، دعا إلى بناء “الحزام الذهبي الإيراني” في الشرق الأوسط. وفي رد على دعوة الرئيس حسن روحاني إلى إجراء استفتاء شعبي حول القضايا التي تؤثر على حياة المواطنين مباشرةً، قال رضائي “نحن لا نحتاج إلى إجراء استفتاء شعبي، بل إلى مشروع الحزام الذهبي للسيطرة الكاملة على منطقة الشرق الأوسط، والتأثير على القوى العالمية”، لكن الأهداف الواضحة لا تعكس الذكاء الذي يتحدث عنه قائد الأطلسي السابق، بقدر ما تعكس طمعاً واستهتاراً بشعوب المنطقة العرب، وخوفاً ورهبةً من اليد الإسرائيلية الطويلة، وما تخفيه الإدارة الأميركية الجديدة بعد سنوات دونالد ترمب العاصفة.

وستنتظر طهران ما سيفعله بايدن من دون تنازل عن مشروعها النووي والإقليمي، وستواصل إسرائيل هجماتها ضدها، بانتظار أن ينضج موقف عربي وضعت أسسه قمة العلا الخليجية، لتكتمل صورة مرحلة مقبلة يجري تجميع تفاصيلها في عواصم العالم المؤثرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى